كيف أكون تقياً
التقوى
حثّ الإسلام على التقوى ودعا إليها، لما لها من منزلة عظيمة وأهمية بالغة؛ فبها تحصل السعادة للعبد في الدارين؛ الدنيا والآخرة، وبها يتفاضل المسلمون، ويتمايزون بين بعضهم، بل هي المقياس الأول والأخير للتفاضل بين المسلمين؛ قال -تعالى-: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ).
كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله: (يا أيها الناس، ألا إن ربكم -عز وجل- واحد، ألا وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ألا لا فضل لأسود على أحمر إلا بالتقوى، ألا قد بلغت؟ قالوا: نعم، قال: ليبلغ الشاهد الغائب)، وذلك يدلُّ على عظيم فضل التقوى ومكانتها.
كيف أكون تقياً
توجد العديد من الخطوات والأمور التي يمكن للعبد أن يتبعها حتى يكون تقياً؛ منها:
- أن تغلب محبة الله -عزّ وجلّ- على قلب العبد
بحيث يدع لها كل محبوب، ويضحي في سبيلها كل مرغوب؛ وذلك بأن يحب العبد ربه -سبحانه وتعالى-، محبةً تجعله يُحبّ كل ما فرضه الله عليه، وبغض وكره كل ما نهاه الله -سبحانه وتعالى- عنه، وبذلك تتحقق محبة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومحبة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
- أن يستشعر العبد في قلبه مراقبة الله عزّ وجلّ
بحيث يعلم العبد ويتذكر أنّ الله -سبحانه وتعالى- يراقبه في كل أحواله، وفي حركاته وسكناته؛ فإذا لم يكن العبد يرى أحداً، فإنّ الله -سبحانه وتعالى- يراه، قال -تعالى-: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ).
- أن يعلم أثر المعاصي والآثام
لأن الذنوب والمعاصي سبب الشرور في الدنيا والآخرة؛ وبها تقسو القلوب، وتُنتهك الحُرمات، ويضيع العبد في طرق ومسالك الشيطان؛ فإذا علم أنّ تقوى الله تنجيه من ذلك، ابتعد عن المعاصي والذنوب ، وأحسن الإقبال على الله -تعالى-.
- أن يعلم كيف يغالب هواه ويطيع مولاه
وذلك عن طريق تذكير النفس بالله -سبحانه وتعالى-؛ عندما تريد النفس إتيان المعاصي، يقول مصطفى السباعيّ: "إذا همّت نفسك بالمعصية فذكرها بالله، فإذا لم ترجع فذكرها بأخلاق الرجال، فإذا لم ترجع فذكرها بالفضيحة إذا علم بها الناس، فإذا لم ترجع فاعلم أنك تلك الساعة قد انقلبت".
- أن يتنبّه لمكائد الشيطان ومصائده
إذا علِم العبد ما يحيكه له الشيطان من مكائد ومصائد ووساوس، حذِر منها، والتزم ذكر الله -سبحانه وتعالى- في كل أحواله، فإنه لا يدع للشيطان سبيلاً إليه؛ قال -تعالى-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ).
- الابتعاد عن الشبهات
قال -صلى الله عليه وسلم-: (الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ)؛فإنّ الغاية من الإيمان والتقوى هو الابتعاد عن الشبهات، ففي الشريعة الإسلامية الحرام واضح بيّن، وكذلك الحرام، وبينهما أمور مشتبهة إذا تطهر منها الإنسان، فقد نجا بدينه وعرضه.
تعريف التقوى
التقوى لغة
التقوى: في اللغة: بمعنى الاتقاء، وهو اتخاذ الوقاية، والاحتراز بطاعة الله -سبحانه وتعالى- عن عقوبته، وهي صيانة النفس عما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك.
التقوى اصطلاحاً
لقد تعددت الأقوال في مفهوم التقوى؛ وفيما يأتي بيان بعضٍ منها:
- التقوى في الطاعة يراد بها الإخلاص، وفي المعصية: يراد بها الترك والحذر.
- أن يتقي العبد ما سوى الله -تعالى-.
- المحافظة على آداب الشريعة، ومجانبة كل ما يُبعد العبد عن الله -تعالى-.
- ترك حظوظ النفس ومباينة النهي.
- ألا يرى العبد في نفسه شيئاً سوى الله، وقيل: ألا يرى نفسه خيرًا من أحد.
- تجنب القبيح خوفاً من الله -تعالى-، وحفظ الحواس وعدّ الأنفاس، وتنزيه الوقت عن موجبات غضب الله -تعالى-.
أهمية التقوى
للتقوى أهمية كبيرة وشرف عظيم؛ وذلك للأسباب الآتية:
- وصية الله -سبحانه وتعالى- للأولين والآخرين؛ فقد قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا).
والآية الكريمة تبين أنّ الله -سبحانه وتعالى- أوصى هذه الأمة، ومن قبلها من اليهود والنصارى وغيرهم بتقواه -سبحانه وتعالى-، فلا يخرجوا عن طاعته -سبحانه- بترك ما أوجب عليهم، أو فعل ما نهاهم عنه.
- وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأُمته؛ فقد وصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسلمين بتقوى الله -سبحانه وتعالى- في أحاديث كثيرة، فعن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: (صلى بنا رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة.. فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ).
وقد علّق ابن رجب -رحمه الله- على قوله -عليه الصلاة والسلام-: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة)؛ فقال: هاتان كلمتان تجمعان سعادة الدنيا والآخرة، وهي وصية الأولين والآخرين.
- وصية جميع الرسل -عليهم الصلاة والسلام- لأقوامهم؛ فالرسل أزكى البشر، فلو علموا أنّ هناك أمراً أنفع للناس من التقوى لما عدلوا عنها.
- أجمل لباس يتزين به العبد؛ فقد قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَلِباسُ التَّقوى ذلِكَ خَيرٌ ذلِكَ مِن آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ)؛لأن المتقي لله -سبحانه وتعالى- عبد ملتزم بطاعة الله وطاعة رسوله، والله -سبحانه وتعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- يأمران بأن يستر العبد عورته، ويأمران بالحياء ، والعفة.
- أفضل زاد يتزود به العبد؛ فقد قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)،فأمر الله -سبحانه وتعالى- عباده بأن يتقوه ويخافوه فلا يعصوه في أمره ونهيه.
- أهل التقوى هم أولياء الله.
- أمر الله -سبحانه وتعالى- عباده بالتعاون عليها؛ لشرف التقوى وعظمتها، كما نهاهم عن التعاون على ما يخالفها.