كفارة عدم إخراج زكاة الفطر لسنوات
حكم تأخير إخراج زكاة الفطر
زكاة الفطر واجبة عند جمهور العلماء، والأصل الحرص على أدائها قبل صلاة العيد، وفيما يأتي أبرز الأحكام المتعلقة بوقت زكاة الفطر عند الفقهاء:
- يحرم تأخيرها عن وقتها، لا تسقط زكاة الفطر بتأخيرها، لكن إن كان بغير عذر فإنه يأثم بتأخيرها، وأما كان بعذر كالنسيان أو النوم مثلا، فيُرجى أن لا يكون آثماً بذلك، وبهذا قال المالكية،والشافعية،والحنابلة،والكفارة المترتبة على تأخيرها أمران:
- التوبة والاستغفار
إنّ حق الله في تأخيرها لا يُجبر إلا بالاستغفار والتوبة والأداء،فعليه التوبة والاستغفار من إثم تأخيرها لمخالفته ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنّه (أَمَرَ بهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلَاةِ).
- وجوب أدائها
قال المالكية: لا تسقط عن المقتدر عليها ولو مضى على ذلك عدة سنين،وقال النووي -في بيان مذهب الشافعية-: "وَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ أَثِمَ وَلَزِمَهُ إخْرَاجُهَا وَتَكُونُ قَضَاءً"،وكذلك قال الحنابلة الذين يعتبرونها عبادة تُقضى كالصلاة،كذلك قال الحنفية بأنها لا تسقط بتأخيرها عن يوم الفطر، لأن وقت أدائها موسعٌ عندهم كسائر الواجبات الموسعة، ويرَون أن إخراجها في أي وقت أداءً لا قضاءً.
والخلاصة أنّ الفقهاء قد أجمعوا على وجوب أدائها حتى ولو فات وقتها الواجب أو المستحب، ولا عبرة بقول من أسقطها بفوات وقتها، فقد ذكر ابن عابدين قولا للحسن بن زياد -من أصحاب أبي حنيفة- أن وقت أدائها يوم الفطر من أوله إلى آخره، فإذا لم يؤدها حتى مضى اليوم سقطت، وعقب عليه بقوله: "قلت: والظاهر أن هذا قول خارج عن المذهب".
- وقت زكاة الفطر
اختلف العلماء في الوقت الذي بدخوله تجب زكاة الفطر؛ فذهب جمهورهم إلى وجوبها بغروب شمس اليوم الأخير من رمضان، وهذا قول الإمام مالك في إحدى الروايتين عنه،والجديد في مذهب الإمام الشافعي، وقول الحنابلة.بينما ذهب الإمام أبو حنيفة،والإمام مالك في الرواية الثانية عنه،والإمام الشافعي في مذهبه القديم،إلى أن وقت وجوبها هو طلوع فجر يوم العيد، وثمرة اختلافهم هذا يعود لمسائل لا مجال لتفصيلها هنا.
كما اختلفوا أيضاً في الوقت الذي يجوز فيه إخراج زكاة الفطر أداءً دون أن يترتب إثمٌ على إخراجها فيه؛ ففي مذهب الإمام أبي حنيفة الوقت موسع وأداؤها يمتد العمر كله،أما المالكية فقالوا إن أداها قبل غروب شمس يوم العيد أجزأته،وهو قول الشافعية.
كما قال الإمام النووي: "مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهَا عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَفَعَلَهَا فِي يَوْمِهِ -أي يوم الفطر- لَمْ يَأْثَمْ وَكَانَتْ أَدَاءً"،وبه أيضا قال الحنابلة إلا أنهم يرون أنّ من أخّرها عن الصلاة فقد ترك الأفضل، ويجوز إخراجها باقي يوم العيد مع الكراهة.
لكن رغم اختلافهم في وقت الوجوب ووقت الجواز فقد أجمعوا -الحنفية،والمالكية،والشافعية،والحنابلة-، أنّ السُّنة في إخراج زكاة الفطر هو يوم الفطر قبل صلاة العيد، وهو الوقت المستحب لإخراجها، لقول ابن عمر-رضي الله عنهما-: (فَرَضَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ علَى العَبْدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنْثَى، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وأَمَرَ بهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلَاةِ).
حكم تقديم زكاة الفطر عن وقتها
يسأل كثير من الناس عن حكم إخراج زكاة الفطر قبل موعدها، وفيما يأتي أبرز أقوال العلماء في حكم تقديمها:
- إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين
أجاز بعض الحنابلة إخراجها من بعد النصف من رمضان، لكن جمهورهم أنّه يجوز تقديمها عن يوم العيد بيوم أو يومين فقط، ولا يُجزئ تقديمها أكثر من يومين، وبهذا قال المالكية أيضا،وهو قول الكَرْخِيُّ -من الحنفية- في مختصره.
- إخراجها من أول رمضان
قال الشافعية إنّ زكاة الفطر تجب بسببين هما الصوم والفطر، فإذا وجد أحدهما جاز تقديمها، ولكن لا يجوز إخراجها قبل رمضان،ووافقهم بعض علماء الحنفية.
- إخراجها قبل سنة أو سنتين
قال جمهور علماء الحنفية بجواز تعجليها سنة وسنتين، ومُرادهم في ذلك أنه يجوز تقديمها ولو طالت المدة.
هل الصيام معلقٌ بأداء زكاة الفطر؟
يعتقد بعض الناس أنّ الصيام لا يُقبل ولا يُرفع إلا بأداء زكاة الفطر، ويستشهدون بأحاديث لا تصح بل ومنكرة؛ منها ما يروى عن أنس -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يزالُ صيامُ العبدِ معلَّقًا بينَ السَّماءِ والأرضِ حتَّى يؤدِّيَ زَكاةَ فطرِهِ).
وقد بيّن العلماء أنّ كلاً من الصيام وزكاة الفطر عبادتان مستقلتان عن بعضهما، وأن وجود الصوم ليس شرطاً لوجوب زكاة الفطر، بدليل وجوبها على من لا يجب عليه الصوم كالصغير، وكذلك من أفطر كالكبير الذي لا يستطيع الصوم، والمريض، والمسافر، فهؤلاء جميعا تلزمهم زكاة الفطر مع أنهم لم يصوموا، كذلك فإنّ الأمر بأدائها مستقلٌ عن الصوم.والله أعلم.