كيف أعرف أن الله راضٍ عني
كيف أعرف أنّ الله راضٍ عني
يمنح الله -تعالى- عبده علاماتٍ كثيرةٍ يستدلّ من خلالها إن كان الله -عزّ وجلّ- راضٍ عنه أم لا، منها:
- أن يُيسّر الله لعبده القيام بواجباته تجاه خالقه، وأن يهديه -سبحانه وتعالى- إلى الطريق المستقيم، حتّى إذا ما شعر العبد ببعض هذه العلامات لزم في نفسه سؤال الله -تعالى- الثبات على طريق الحقّ، حيث ينسب الخير الذي فيه إلى كرم الله -تعالى- وفضله ورحمته، ويلحق ذلك بالعمل الصالح؛ فالعبد معرّضٌ للفتنة والاغترار بالنفس؛ لذلك كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يُكثر من دعاء الله -تعالى-؛ بقوله: (اللهم يا مُقلِّبَ القلوبِ ، ثبِّتْ قلبي على دينِك)، حتّى سألته زوجه عائشة -رضي الله عنها- ذات مرّةٍ؛ فقالت: (إنَّكَ تُكثِرُ أنْ تقولَ: يا مُقَلِّبَ القُلوبِ ثَبِّتْ قَلْبي على دِينِكَ وطاعَتِكَ، قال: وما يُؤَمِّنِّي؟ وإنَّما قُلوبُ العِبادِ بَينَ إصْبَعَيِ الرَّحمنِ، إنَّه إذا أرادَ أنْ يَقلِبَ قَلبَ عَبدٍ قَلَبَه).
- قَبول توبة العبد المذنب، حيث يتوب الله -عزّ وجلّ- عليه؛ فقد قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ)، وقد فسّر الإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- ذلك فقال: "معناه أنّه إذا أحبّ الله -تعالى- عبده تاب عليه قبل الموت".
- حفظ جوارح العبد المسلم من الوقوع فيما لا يحبّه الله -تعالى-، وتيسيره للخير أينما كان؛ فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ الله قال: ما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها).
- محبّة أولياء الله الصالحين لمن يرضا الله -تعالى- عنه، حتى إنّه يُرضّي خلقه عنه، حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذَا أحبَّ الله العَبْدَ نادى جِبْرِيلَ: إنَّ الله يُحِبُّ فُلَاناً فأحْبِبْهُ، فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فيُنَادِي جِبْرِيلُ في أهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ الله يُحِبُّ فُلَاناً فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ).
- غرس اللين في قلب العبد، وملازمة الرفق لأخلاقه وأهل بيته؛ فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللهَ إذا أحبَّ أهلَ بيتٍ أدخلَ عليهِمُ الرِّفقَ)، كما ويهب الله -تعالى- العبد الرضيّ نفساً لوامةً تُنبهّه كلما أخطأ وتعثّر، فتعيده إلى جادّة الطريق مرّةً أخرى.
- التوفيق إلى الطاعات والأعمال الصالحة ، والتي تكون غاية العبد منها نيل رضوان الله -تعالى- وحده؛ فقد قال الله -تعالى-: (مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا)، وقد ذكر عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى- حالهم كما ذكرت الآية: "وصفُهم كثرة الصلاة، ومقصودهم بلوغ رضا ربهم".
- رضا العبد عن ربّه -جلّ وعلا-، والمداومة على شكره على فضله ونعمه التي تغمر حياة العبد؛ فقد قال الله -عزّ وجلّ-: (وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)، وفي ذلك قال ابن عثيمين رحمه الله -تعالى-: "الشاكر ينال رضا ربه"، حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ الله لَيَرْضَى عن العبد أن يأكُل الأكلةَ فيحْمدهُ عليها، أو يشرب الشربة فيَحمدهُ عليها).
- استقبال الابتلاء بالرضا الكامل بقضاء الله -تعالى- وقدره، والشعور بالطمأنينة والسكينة، واليقين بأنّ كلّ ما يختاره الله -تعالى- فيه خير كبير، قال الله -تعالى-: (فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)، فالله -عزّ وجلّ- أعلم بما يتناسب مع عبده، قال -جلّ وعلا-: (وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
- استغناء العبد بالله -تعالى- وحده؛ فلا يلجأ إلّا لله -عزّ وجلّ-، ولا يسأل حاجته إلّا الله -تعالى-؛ فهو وحده القادر على تحقيق مراد عباده، وتسخير الخير لهم.
- حسن الخاتمة؛ فمن فضل الله -تعالى- وكرمه أن يموت العبد وهو على حالٍ يحبّه الله -تعالى- ويرضاه، وهي من عاجل بشرى المؤمنين، حيث قال -تعالى-: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي)، فيُبشّر العبد بما يُطمئِن قلبه، ويشرح صدره.
آثار رضا الله عن العبد
رضا الله -عزّ وجلّ- محلّ اهتمام المؤمنين وغاية مقصدهم، وتحقق ذلك لهم يكون كالحصول على أعظم وأكبر النعم في الدنيا والآخرة، وقد جعل الله -تعالى- جزاء عباده المؤمنين حقّ الإيمان هو رضاه -جلّ وعلا- عنهم؛ فإذا ما رضي العبد عن ربّه رضي الله -تعالى- عنه، كما أنّ رضا العبد عن ربّه يُعدّ من آثار رضا الله -تعالى- عنه، حيث يكون رضا الله -تعالى- سبباً ونتيجةً في الآن نفسه، وهو أعظم ما يمكن أن يحققّه العبد في حياته؛ فهو طمأنينة العابدين، وسكينة المشتاقين، وإذا أراد العبد أن يعرف حال رضا الله -تعالى- عنه؛ ينظر إلى حال إيمانه، فمِن كمال رضوان الله -تعالى- عن العبد كمال إيمان العبد نفسه، حتى إذا ما رضي الله -تعالى- عن العبد أرضى عنه جميع خلقه.
الحرص على رضوان الله عن العبد
يحرص المسلم دائماً في حياته على نيل رضا الله -تعالى-؛ فرضاه -سبحانه- هو الغاية الأولى للعبد المسلم وأعظم مقاصده، حيث يظهر ذلك جليّاً في سلوكه وأخلاقه مع الآخرين؛ فيترجم ذلك عمليّاً في عمله وعباداته، فلا يغفل عن أسباب رضا الله -تعالى- عنه ولا للحظةٍ، ولا يُقدّم رضا أيّ إنسانٍ مهما كانت منزلته على رضا الله -تعالى-، ولا يخاف غضب أحدٍ إلّا الله -عزّ وجلّ-، فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (منِ التمسَ رضا اللَّهِ بسَخطِ النَّاسِ كفاهُ اللَّهُ مؤنةَ النَّاسِ ، ومنِ التمسَ رضا النَّاسِ بسخطِ اللَّهِ وَكلَهُ اللَّهُ إلى النَّاسِ)، وقد أخبر الله -عزّ وجلّ- في كتابه الكريم أنّ من أعظم ما يمكن أن يحقّقه العبد في حياته هو رضا الله -تعالى- عنه؛ حيث قال: (وَرِضوانٌ مِنَ اللَّـهِ أَكبَرُ)؛ فمن أهمّ وأعظم الآثار التي يُحصّلها العبد المسلم من الإيمان هي رضا الله -سبحانه وتعالى- عنه.