ابن خفاجة
ابنُ خفاجة
ابنُ خفاجةَ هو الشاعرُ، والكاتبُ أبو إسحاق إبراهيمُ بنُ أبي الفَتح بن عبدالله بن خَفاجةَ الأَندلسيّ، وُلِد في العامِ أربعمئةٍ وخمسين للهجرة (1058م) في جزيرةٍ أندلسيّةٍ تُسمَّى شَقَر، والتي تقعُ في الجزءِ الشرقيِّ من الأندلس (قديماً)، كما أنّه نشَأَ، وترعرعَ في هذه الجزيرةِ ذاتِ الطبيعةِ الرائعةِ التي كانَ لها الأثرُ البارزُ في تكوينِ شخصيّته الشِّعريّةِ، ولأنَّ أباه كانَ من كبارِ أعيانِ المدينةِ آنذاك، فقد اختلطَ ابنُ خفاجةَ منذُ صغرِه بكبارِ العُلماءِ، وطلبَ العلمَ على أيديهم حتى أصبحَ واحداً من أبرزِ شُعراءِ الأندلسِ خلالَ القرنَين: الخامسِ، والسادسِ الهجريّين.
بدأَ ابنُ خفاجةَ حياتَه مُحِبّاً للطربِ، واللهوِ، والمَلذّاتِ؛ فقد كانَ من عائلةٍ ثريّةٍ مَنَحته حُرّيتَه، وما يحتاجُه كلّه، كما عاشَ في أجملِ مناطقِ الأندلسِ، وتأمَّل في طبيعتِها، ومناظرِها الخلّابة، ولم يجِد في وصفِ جمالِها إلّا أن يُعبِّرَ، ويُصوّرَ ما يراهُ في شِعرِه؛ فكانَ جمالُ الطبيعة هو ما أثارَ مداركَه الشعريّةَ، وما إن بلغَ ابنُ خفاجةَ الستّين من عُمرِه حتى استفاقَ من غفلتِه، وأدركَ أنّ الحياةَ فانيةٌ، وأنّه لا بُدَّ له من أن يُغيّرَ مجرى حياتِه، ويبتعدَ عن مواطنِ الهوى، والمَلذّاتِ؛ فأخذَ يقتدي بالشاعرِ ابنِ أُذينةَ، ويسيرُ على نَهجِه، وعكفَ على العبادةِ، وكتابةِ الشِّعر إلى أن تُوفِّيَ في السادسِ والعشرين من شهرِ شوّال من عامِ خمسمئةٍ وثلاثةٍ وثلاثين للهجرة، عن عُمرٍ يُناهزُ اثنين وثمانين عاماً.
الحياة العلميّة لابن خفاجة
تتلمذَ ابنُ خفاجةَ على يدِ كبارِ العُلماءِ، والشيوخِ، وأخذَ منهم اللغةَ، والنحوَ، والفقهَ، وحفظَ القرآنَ الكريمَ، والحديثَ النبويَّ الشريفَ، بالإضافة إلى أنّه دَرسَ النثرَ، والشِّعرَ، واستمرَّ ينهلُ، ويزيدُ من ثقافتِه بحفظِ، ومُطالعةِ دواوينَ شعريّةٍ لأبرزِ شعراءِ عَصرِه، ومن الجدير بالذكر أنّه تأثَّر بشِعر العديد منهم، أمثال: الشاعرِ أبي الطيّب المُتنبّي ، وعبدِ المحسن الصويريّ، والشريفِ الرضيّ، ومهيارِ الدُليميّ، وظلّ على ذلك النحو إلى أن أتقنَ الشِّعرَ، وعلومَه، وبدأ بنَظمه مُستنداً في ذلك إلى ما يملكه من ذوقٍ شِعريّ، وإلى الطبيعة الخلّابة التي مَنَحته الإلهامَ، والأوصافَ الفريدةَ الظاهرةَ في شِعرِه.
خصائصُ شِعر ابن خفاجة
يتميّزُ شِعرُ ابنِ خفاجةَ بتعدُّدِ الأغراضِ الشِّعريةِ بينَ الغزلِ الحسِّي، والمديحِ غيرِ التكسُّبي، ووصفِ الطبيعةِ الصامتةِ، والحيّةِ، والشكوى، والرثاءِ ، والفخرِ، والعتابِ، كما أنّ شِعرَ ابنِ خفاجةَ الشابّ يختلفُ عن شِعرِه وهو ناضجٌ، وعاقلٌ؛ ففي أيّامِ ملوكِ الطوائف حينما كان شابّاً، مالَ شِعرُه إلى شكلِ المقطوعاتِ بعيداً عن القصائدِ الطِّوالِ، ومع تقدُّمه في السنِّ، أخذَ شعرُه يتّجه إلى الطولِ، وجزالةِ اللفظِ، وقُوّتِه، بالإضافة إلى أنّ شِعرُه طُبِعَ بصفةِ التأمُّلِ.
مُؤلَّفات ابن خفاجة
وضعَ ابنُ خفاجةَ العديدَ من القصائدِ الشعريّةِ في ديوانِه، ولعلَّ إحداها فاقتِ البقيّةَ شُهرةً، ألا وهي قصيدةُ (وصف الجبلِ) التي جسَّد في أبياتها جَبلاً بصفةٍ بشريّةٍ يتحدّثُ عن بأسِه من طولِ بقائِه، وأنّه يتمنّى أن يموتَ، وصَوَّر نفسَه يتمنّى عكسَ ما يتمنّاه الجبلُ؛ فكان يتمنَّى البقاءَ، والخلودَ، ويخشى الموتَ، والفناءَ، ويُنهي المُقارنةَ بأنّه لا خلاصَ للأُمنيتَين.