قصة أصحاب القرية
إرسال الرسل إلى أهل القرية
قال -تعالى-: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ *إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ).
فيما ورد عن أهل القرية، بأنّهم أهل قرية أنطاكية، وقد تم إرسال لهم ثلاثة رسول، وقيل بأنّهم؛ صادق، ومصدوق، وشمعون، وفي قول آخر بأنّهم رسل عيسى -عليه السلام- فأرسل الله -تعالى- لهم رسوليْن، فلم يؤمنوا، فقوّى الله موقف الرسوليْن، بإرسال رسول ثالث، يدعّم الموقف ويقوّيه.
إعراض أهل القرية عن الإيمان
قال -تعالى-: (قالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ* قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ* وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ* قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ *قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ).
فما كان من أهل القرية إلّا أن أجابوا على الدعوة بأن لا فضل لأحد على الآخر، إذ إنّ الذين يدّعون الرسالة والنبوّة ما هم إلّا بشر مثلهم، فما هم إلّا كاذبون في أمر الرسالة، فأجاب الرسل؛ بأنّ الله تعالى عالم بظاهر الأمر وخفاياه، وما عليهم إلا الدعوة وهم غير مسؤولين عن نتيجة تذكيرهم ودعوتهم.
وفي قول لمقاتل: بأن المطر قد حجب عن القرية لمدّة ثلاث سنوات، فأعزى أهل القرية حرمانهم من المطر إلى الرسل الثلاثة؛ فتشائموا بهم، حتى أنهم قاموا بتهديد الرسل بالقتل إذا لم يتوقفوا في دعوتهم، فأجابت الرسل بأن رزقهم وحظهم أمر لازم لهم لا علاقة للرسل به، وفي وصفهم بالإسراف هناك قولان: الأول بأنّهم تجاوزا الحد في الشرك والكفر، والثاني بأنّهم بالغوا في التشاؤم بالرسل.
بماذا نصح الرجل الصالح أهل القرية؟
في قول أورده الإمام الطبري: بأن هذا الرجل يدعى حبيب، كان مؤمنًاّ كثير الصدقة، يقسم قوت يومه بين قوت عائلته والتصدّق على من يحتاج، على الرغم من فقره وسقمه، وعندما سمع بنيّة أهل القرية بقتل الرسل، انطلق لهم ناصحًا، ألّا يمسّوا الرسول بسوء، وأن يؤمنوا بما دعاهم إليه الرسل، فإنهم لا يطلبون أجراً على دعوتهم ونصيحتهم، فهم لكم ناصحون، وهم على طريق الحق.
عاقبة الرجل الصالح وعاقبة أهل القرية
سأل أهل القرية الرجل الصالح إن كان قد اتّبع الرسلو أصبح على دينهم، فما كان منه إلّا الإجابة بأسلوب الحجة فقال: ولمَ لا أعبد الله تعالى وهو الخالق، وإليه المرجع والمصير يوم القيامة، وبأن الأصنام لا تملك له نفعًا ولا ضرًا ولا حتى شفاعة، وهكذا قد جهر بإيمانه، فما كان من أهل القرية إلّا أن قتلوه؛ وفي طريقة قتلهم له؛ قيل رجمًا، وقيل أنّهم وطئوه بأقدامهم حتى مات.
السورة التي وردت فيها قصة أهل القرية
وردت قصة أهل القرية في سورة يس، في الآيات 13إلى 30، وقد جاءت القصة في معرض الحديث عن قدرة الله -تعالى- على الإحياء والموت والإهلاك، وبين أهميّة الإيمان بالله تعالى الخالق القادر الّذي إليْه المصيرّ، ولبيان حاجة كل أمة إلى رسول، ففي بعض الأمم والقرى قد أرسل إليهم أكثر من رسول.
الدروس المستفادة من قصة أهل القرية
فيما يأتي بعض من الدروس المستفادة من قصة أهل القرية:
- يدرك المسلم الّذي يدعو إلى الله تعالى بأنّه إذا ما وجد معه من يقوّيه في الدعوة مخلصًا في ذلك، ويكونا عوناً لبعضهما، فستكون النتيجة أنّهما سيكونا أقوى وأثبت في طريقهما في الدعوة.
- يدرك المسلم الداعية بأنّ ما عليه في دعوته إلّا التذكير، فهو غير محاسب عن نتيجة دعوته أو عن استجابة القوم.
خلاصة المقال: يستفاد من قصة أهل القرية بأنّ العصاة المتمردّين الرافضين للتوحيد موجودون منذ قدم الأزل فلا يسعى المسلم إلّا بأن يتمّ ما عليه من الدعوة إلى الله تعالى، دون النظر لموقف المدعوين من الدعوة.