ما هو شراب اهل الجنة
أسماء الجنّة
خلق الله -تعالى- الجنّة ، وجعل العمل الصالح، والإيمان بالله -تعالى- الطريق الوحيد إليها، حيث قال: (وَأَنَّ هـذا صِراطي مُستَقيمًا فَاتَّبِعوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلِهِ ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقونَ)، والجنّة اسمٌ مشتقّ من الستر والتغطية، وسميّ الجانّ بهذا الاسم؛ لاستتاره عن الأعين، وكذلك الجنين؛ لاستتاره في بطن أمّه، وذكر الله -تعالى- في القرآن الكريم عدّة أسماء للجنّة؛ منها: دار السلام؛ حيث إنّ السلام اسمٌ من أسماء الله الحسنى ، والجنّة دار الله -تعالى- التي سلّمها وسلّم أهلها، كما أنّها دار السلامة من كلّ مكروهٍ وبليةٍ، والسلام تحية أهلها، وتحية الملائكة فيها أيضاً، ومن أسمائها: جنّة المأوى، كما قال الله تعالى: (عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى)، حيث إنّ الجنّة دار مستقر، يأوي إليها المؤمنون، ومن أسمائها : دار الخُلد، وجنّة الفردوس؛ والفردوس أعلى الجنة وأفضلها، وجنّة عدن، وجنّات النّعيم؛ ويدل هذا الاسم على ما في الجنّة من نعيمٍ ظاهرٍ وباطنٍ، بالإضافة إلى مقعد الصدق، والمقام الأمين.
شراب أهل الجنّة
أكرم الله -تعالى- عباده الصالحين وجزاهم بالجنّة، ثمّ أباح لهم أن يشربوا من كلّ ما فيها من أنواع الأشربة المختلفة، كما قال الله تعالى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)، ومن شراب أهل الجنّة:
- الخمر: وخمر الجنّة جميلةٌ صافيةٌ رائقةٌ، يجد شاربها رائحة المسك بعد شربها، لا يملّ شاربها، ولا يذهب عقله، كما قال الله تعالى: (يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ*بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ*لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ)، بالإضافة إلى أنّ خمر الجنّة خاليةً من العيوب والآفات، وليست كخمر الدنيا الذي تُذهب العقول، وتُصدع الرؤوس، وتجلب الأسقام، وتُمرض الأبدان، وقد وصفها الله تعالى، فقال:(يطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ*بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ* لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ)، وقد نزّه الله -تعالى- خمر الجنّة عن خصال الخمر في الدنيا، من السّكْر، والصداع، والقيء، والبول.
- العيون: حيث يشرب أهل الجنّة من عيونٍ مختلفة الطعوم والمشارب، فمنها عيون مُزج ماؤها بالكافور، وهي العين التي يشرب منها الأبرار، كما قال الله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا*عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا)، بالإضافة إلى عينٍ تسمّى بالتسنيم ، وأخرى تسمّى بالسلسبيل، كما قال الله تعالى:(وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا*عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا)، ومنها عيون ماؤها عذب، غير مخلوط بشيء، وهذه العيون أعدّها الله -تعالى- للمقرّبين.
- أنهار الجنّة: يشرب أهل الجنة من أنهارها المختلفة، فمنها ما هو من عسلٍ، ومنها ما هو من لبنٍ، ومنها ما هو من خمرٍ ، ومنها ما هو من ماءٍ عذبٍ، كما قال الله تعالى: (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى).
شوق الصحابة للجنة
كان تفاعل الصحابة -رضي الله عنهم- مختلف عن تفاعل الآخرين مع الجنة، حيث كانت الجنّة نقطةً محوريةً في حياتهم، وهذا ما جعلهم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من العمل في سبيل الله، ورقيّ الأخلاق ، والاعتقاد بالله تعالى، وفي ما يأتي بعض الأمثلة على حبّهم للجنّة، وشوقهم إليها:
- كان أنس بن مالك -رضي الله عنه- أحد الحاضرين في معركة بدر ، وعندما اقترب المشركون من المسلمين، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (قوموا إلى جنةٍ عرضُها السماواتُ والأرضُ)، فلمّا سمع ذلك عُمير بن الحمام، تعجّب من ذلك، كأنّه يسمع ذلك لأوّل مرةٍ، فقال: (يا رسولَ اللهِ، جنةٌ عرضُها السماواتُ والأرضُ؟)، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (نعم)، فقال عُمير: (بخٍ بخٍ)، وكلمة بخٍ تستخدم في لغة العرب لتعظيم الأمر وتفخيمه، ولكنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- خشي أن يكون عمير قالها وهو مشككٌ أو غير مصدّق للأمر، فسأله عن سبب قوله بخٍ بخٍ، فقال عُمير: (لا والله يا رسول الله إلّا رجاءً أن أكون من أهلها)، فلمّا لمس النبي -عليه السلام- الصدق في كلامه، قال له: (فإنّك من أهلها)، ثمّ أخرج عُمير بعض التمرات التي كانت بحوزته ليأكلها، وبينما هو يأكل التمرات تذكّر الجنة ونعيمها، وشعر بأنّ قبره سيكون روضةً من رياض الجنة، فألقى التمرات، وقال: (لئن أنا حَييتُ حتى آكلَ تمراتي هذه، إنّها لحياةٌ طويلةٌ)، وبقي يقاتل حتى قُتل.
- بايع الأنصار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بيعة العقبة الثانية على شروطٍ ليست بالسهلة، بل كانوا يعلمون أن بيعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وخروجه مهاجراً إلى المدينة المنورة ، تعني مفارقة العرب كافّة، وقتل خيارهم، وأنّ السيوف ستمسّهم، وعلى الرغم من ذلك كلّه بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، على أن يمنعوه ممّا يمنعون منه أنفسهم وأبناءهم وأزواجهم، وينصروه عند قدومه إلى يثرب، وعلى أن يقوموا في الله لا تأخذهم لومة لائمٍ، وعلى النفقة في العسر واليسر، والسمع والطاعة في النشاط والكسل، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنّكر، وأمّا المقابل لهذه التضحيات والصعوبات كان وعد الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- لهم بالجنّة، وعلى الرغم من كلّ ما قدّموه كانوا هم الفائزون؛ لأنّهم كسبوا الجنّة، ومن يكسب الجنّة يكون قد فاز.