قصة ابو بكر الصديق
قصة إسلام أبو بكر الصديق
يعدّ أبو بكر الصّديق -رضيَ الله عنه- أوّل من أسلم من الرِّجال، ولم يتردد لحظة في دخوله للإسلام، فقد روى عبد الله بن مسعود -رضيَ الله عنه- فقال: (ما دَعوتُ أحدًا إلى الإسلامِ إلَّا كانتْ له كَبوةٌ، غيرَ أبي بَكرٍ؛ فإنَّه لم يَتلعثَمْ)، حيث توجّه إليه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وحدّثه عن مجيء الوحي إليه وهو في غار حِراء، وأنّ هذا الدّين يدعو إلى توحيد الله -تعالى- وترك عبادة الأصنام.
فلم يناقشه أبو بكر ولم يعانده، ولم يزد على كلامه كلام، وقال له: "صدقت"، وذلك لأنّه عهد الصدق منه وهو الذي يعرفه منذ الصّغر، ولذلك قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ فَقُلتُمْ: كَذَبْتَ، وقَالَ أبو بَكْرٍ: صَدَقَ، ووَاسَانِي بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَهلْ أنتُمْ تَارِكُوا لي صَاحِبِي؟ مَرَّتَيْنِ)، وقد كان الدّين الإسلاميّ هو الدّين الذي أخرج أبي بكر-رضيَ الله عنه- من ظلمات الجهل والكفر، إلى أنوار المعرفة والعلم، وبما يتناسب مع فطرته السّليمة التي طاف بها أرجاء المعمورة بحكم عمله في التّجارة، فرأى الدّيانات المتعدّدة وتعامل مع أهلها وبخاصة النّصارى، لكنّه وجد في الإسلام الدّين الذي تتّجه له فطرته.
وروى عبد الله بن مسعود -رضيَ الله عنه- فقال: (كانَ أوَّلَ مَن أظهرَ إسلامَه سبعةٌ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأبو بَكرٍ وعمَّارٌ وأمُّهُ سميَّةُ وصُهيبٌ وبلالٌ والمقدادُ فأمَّا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فمنعَه اللَّهُ بعمِّهِ أبي طالبٍ وأمَّا أبو بَكرٍ فمنعَه اللَّهُ بقومِه وأمَّا سائرُهم فأخذَهمُ المشرِكونَ وألبسوهم أدْرَاعَ الحديدِ وصَهروهم في الشَّمسِ فما منهم من أحدٍ إلَّا وقد واتاهم علَى ما أرادوا إلَّا بلالًا فإنَّهُ هانت عليهِ نفسُه في اللَّهِ وَهانَ علَى قومِه فأخذوهُ فأعطوهُ الولدانَ فجعلوا يطوفونَ بِه في شِعابِ مَكةَ وَهوَ يقولُ أحدٌ أحدٌ).
وقد كان حُبّ قومه له من أكبر الدّواعي لقبولهم دعوته، إذ كان أبو بكر مُحبباً عندهم ومألوفاً لديهم وعالماً بهم ، فكان ذلك سبباً لإسلام كلّ من الزّبير بن العوام، وعثمان بن عفّان، وطلحة بن عُبيد الله، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الرّحمن بن عوف -رضيَ الله عنهم- على يديه؛ حيث أخذهم وتوجّه بهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقرأ عليهم القرآن وعرض عليهم الإسلام فآمنوا جميعاً، وكانوا من السّابقين إلى الإسلام.
قصة لقب أبو بكر بالصدّيق
روى عبد الله بن عباس -رضيَ الله عنهما- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (ما مررتُ بسماءٍ إلَّا رأيتُ فيها مَكْتوبًا محمَّدٌ رسولُ اللَّهِ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ)، وكان يقول أنّه سُميَ بالصّديق لأنّه في المرتبة الثانية من الصّدق بعد النبيّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم-.
ويعود سبب تسمية أبو بكر الصديق -رضيَ الله عنه- بالصّديق إلى أنّه كان أكثر من صدّق رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فوصفه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قائلاً: (إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ فَقُلتُمْ: كَذَبْتَ، وقَالَ أبو بَكْرٍ: صَدَقَ، ووَاسَانِي بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَهلْ أنتُمْ تَارِكُوا لي صَاحِبِي؟ مَرَّتَيْنِ)؛ فجاءت بذلك تسميته بالصّديق من قِبل رسول الله، وقيل أنّ الله -تعالى- سمّاه بالصّديق على لسان جبريل -عليه السّلام-، وقيل أنّه سُمّي بالصّديق لأنّه ما كان يسمع شيئاً على لسان رسول الله إلّا يقول: صدق.
ولمّا أقبل إليه كفار قريش يسألوه ويخبروه أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزعم أنّه أُسري به في ليلة واحدة وأنّ ذلك من ضرب المستحيل، إذ إنَّ الإبل تحتاج إلى شهر لتصل إلى بيت المقدس وتعود، وقد قالوا له ذلك أملاً أن يفارق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسألهم: "أهو قال؟ قالوا: نعم، قال: صدق، قالوا: تصدّقه في هذا؟ قال: والله إني لأصدّقه في أبعد من هذا، إنّي أصدّقه في خبر السماء"، وأيضاً هو الصّديق لصدقه ولأمانته، ومن ألقابه أيضاً العتيق؛ لعتقه من النّار، وقيل لحسن وجهه، وقيل لشرف نسبه.
قصة هجرة أبو بكر إلى المدينة المنورة مع الرسول
أذن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لأصحابه بالهجرة من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة، وقال لأبي بكر بألّا يعجل، لعلّ الله يجعل له صاحباً في الهجرة، فاستبشر أبو بكر وتأمل أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو رفقيه في الهجرة، واشترى راحلتين واعتنى بهما من باب تجهيز نفسه للهجرة.
وقد كان من عادة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن يأتي بيت أبي بكر بكرةً وعشياً، وفي اليوم الذي أذن الله له بالهجرة أتاه في غير الوقت المعتاد، فلما رآه أبو بكر علم أنّ هنالك خطب ما، وكان عند أبي بكر ابنتيه عائشة وأسماء -رضي الله عنهما- ، فطلب من أبي بكر أن يُخرج من عنده، قائلاً له: (أخْرِجْ مَن عِنْدَكَ، قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّما هُما ابْنَتَايَ، يَعْنِي عَائِشَةَ وأَسْمَاءَ)، فأخبره النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بأمر الهجرة، فقال أبو بكر: (الصُّحْبَةَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الصُّحْبَةَ، قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ)، فبكى أبو بكر من شدّة الفرح، وأخذا الرّاحلتين واستأجرا عبد الله بن أُريقط دليلاً على الطّريق.
وبعد ذلك سارا حتى وصلا جبل ثور، فمكثا فيه ثلاث ليال، ويمكث معهما عبد الله بن أبي بكر، يأتي في المساء فينام معهما ويصبح في الصباح بين أهل مكة، ثمّ يعود بالأخبار لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبيه، أمّا عامر بن فهيرة فكان يأتي بالأغنام ليطمس آثار الأقدام خلفهم، وكانت قريش قد جعلت مكافأة لمن يأتي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر أسيرين أو مقتولين، فجاء رجل لسُراقة بن مالك يخبره أنّه قد رأى رجلين يحسبهما محمّداً وصحبه، فقال له سراقة إنّهما ليسا هما، لكنّه عرف في نفسه أنّهما محمّداً وأبو بكر.
ثم مكث سُراقة في المجلس برهةً من الزمن وخرج بعدها وركب فرسه حتى وصل إليهما، وكان كلّما اقترب منهما غارت أقدام فرسه في الرّمال، فعلم أنّهما محفوظان بحفظ الله، وناداهما فخرجا، وطلب من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الأمان مقابل أن يُخفي خبرهما ففعل، وبينما هما في مختبئين في الغار والكل في ملاحقتهم يروي لنا أبو بكر الصّديق -رضيَ الله عنه- حالهم فيقول: (نَظَرْتُ إلى أَقْدَامِ المُشْرِكِينَ علَى رُؤُوسِنَا وَنَحْنُ في الغَارِ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، لو أنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إلى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقالَ: يا أَبَا بَكْرٍ ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا).
قصة زهد أبو بكر وسخائه في الإنفاق في سبيل الله
لمّا خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر في الهجرة أخذ أبو بكر ماله كلّه في سبيل الله، وكان قد بلغ ما بين الخمسة والستة آلاف، وتروي ابنته أسماء -رضيَ الله عنها- عن هذا وتقول: (لمَّا تَوجَّهَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن مكَّةَ، حمَلَ أبو بَكرٍ معه جَميعَ مالِه -خَمسةَ آلافٍ، أو سِتَّةَ آلافٍ- فأتاني جَدِّي أبو قُحافةَ وقد عَميَ، فقال: إنَّ هذا قد فجَعَكم بمالِه ونَفْسِه. فقُلتُ: كَلَّا، قد ترَكَ لنا خَيرًا كَثيرًا. فعمَدتُ إلى أحجارٍ، فجعَلتُهنَّ في كُوَّةِ البَيْتِ، وغَطَّيتُ عليها بثَوبٍ، ثُمَّ أخَذتُ بيَدِه، ووَضَعتُها على الثَّوبِ، فقُلتُ: هذا ترَكَه لنا. فقال: أمَا إذ ترَكَ لكم هذا، فنَعَمْ)، ولم يكن قد ترك شيئاً من المال في الحقيقة لكنَها أرادات أن تُطمئن جدّها بفعلها هذا.
ولم يستطع أحدٌ من الصّحابة أن ينافس أبا بكر في الصّدقة والإنفاق ؛ ففي يوم طلب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من الصّحابة صدقة، وأراد عندها عمر أن يسبق أبا بكر فجاء بنصف ماله، وإذ بأبي بكر قد أحضر ماله كله، ولمّا سأله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ماذا أبقى لأهله؟ قال: "أبقيت لهم الله ورسوله"، فقال عمر: "لا أسبقه إلى شيء أبداً".
قصة خلافة أبو بكر الصديق
يعدّ أبو بكر الصّديق -رضيَ الله عنه- أوّل الخلفاء الرّاشدين بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باتّفاق المسلمين، وقد وليَ الخلافة بناءً على العديد من الأحاديث عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في حياته، والتي فهم منها المسلمون أنّ رسول الله يريد الخلافة من بعده لأبي بكر، ومنها قوله -عليه الصلاة السّلام- لامرأة جاءت تسأله: (أرَأَيْتَ إنْ جِئْتُ ولَمْ أجِدْكَ؟ كَأنَّهَا تَقُولُ: المَوْتَ، قَالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتي أبَا بَكْرٍ).
وعندما أراد أبو عبيدة أن يبايع عمر رفض عمر أن يبايعه أحدٌ بوجود أبي بكر، وبايع عمر وأبو عبيدة والأنصار جميعاً أبا بكر، كما قدمت الوفود تبايعه من كلّ مكان، فكان الإجماع على خلافته بدلالة تفويض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له، ومن ثبوت خلافته ثبتت خلافة عمر من بعده، ثم خلافة عثمان بن عفان -رضيَ الله عنهم-.
قصة وفاة أبو بكر الصديق
بلغ أبو بكر -رضيَ الله عنه- من العمر ثلاث وستين سنة، وعندها مرض مرضاً شديداً كان به موته، وطلب من المسلمين أن يكفّنوه بأقمشة قديمة، قائلاً أنّ الحيّ أولى بالجديدة، وقد امتدّت خلافة أبو بكر للمسلمين سنتين وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوماً، وتُوفي في الثامن من جمادى الآخرة في السنة الثالثة عشر من الهجرة، من ليلة يوم الثلاثاء، ولمّا دخلت عليه ابنته عائشة -رضيَ الله عنها- في لحظات نزاعه، قال لها قولي: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) .
الخلاصة
أوّل من أسلم من الرّجال هو الصحابيّ الجليل أبو بكر الصّديق -رضيَ الله عنه-، وكان لإسلامه الأثر الكبير؛ حيث دخل على يده الكثير من الصّحابة في الإسلام، ولُقّب بالصّديق لصدقه ولتصديقه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الوقت الذي كذبته قريش، كما لقّبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعتيق، وقد اختاره رسول الله -عليه الصّلاة والسلام- ليكون رفيقه في الهجرة إلى المدينة المنورة، وعُرف -رضيَ الله عنه- بكرمه وإنفاقه في سبيل الله؛ فلم يستطع أحدٌ من الصّحابة أن يسبقه في الإنفاق، وتولّى خلافة المسلمين بالإجماع بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واستمرّت خلافته ما يقرب الثلاث سنوات، وتُوفي -رضي الله عنه- حين بلغ من العمر ثلاثة وستين عاماً.