كم عدد أيام الحج
عدد أيام الحج
اختصّ الله -تعالى- شهر ذي الحجّة بأن جعل بعض أيامه ميقاتاً زمانياً تُؤدّى فيه مناسك الحجّ، والأيام التي تؤدّى فيها مناسك الحجّ ستّة، وهي:
- اليوم الثامن الذي يُسمّى يوم التروية؛ لأنّ الحُجّاج كانوا يأخذون فيه الماء من مكّة بسبب عدم وجود الماء في عرفة ومِنى.
- اليوم التاسع ويُسمّى يوم عرفة.
- اليوم العاشر الذي يُسمّى بيوم النَّحر.
- اليوم الحادي عشر ويُسمّى بيوم القَرّ؛ لأنّ الحُجّاج يقرّون فيه بِمِنى.
- اليوم الثاني عشر ويُسمّى بيوم النَّفر الأوّل.
- اليوم الثالث عشر والذي يُسمّى بيوم النَّفر الثاني.
أعمال أيام الحج
تتضمن أيام الحج أعمالاً عديدة، نبينها على النحو الآتي:
أعمال اليوم الثامن من ذي الحجة وما قبله
يُعرَّف طواف القدوم بأنّه الطواف الذي يؤدّيه الحاجّ عند وصوله إلى مكّة المُكرَّمة، ويمتدُّ وقته إلى حين الوقوف بعرفة، وهو أوّل عمل من أعمال الحجّ، وقال بذلك جُمهور الفُقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، وهو أحد الأقوال عند الحنابلة، واستدلّوا بقول عائشة -رضي الله عنها- عن فِعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لَمّا قَدِم إلى مكّة، وذلك: (أنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ)، وطواف القدوم يكون في مَقام تحيّةٍ للبيت؛ فيُستحَبُّ الابتداء به.
ووقت انتهائه يكون بالوقوف بعرفة لحديث عائشة -رضي الله عنها-، إذ قالت: (فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بالعُمْرَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ، بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِن مِنًى، وأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ، فإنَّما طَافُوا طَوَافًا واحِدًا)؛ فقد طاف النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ومَن كان معه من الصحابة بعد يوم عرفة طواف الإفاضة، ومنهم من نوى الحجّ مُتمتِّعاً.
وذلك يدُلّ على انتهاء وقت طواف القدوم لِمَن جاء إلى مكّة بعد يوم عرفة؛ لأنّ المُحرم بعد يوم عرفة يجب عليه طواف الإفاضة وليس طواف القدوم، كما أنّ طواف الإفاضة يُغني عن طواف القدوم للحاج الذي لم يأتِ البيت الحرام إلا بعد يوم عرفة.
وتشتمل أعمال اليوم الثامن وما قبل التاسع أيضاً على الإحرام؛ والذي يتباين بحسب حال الحاج على النحو الآتي:
- إن كان الحاجّ مُتمتِّعاً فإنّه يُحرم من الميقات، ويقول: "لبّيك عُمرة"، ويؤدّي أعمال العُمرة كاملة من طواف، وسَعي، وحَلق أو تقصير، ثُمّ يتحلّل من إحرامه، ويلبس ما شاء من الثياب.
- أمّا إن كان قارناً، فإنّه يُحرم من الميقات وينوي بقوله: "لبّيك عُمرة وحجّاً"، وعند وصوله إلى مكّة يطوف طواف القُدوم إن كان قادماً من خارج مكّة، ثُمّ يسعى، إلّا أنّه لا يأخذ من رأسه شيئاً، ويبقى مُحرماً إلى أن يرمي جمرة العقبة الكُبرى يوم العيد.
- وإن كان الحاجّ مُفرداً، فإنّه يُحرم، وينوي بقوله: "لبّيك حجّاً"، ويفعل كما يفعل الحاجّ المُقرن، وطواف القُدوم بالنسبة لهما سُنّة.
- يجوز للحاجّ المُفرد أو القارن أن يُؤخّر السَّعي إلى ما بعد الوقوف بعرفة، أمّا مَن كان من أهل مكّة أو كان من خارجها ولكنّه كان مُتمتِّعاً فإنّه يغتسل، ويتطيّب، ويُحرم من مكانه، وينوي بقوله: "لبّيك حجاً"؛ ذلك أنّ القارن والمُفرد يكونان مُحرمَين أصلاً، ولا يحتاجان إحراماً جديداً.
ثُمّ يخرج الحاجّ قبل زوال اليوم الثامن من مكّة إلى مِنى، ويُسَنّ له أن يُصلّي فيها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء؛ كُلّ فرضٍ في وقته قَصراً، ويُسَنّ له الإكثار من التلبية، والمَبيت فيها، وحِفظ جوارحه من الذُّنوب، ومع طلوع شمس اليوم التاسع يسير من مِنى إلى عرفة مُكبِّراً ومُلبِّياً.
أعمال اليوم التاسع من ذي الحجة
يُسمّى اليوم التاسع بيوم عرفة، ويبدأ وقوف الحاجّ في عرفة منذ زوال اليوم التاسع من ذي الحجّة، ويمتدّ وقته إلى ما قَبل الفجر من اليوم العاشر، وليوم عرفة الكثير من الفضائل ، ومنها ما يأتي:
- يوم من الأيّام الفاضلة عند الله -تعالى-، واليوم الذي أكمل الله -تعالى- فيه الدِّين، وأتمّ نعمته على الأُمّة الإسلاميّة؛ قال -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، وقد أخبر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنّ هذه الآية نزلت في يوم عرفة.
- عيد من أعياد المُسلمين وخاصّةً للحاجّ، ويُسَنّ لغير الحاجّ صيامه ليُكفِّر الله -تعالى- عنه ذُنوبه؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ).
- يوم يغفر الله -تعالى- فيه الذُّنوب، ويتجاوز فيه عن السيِّئات، ويُعتق فيه عباده من النار، ويقترب الله -تعالى- من عباده في هذا اليوم؛ ليُباهي بهم الملائكة؛ فقد ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ).
- يوم من الأيّام التي أقسم الله -تعالى- بها؛ فقال: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ)،وقِيل إنّ الشاهد الذي أقسم الله -تعالى- به هو يوم عرفة.
وبعد مغيب الشمس من اليوم التاسع من ذي الحجّة؛ أي ليلة العاشر، يُفيض الحاجّ من عرفة إلى مُزدلفة؛ فيبيت فيها، ويُستحَبّ له أن يفيض وهو يُلبّي بسكينةٍ فلا يُزاحم أحداً، وعند وصوله إلى مُزدلفة يُؤذّن ويُصلّي المغرب والعشاء جمعاً وقَصراً، ويُصلّيهما تأخيراً في وقت العشاء بأذانٍ واحدٍ وإقامتَين، ويُستحَبّ أن يُصلّي قيام الليل والوتر.
وعند دخول وقت الفجر يُصلّي سُنّته وفَرضه، ثُم يتوجّه إلى مكانٍ يُسمّى المَشعر الحرام؛ وهو ما يُطلَق عليه مسجد مُزدلفة، ويُسَنُّ له أن يستقبل القِبلة، ويرفع يدَيه بالذِّكر، ويدعو، ويُهلّل، ويُكبّر، ثُمّ يخرج من مُزدلفة إلى مِنى قبل طلوع الشمس.
وإن لم يتيسّر للحاجّ الذهاب إلى المَشعر الحرام، فيجوز له الوقوف في أيّ مكانٍ في مُزدلفة؛ يُصلّي ويدعو فيه، وقد رخّص النبيّ -عليه الصلاة والسلام- للضُعفاء ومن يُرافقهم في الخروج من مُزدلفة إلى مِنى بعد مُنتصف الليل؛ لرَمْي جمرة العقبة.
أعمال اليوم العاشر من ذي الحجة
يُنهي الحاجّ في هذا اليوم مُعظم أعمال الحجّ؛ فبعد وصوله إلى مِنى قبل طُلوع الشمس يرمي جمرة العقبة، ويمتدّ وقتها منذ طُلوع الشمس إلى ما قَبل الزوال، ثُمّ يذبح هَدْيه، ويحلق أو يُقصّر والحلق أفضل، وإذا رمى الحاجّ، وحلقَ أو قصَّر، أُبيحَ له كُلّ ما كان مُحرَّماً عليه وهو مُحرِم باستثناء مُجامعة النساء؛ إذ تبقى على حرمتها وهذا هو التحلُّل الأوّل.
ثُمّ يتوجّه إلى البيت ليطوف به طواف الإفاضة ، ويُسمّى أيضاً طواف الزيارة، ويُعَدّ هذا الطواف أحد أركان الحجّ الذي لا يكون تامّاً إلّا به، ومَن كان مُتمتِّعاً، فإنّه يسعى بين الصفا والمروة، أمّا من كان قارناً أو مُفرداً، فإنّ السَّعي يسقط عنه إن كان قد سعى في بداية قدومه إلى البيت.
والأفضل من حيث الترتيب أن يبدأ الحاجّ بالآتي:
- رَمي جمرة العقبة.
- ثُمّ ذَبح الهَدي.
- ثُمّ الحَلق.
- ثُمّ الطواف، وإن قدّم بعضها على بعض فلا حرج في ذلك وحجّه صحيح.
- وبعد أن يؤدّي الحاجّ طواف الإفاضة، والسَّعي بين الصفا والمروة، فإنّه يكون بذلك قد تحلّل التحلُّل الثاني؛ الأمر الذي يُبيح له باقي محظورات الإحرام، كمُجامَعة النساء.
- ثُمّ يتوجّه إلى مِنى؛ ليبيت فيها أيّام التشريق الثلاثة، ولياليها،[14] ويختصّ اليوم العاشر بالعديد من الفضائل، ومن ذلك أنّ الله -تعالى- سمّاه يوم الحجّ الأكبر؛ لكثرة ما فيه من المناسك والعبادات للحاجّ ولغيره.[15]
أعمال أيّام التشريق الثلاثة
فيما يأتي بيان لأهم المعلومات المتعلقة بأيام التشريق من حيث سبب تسميتها وأهم الأعمال فيها:
التعريف بأيام التشريق
تُعرَف الأيّام الثلاثة التي تأتي بعد يوم عيد الأضحى بأيّام التشريق، أو الأيّام المعدودات، وسُمِّيت بهذا؛ لأنّ الناس كانوا يُشرقون فيها لحوم الأضاحي والهَدي؛ أي ينشرونها في الشمس.
وقد تعدّدت أقوال الفُقهاء في حُكم المَبيت بمِنى ليالي التشريق، ونبين هذه الأقوال على النحو الآتي:
- قال جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة بأنّ المَبيت في مِنى واجب، وأنّ من تَركه وَجبَ عليه دم، في حين رخَّص المالكية والشافعية لرُعاة الإبل في عدم المَبيت، أمّا صاحب السقاية فيجوز له عدم المَبيت إلّا أنّه يجب عليه الحضور لأجل الرَّمي، والواجب في المَبيت قضاء مُعظم الليل في مِنى.
- ذهب الحنفيّة إلى أنّ المَبيت بمِنى ليالي التشريق سُنّة، واستدلّوا على ذلك بأنّ المَبيت في مِنى ليلة الثامن سُنّة، فتتبعه في الحُكم ليالي التشريق، وأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- رخّص للعباس -رضي الله عنه- في المَبيت بمكّة لأجل سقاية الحُجّاج.
وقد وردت الكثير من الفضائل في هذه الأيّام الثلاثة، ومنها ما يأتي:
- أعظم الأيّام عند الله -تعالى- بعد يوم النَّحر، وهي أيّام أكل وشرب وذِكرٍ؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (أيامُ التشريقِ أيامُ أكْلٍ، وشُرْبٍ، وذِكْرِ اللهِ).
- تُعَدّ من الأيّام التي يُسَنّ فيها الإكثار من التكبير ليجتمع للمؤمن نعيم القلوب بالذِّكر، ونعيم البَدَن بالأكل، والشُّرب، إذ ينشطُ بدَنُه فيكثر من التكبير وشكر الله على نعمه وفضله.
- تُعَدّ من الأيّام التي تذكر المؤمن بنعيم الجنّة؛ لأنّ حال الإنسان في بُعده عن الشهوات المُحرَّمة في الدُّنيا لتحصيل النعيم يوم القيامة، كحال الحاجّ الذي تكون مُحرّمةً عليه الكثير من المَحظورات حال إحرامه؛ فإذا تحلّل في ليالي التشريق، أُحِلّ له ما حُرِّم عليه من المُباحات.
أعمال اليومين الحادي عشر والثاني عشر
يرَمي الحاج الجمرات الثلاث بالترتيب في اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر؛ فيبدأ بجمرة العقبة الصُّغرى، ثُمّ الوُسطى، ثُمّ الكُبرى، ويرمي كُلّ جمرة بسبع حَصَيات، ويبدأ وقت الرَّمي بعد الزوال في كلا اليومَين؛ الحادي عشر، والثاني عشر، ولا يجوز قبل ذلك عند جُمهور الفُقهاء من الشافعية، والمالكية، والحنفية، والحنابلة.
ويُسَنّ الوقوف بعد الجمرة الوُسطى للدُّعاء، ومَن أراد التعجُّل فيجب عليه الخروج من مِنى قبل مغيب شمس اليوم الثاني عشر، ولا شيء عليه إن تأخّر بسبب الزحام، وعندها يذهب إلى مكّة ليطوف بالبيت طواف الوداع؛ وهو من واجبات الحجّ، ويسقط هذا الطواف عن الحائض والنفساء، أمّا مَن لم يتعجّل فعليه المَبيت في مِنى ليلةً أُخرى؛ وهي ليلة الثالث عشر.[20]
ويُسمّى اليوم الثاني عشر بيوم النَّفر الأوّل، ويسقط عن المُتعجِّل رَمي الجمرات في اليوم الثالث عشر، فيكون بذلك قد رمى يومَين فقط من أيّام التشريق، ويسقط عنه الثالث؛ بسبب تعجُّله.
أعمال اليوم الثالث عشر
يعد رمي الجمرات الثلاث أحد أعمال اليوم الثالث عشر، وقد تنوعت فيه آراء العلماء في توقيت بدء رمي الجمرات على النحو الآتي:
- يجب على الحاجّ غير المُتعجِّل أن يرميَ الجمرات الثلاث بعد زوال شمس اليوم الثالث عشر في رأي جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة.
- أجاز أبو حنيفة الرَّمي قبل ذلك.
ويمتدّ وقت الرَّمي في هذا اليوم إلى مغيب الشمس؛ لأنّ وقت انتهاء جميع مناسك الحجّ يكون بغروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة، وبعد رَمي الجمرات في هذا اليوم، يخرج الحاجّ من مِنى إلى مكّة، ويُسمّى هذا الخروج بيوم النَّفر الثاني.
ويُستحَبّ عند الجُمهور للنافر من مِنى إلى مكّة النزول بوادي يُسمّى المُحَصَّب، أَوِ الأَبطُح، ويقع هذا الوادي عند مدخل مكّة بين جبلَين ويمتدّ إلى مقبرة الحَجُون؛ فيُصلّي فيه الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وقد ذهب الحنفية إلى أنّ التحصيب سُنّة.[25]
وفي الوقت الحالي أصبح من ضمن عمار مدينة مكّة، ويمكث فيه الحاجّ؛ تطبيقاً لسُنّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وقد استدلّوا على الاستحباب بما ورد عن عائشة -رضي الله عنها-، إذ قالت: (إنَّما نزلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ المُحَصَّبَ ليَكونَ أسمَحَ لِخروجِهِ وليسَ بِسُنَّةٍ فمن شاءَ نزلَهُ ومن شاءَ لم ينزِلْهُ).[24][25]
ويطوف الحاجّ طواف الوداع بعد أن يُنهي جميع مناسكه وأعماله في مكّة، ويجب عليه الخروج من مكّة مباشرة بعد طواف الوداع، ولا يبقى فيها إلّا لعُذر، وهذا ما ذهب إليه جُمهور أهل العلم، ومن طاف الوداع ثُمّ بقي في مكّة أكثر من يومَين، فالواجب عليه إعادة الطواف، وإذا مكث يومَين ولم يُعد طواف الوداع وخرج من مكّة، فيجب عليه في هذه الحالة دم؛ لتركه واجباً من واجبات الحجّ.