قيام الليل واستجابة الدعاء
قيام الليل واستجابة الدعاء
يُعَدّ قيام الليل دأبَ أهل الفضل والصلاح، وهي عبادة ذات أجر وثواب عظيمَين؛ إذ إنّ صلاة الليل تَشُقّ على النفس؛ لأنّ الليل مَحلّ نوم، وراحة؛ وتَرْكه مع مَيلان النفس إليه مُجاهَدة عظيمة، كما أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يداوم على فِعل ذلك، إذ قالت عائشة -رضي الله عنها- لرجل من المسلمين: (لاَ تدع قيامَ اللَّيلِ فإنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانَ لاَ يدعُهُ وَكانَ إذا مرضَ أو كسلَ صلَّى قاعدًا)، وقد مدح الله -تعالى- المُستيقظين في الليل؛ لذِكره، فقال: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)،
ويُعَدّ وقت القيام أفضل الأوقات؛ لإطالة الصلاة، وتلاوة القرآن الكريم ؛ لأنّ الشواغل تنقطع في الليل، ويتعاون القلب واللسان على الفَهم؛ فتكون الصلاة أكثر خشوعاً، كما أنّ قراءة القرآن تكون أكثر تدبُّراً؛ قال -تعالى-: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا)، وفي هذا الوقت يكون ربّ العالَمين أقرب ما يكون إلى العبد، وفيه تُفتَّح أبواب السماء ، وتُعرَض حوائج السائلين، وتُستَجاب الدعوات؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له).
فضائل قيام الليل والدعاء
فضائل قيام الليل
ورد الفضل الكبير، والأجر العظيم الخاصّ بقيام الليل في العديد من الآيات القرآنية ، والأحاديث النبويّة الشريفة، وقد خاطب الله -تعالى- نبيّه محمداً -صلّى الله عليه وسلّم-؛ كي ينال هذا الشرف العظيم؛ لِينالَ المَقام المَحمود، وذلك بقوله -تعالى-: (وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّد بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحمودًا)، ومن الفضائل العظيمة الخاصّة به ما يأتي:
- وُصِف الذين يُقيمون الليل بالمؤمنين، ووُعِدوا بالجزاء العظيم؛ فقد قال -تعالى-: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ*تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
- تُعَدّ صلاة الليل أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة؛ قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: (سأَل رجلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ الصَّلاةِ أفضلُ بعدَ المكتوبةِ ؟ قال: ( الصَّلاةُ في جوفِ اللَّيلِ )).
- يُعَدّ قيام الليل أفضل الطاعات في شهر رمضان ؛ فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)، ويبدأ وقته قبل وقت الصيام، فمتى ثبت هلال رمضان سُنَّ قيام تلك الليلة.
- يُعَدّ قيام الليل إحدى صِفات المُتَّقِين التي ذكرَها الله -تعالى- بقوله: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ).
فضائل الدعاء
ورد فضل الدعاء في العديد من الآيات القرآنية، والأحاديث النبويّة الشريفة، ومنها ما يأتي:
- قوله -تعالى-: (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّـهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)؛ فالدعاء سبب لمغفرة الذنوب، والنصر على الأعداء.
- قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (وأعجزُ الناسِ من عجز عن الدعاءِ)؛ فالدعاء دليل على فِطنة المؤمن ، وسلامته من العَجز.
- قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما مِن أحدٍ يَدعو بدعاءٍ إلَّا آتاه اللهُ ما سألَ أو كفَّ عنه من السُّوءِ مثلَه ما لم يدْعُ بإثمٍ أو قَطيعةِ رَحمٍ)؛ فثمرة الدعاء مضمونة بإذن الله -تعالى-، ينالها المؤمن باستجابة دعائه، أو بدَفع السوء والأذى عنه.
- قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللَّهَ يقولُ: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي وأنا معهُ إذا دَعانِي).
ما يُعين على قيام الليل واستجابة الدعاء
ما يُعين على قيام الليل
هناك العديد من الأسباب التي تُعين المؤمن على قيام الليل، ومنها ما يأتي:
- معرفة الفضل العظيم لقيام الليل، ومكانة أهله عند الله -تعالى-، وأنّه مشهود لهم بالإيمان الكامل -وقد وردت أدلّة ذلك سابقاً-.
- إدراك كَيد الشيطان ، وحِرصه على تثبيط المسلم عن قيام الليل؛ فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وإلَّا أصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ).
- الإكثار من تذكُّر الموت ؛ لِما يبعثُ ذلك في نفس المسلم من هِمّة ونشاط للعمل؛ فيكون ذلك دافعاً له لقيام الليل؛ فقد ورد عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- أنّه قال: (أخَذَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمَنْكِبِي، فَقَالَ: كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ).
- معرفة المؤمن أنّ أجرَ ما كان يقوم به في حال صحّته وإقامته يُكتَب له حال مَرضه أو سفره؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سَافَرَ، كُتِبَ له مِثْلُ ما كانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا)، وذلك يستوجب اغتنام نعمتَي الصحّة، والفراغ في قيام الليل، وغيره من الأعمال الصالحة؛ حتى تُكتَب له حال عَجزه، أو انشغاله.
- حِرص المسلم على النوم المُبكِّر، مِمّا يمنحه نشاطاً، وقوّةً؛ لقيام الليل، وصلاة الفجر ، فقد ورد عن أبي برزة الأسلميّ -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشاءِ والحَدِيثَ بَعْدَها).
- حِرص المسلم على آداب النوم؛ فيتوضّأ، ويُصلّي سُنّة الوضوء، ويقرأ أذكار النوم ، ويُستحسَن له أن يُوصي أحداً من أهله، أو زملائه بإيقاظه.
- تجنُّب كلّ ما يمكن أن يكون سبباً في فَوات قيام الليل، كالإكثار من الأكل، وإرهاق الجسد نهاراً بالأعمال التي لا فائدة منها، وتَرك قيلولة النهار، وارتكاب الذنوب والمعاصي التي من شأنها أن تحرمَ العبد الكثير من الغنائم، كقيام الليل.
ما يُعين على استجابة الدعاء
هناك العديد من الأسباب التي تُعين الداعي على استجابة دعائه، ومنها ما يأتي:
- الإخلاص في الدعاء؛ ويكون ذلك بالاعتقاد الجازم أنّ الله -تعالى- هو وحده القادر على قضاء حاجته دون مراءاةٍ للناس؛ قال -تعالى-: (وَادعوهُ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ).
- المُبادرة بالتوبة، والاستغفار قبل الدعاء؛ لأنّ الذنوب تَحول دون استجابة الدعاء ؛ قال -تعالى-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارً).
- التذلُّل والتضرُّع لله -تعالى- بالدعاء؛ فقد قال -تعالى-: (ادعوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً).
- الحرص على الإلحاح بالدعاء؛ بتكراره مرّتَين، أو ثلاث مرّات؛ اتِّباعاً لنَهج النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فقد ورد عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُعجبُهُ أن يدعو ثلاثًا ويستغفرُ ثلاثًا).
- الابتعاد عن أكل المال الحرام؛ فهو من أكبر موانع الاستجابة؛ فقد ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، قال: (ثم ذكر الرجلَ يُطِيلُ السفرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ (ساعِيًا للحجِّ والعُمرةِ و نحوِهِما) يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السماءِ يا رَبِّ يا رَبِّ ومَطْعَمُهُ حرامٌ ، ومَشْرَبُهُ حرامٌ ، ومَلْبَسُهُ حرامٌ ، وغُذِّىَ بالحرامِ ، فأَنَّى يُستجابُ لذلك).
- استحباب تحرّي مَواطن إجابة الدعاء، وهذه المواطن تنقسم إلى ثلاثة أنواع، هي:
- المواطن الزمانيّة: كالثُّلث الأخير من الليل؛ فقد ورد عن عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- أنّه سأل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (قلتُ يا رسولَ اللهِ أيُّ الَّليلِ أسمعُ قال: جوفُ الليلِ الآخرِ)، ووقت السَّحَر الذي يكون في آخر الليل قبل طلوع الفجر؛ قال -تعالى-: (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، ومن ذلك أيضاً يوم الجمعة، وليلتها، وساعتها؛ فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (يَومُ الجُمُعةِ ثِنتا عَشرةَ -يُريدُ ساعةً- لا يوجَدُ مُسلِمٌ يَسألُ اللهَ عَزَّ وجَلَّ شَيئًا إلَّا آتاهُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ)، وقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في ساعة الجمعة : (فيه سَاعَةٌ، لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وهو قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شيئًا، إلَّا أعْطَاهُ إيَّاهُ)، ومن ذلك أيضاً أيام رمضان، ولياليه، ومنها ليلة القَدْر؛ قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتُهم: الصَّائمُ حتَّى يُفطِرَ)، أمّا ليلة القَدْر فهي ليلة مباركة؛ قال -تعالى-: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)؛ لذا كانت موطناً لاستجابة الدعاء.
- المَواطن المكانيّة: كالمُلتَزَم؛ وهو بين الحجر الأسود، وباب الكعبة؛ فقد أشار ابن عبّاس -رضي الله عنهما- إلى استجابة الدعاء لِمَن لَزِم المُلتَزَم، وفي جبل عرفة؛ فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (خيرُ الدُّعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ)، وفي مشاعر الحجّ أيضاً -هي خمسة عشر مَشعراً-، منها عند زمزم، وعلى الصفا والمروة ، وعند الجَمَرات الثلاث.
- الأحوال التي هي مَظنّة الإجابة: كالدعاء بين الأذان، والإقامة، وبعدها؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الدعاءُ لا يُرَدُّ بين الأذانِ والإقامةِ)، وفي حال السجود؛ فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ)، وفي حال الصوم، وحال الإفطار من الصوم؛ قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)، ومجيء هذه الآية بعد الأمر بصيام رمضان، وإكمال العدّة يدلّ على أنّ حال الصوم مَظنّة إجابة الدعاء، أمّا ما دلّ على أنّ حال الإفطار مَظنّة الإجابة قولُ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ للصَّائمِ عندَ فِطرِه دعوَةٌ ما تُردُّ). ومن ذلك أيضاً دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغَيب؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ)، وفي حال نزول الغيث؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ثِنتانِ ما تُرَدّانِ : الدُّعاءُ عند النِّداءِ ، و تحْتَ المَطَرِ).