حكم طلاق الحامل
الطلاق
يحمل الطلاق في اللغة معنى التحرُّر من القيد، وهو في الاصطلاح الشرعيّ عند الفقهاء يعبّر عن حلّ قيد النكاح أو بعضه، ويُقصَد ببعضه الإشارة إلى الطلاق الرجعيّ، والطلاق مشروعٌ في الإسلام بالعديد من الأدلة، كقوله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)، وفي السُّنة النبوية ما يشير إلى مشروعيته كذلك، وقد أجمع المسلمون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشروعية الطلاق، وقد ذهب جميع العلماء إلى القول بأنّ الطلاق وإن كان جائزاً مشروعاً للمسلمين إلا أنّ الأصل فيه المنع والحظر، وقد عبّر الشيخ ابن تيمية عن ذلك بقوله: إنّ الدليل يقتضي القول بتحريم الطلاق لولا أنّ الحاجة تدعو إليه، وقد أباحه الله تبارك وتعالى رحمةً بعباده إذا دعتهم الحاجة إليه أحياناً.
وقد أورد القائلون في أنّ الأصل في الطلاق المنع والحظر عدداً من الأدلة على صحّة قولهم، منها قول الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)، وقال العلماء إنّ الآية تدل على استحباب إمساك الزوج لزوجته رغم كراهته لها، وهذا يدلّ على كراهية الطلاق، ومن الأدلة التي استدلوا بها أيضاً قول الله تعالى: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)، ففي هذه الآية إشارة إلى عدم طلاق الزوجة إذا كانت قائمةً بحقوق زوجها مطيعةً له، وأنّ طلاقها في هذه الحالة مكروه، وقد رُوِي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً قوله: (أيُّما امرأةٍ سألتْ زوجَها الطلاقَ، منْ غيرِ ما بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحةُ الجنةِ)، وقال العلماء في هذا إنّ تحريم رائحة الجنة على المرأة إن طلبت الطلاق بغير سبب دليل على كراهته في هذه الحال، وإنّ الأصل فيه الحظر والمنع.
حُكم طلاق الحامل
يظنّ بعض الناس أنّ الحامل لا يقع عليها طلاق زوجها ، مع أنّ هذا القول ليس له أصل عند العلماء، بل هم على العكس من ذلك قد أجمعوا على وقوع الطلاق عليها، وقالوا إنّ هذا النوع من الطلاق إمّا أن يكون سنّياً وإمّا لا يكون سنياً ولا بِدعياً، إلا أنه يقع بلا خلاف، واستدلوا على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عمر رضي الله عنه لمّا طلق امرأته وهي حائض: (مُرْه فليُراجعْها، ثمّ ليُطلّقْها طاهراً أو حاملاً)، والواضح في هذا الحديث أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد جعل طلاق الحامل كطلاق الطاهرة ، ممّا يدل على أنّ طلاق الحامل أمر مشروع لا بأس به، بل هو سنيّ على الراجح.
وأوضح العلماء أنّ الصفة المنهيّ عن تطليق المرأة فيها هي حالة كونها حائضاً أو نفساء، فإن كانت على إحدى هاتين الحالتين لم يجُز للمسلم أن يطلقها، وإنّما ينتظرها أن تطهر، فإن طهرت كان له أن يمسكها أو يطلقها، وذلك بدلالة غضب الرسول صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن عمر عندما طلق زوجته وهي حائض، ومن الحالات المنهيّ عن تطليق المرأة فيها أن تكون في طهر قد مسّها فيه، وهذا هو المعنى الوارد في قول الله تعالى: (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)؛ حيث قال العلماء إنّ التطليق للعدّة يعني أن تكون المرأة طاهرةً دون مجامعة زوجها لها، أو حاملاً قد ظهر حملها.
ويظهر ممّا سبق أنّ تطليق المرأة يُعدّ سُنيّاً في حالتين اثنتين، هما:
- حامل قد ظهر حملها.
- طاهرة ولم يمسّها زوجها في طهرها ذلك.
وأما حالات الطلاق البدعي غير السنيّ فثلاث حالات، كالآتي:
- طلاق الحائض.
- طلاق النفساء.
- طلاق المرأة في طهرها الذي جامعها فيه زوجها.
الحِكمة من عدم جواز الطلاق البدعيّ
ضيّق الله سبحانه وتعالى الطريق الموصل إلى الطلاق لرغبته في الحفاظ على النكاح واستمراره؛ وذلك لما فيه من خير ومصالح للناس، ومن أجل ذلك جعل الحيض والنفاس والطهر الذي تخلله جِماع موانع لتطليق المرأة، فلعلّ الرجل حينها يُمسك، فيحصل الوئام مجدداً بين الزوجين ويعدل عن طلاق زوجته، وجعل إمكانية الطلاق متحقّقة في حالتين لا يرغب الرجل عادةً فيهما بتطليق زوجته؛ الأولى حالة حملها لما يرجو من رؤية ولده ونتاج حملها، ولأنّها صالحة للجِماع في كلّ وقت، والحالة الثانية أن تكون قد طهرت حديثاً فهو راغب في جِماعها، وإن جامعها مُنِع من تطليقها حتّى تحيض مرة أخرى، والظاهر من ذلك تضييق إمكانية حصول الطلاق بين الزوجين، فإذا راعى الرجل هذه الأحكام سيقلّ الطلاق بين الأزواج إلى حدٍّ كبيرٍ.
الحِكمة من مشروعية الطلاق
يعدّ نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية من محاسنها الجمّة، ومن دلائل واقعيتها وحرصها الكبير على تحقيق مصالح الناس، فالإسلام وإن كان حريصاً على العلاقة الزوجية، راغباً في صيانتها وحفظها والاستمرار فيها، إلا أنه لم يتجاهل أو يغفل طبيعة النفوس البشرية، وما قد يصيبها من تغيرات أو ما يكون فيها من طباع قد تؤدي إلى الخلافات والمنافرة بين الناس بشكل عام والأزواج بشكل أخصّ، وقد تكون هذه الخلافات من الصعوبة بمكان حتّى إنه يصعب معها إيجاد حل وتفاهم دائمين، فيكون الحل حينها في افتراق الزوجين وحلّ رباط الزوجية بينهما، وتكون المصلحة في هذا الفراق أكبر وآكد من مصلحة البقاء على الزوجية بينهما، ومن أجل هذا شرع الله تعالى الطلاق وأجازه في التشريع الإسلامي.