قصائد الشاعر أحمد شوقي
قف بروما وشاهد الأمر واشهد
- الشاعر أحمد شوقي يصف مدينة روما:
قِفْ بروما وشاهد الأمرَ
- واشهد أَن للمُلك مالكاً سبحانَه
دولة ٌ في الثرى وأَنقاضُ مُلكٍ
- هَدم الدهرُ في العُلا بنيانه
مَزقت تاجهَ الخطوبُ وألقت
- في الترابِ الذي أرى صولجانه
طللٌ عند دمنة عند رسمٍ
- ككتابٍ محا البلى عنوانه
وَتماثيلُ كَالحقائقِ تَزدا
- دُ وُضوحاً عَلى المَدى وَإبانَه
مَن رَآها يَقولُ هَذي مُلوكُ
- الدَهرِ هَذا وَقارهُم وَالرَزانَه
وَبَقايا هَياكلٍ وَقُصور
- بَينَ أَخذِ البِلى وَدفعِ المَتانَه
عَبثَ الدَهرُ بِالحَواريِّ فيها
- وَبيليوسَ لَم يَهب أُرجوانَه
وَجرَت هاهُنا أُمورٌ كِبارٌ
- واصَل الدَهرُ بَعدها جَريانه
راحَ دينٌ وَجاءَ دينٌ وَولّى
- مُلك قَومٍ وَحلَّ مَلك مَكانَه
وَالّذي حَصلَ المُجدّون إِهرا
- قُ دِماء خَليقةٍ بِالصيانَه
لَيتَ شِعري إِلامَ يَقتتلُ النا
- سُ عَلى ذي الدَنيَّة الفتانَه
بَلدٌ كانَ لِلنَصارى قَتاداً
- صارَ مُلكَ القُسوسِ عَرشُ الدِيانَه
وَشُعوب يَمحونَ آيَة عيسى
- ثمّ يُعلونَ في البَرِيةِ شانَه
وَيُهينونَ صاحِبَ الروحِ مَيتاً
- وَيُعزونَ بَعدَهُ أَكفانَه
عالمٌ قُلب وَأَحلامُ خَلق
- تَتَبارى غَباوَةً وَفَطانَه
رَومَة الزَهوِ في الشَرائعِ وَالحِك
- مَة في الحُكمِ وَالهَوى وَالمَجانَه
وَالتَناهي فَما تَعدّى عَزيزاً
- فيكِ عِز وَلا مَهيناً مَهانَه
ما لِحي لَم يُمسِ مِنكِ قَبيلٌ
- أَو بِلادٌ يُعدها أَوطانَه
يُصبِحُ الناسُ فيكِ مَولى وَعبداً
- وَيَرى عَبدُكِ الوَرى غِلمانَه
أَينَ مُلك في الشَرقِ وَالغَربِ عالٍ
- تَحسُد الشَمسُ في الضُحى سُلطانَه
قادِرٌ يَمسَخُ المَمالكَ أَعما
- اً وَيُعطي وَسيعَها أَعوانَه
أَينَ مالٌ جَبيتهِ وَرَعايا
- كُلهُم خازِنٌ وَأَنتِ الخَزانَه
أَينَ أَشرَافُكِ الّذينَ طَغَوا في الدَه
- رِ حتّى أَذاقَهُم طُغيانَه
أَينَ قاضيكِ ما أَناخَ عَليه
- أَينَ ناديكِ ما دَهى شَيخانَه
قَد رَأَينا عَليك آثارَ حُزنٍ
- وَمِنَ الدورِ ما تَرى أَحزانَه
اِقصِري وَاسأَلي عَنِ الدَهرِ مِصراً
- هَل قضت مَرتَين مِنه اللُبانه
إِنّ مَن فَرّق العِبادَ شُعوبا
- جَعلَ القِسطَ بَينها ميزانَه
هَبك أَفنيتِ بِالحدادِ اللَيالي
- لَن تَردّى عَلى الوَرى رومانَه
ولد الهدى فالكائنات ضياء
- وبمناسبة مولد الرسول قال أحمد شوقي:
وُلدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ
- وَفمُ الزَمانِ تَبسم وَثناءُ
الروحُ وَالملأُ المَلائكُ حَولهُ
- لِلديـنِ وَالـدُنـيـا بِه بُشراءُ
وَالعَرش يَزهو وَالحَظيرة تَزدَهي
- وَالمُنتهى وَالسدرةُ العَصماءُ
وَحديقَة الفُرقان ضاحِكةُ الرُبا
- بالتُرجُم انِ شذِيّة غَناءُ
وَالوحيُ يَقطرُ سَلسلا مِن سَلسَل
- وَاللَوح وَالـقـلـمُ البَديعُ رُواء
نُظِمت أَسامي الرُسل فَهي صَحيفةٌ
- في اللوحِ وَاسمُ مُحمَّد طُغراءُ
اِسـمُ الـجَـلالةِ في بَديعِ حُروفه
- أَلِـف هُـنـالـكَ وَاِسم طَهَ الباءُ
يا خَير مَن جاءَ الوُجودَ تَحية
- مِن مُرسَلينَ إِلى الهُدى بِكَ جاؤوا
بَيت الـنَـبـيينَ الّذي لا يَلتقي
- إِلّا الحنائفُ فيهِ وَالحنفاءُ
خَير الأُبـوةِ حازَهُـم لَك آدَم
- دونَ الأَنام وأَحرزَت حوّاء
هُم أَدرَكـوا عِز النبوَّة وَاِنتهت
- فـيها إِليكَ العِزّة القَعساءُ
خُلقَت لِبيتِك وَهوَ مَخلوق
- لَها إِن العَظائِـم كُفؤها العُظماء
بِـكَ بَـشرَ الـلَهُ السَماءَ فَزيّنت
- وَتضوّعَـت مِـسكا بِكَ الغَبراءُ
وَبدا مُحياكَ الَّـذي قَسَماته
- حَـقّ وَغُرتُه هدىً وَحياءُ
وَعَليه مِن نورِ النُبوةِ رَونق
- وَمنَ الخليلِ وَهديِهِ سيماءُ
أَثنى المَسيحُ عَليه خَلفَ سَمائِه
- وَتهَللت وَاِهـتزتِ العَذراءُ
يَـوم يَتيه عَلى الزمانِ صباحهُ
- وَمساؤُه بِمحمّدٍ وَضّاء
الحق عالي الرُكنِ فيهِ مُظفرٌ
- في الملك لا يَعلو عَليه لِواءُ
ذُعِرت عُروشُ الظالمين فَزلزلَت
- وَعَـلت عَلى تيجانِهِم أَصداءُ
وَالنارُ خاوِيةُ الجَوانِبِ حَولهم
- خَمدت ذَوائِبها وَغاضَ الماءُ
وَالآيُ تَترى وَالخَوارقُ جَمة
- جِبريلُ رَوّاحٌ بِها غَـداءُ
نِعم اليَتيمُ بَدت مَخايلُ فَضلهِ
- وَاليُتمُ رِزقٌ بَعضهُ وَذكاءُ
في المهدِ يُستسقى الحَيا بِرَجائهِ
- وَبِقَصدهِ تُستدفَع البَأساءُ
بِسِوى الأَمانةِ في الصِبا وَالصدقِ لَم
- يَعرِفهُ أَهـلُ الصِدقِ وَالأُمَناءُ
يا مَن لَهُ الأَخلاقُ ما تَهوى العُلا
- مِنها وَما يَـتعشقُ الكُبراء
لَو لَم تُـقِـم ديناً لَقامَت وَحدَها
- ديناً تُضيءُ بِنورِه الآناءُ
زانَتك في الخلُقِ العَظيمِ شَمائِل
- يُغرى بِهِنّ وَيولعُ الكرَماءُ
أَما الجَمالُ فَأَنت شَمسُ سَمائه
- وَمَلاحَةُ الـصِدّيقِ مِنك أَياءُ
وَالحُسن مِن كَرمِ الوُجوهِ وَخيرهُ
- ما أوتِيَ القُوادُ وَالزُعَماء
فَإِذا سَخوتَ بَلَغتَ بِالجودِ المَدى
- وَفَعَلتَ ما لا تَفعَلُ الأنواءُ
وَإِذا عَفوتَ فَقادِراً وَمقَدراً
- لا يَستَهينُ بِعفوِكَ الجهَلاءُ
وَإِذا رَحِمتَ فَأَنتَ أُم أَو أَب
- هَذانِ في الدُنيا هُما الرُحَماءُ
وَإذا غَضِبتَ فَإِنَّما هِيَ غَضبةٌ
- في الحَقّ لا ضِغنٌ وَلا بَغضاءُ
وَإِذا رَضيتَ فَذاكَ في مَرضاتِه
- وَرِضى الكَثيرِ تَحَلم وَرياء
وَإِذا خَطَبت فَلِلمَنابرِ هِزة
- تَعرو النَدِي وَللقُلوبِ بُكاء
وَإِذا قَضيت فَلا اِرتِياب كأَنما
- جاءَ الخُصومَ مِنَ السَماءِ قَضاءُ
وَإِذا حَمَيتَ الماءَ لَم يورَد وَلَو
- أَن القَياصرَ وَالمُلوكَ ظِماءُ
وَإِذا أَجَرتَ فَأَنتَ بَيتُ اللَهِ لَم
- يَدخُل عَلَيهِ المُستَجيرَ عَداءُ
وَإِذا مَلَكـتَ النَفسَ قُمتَ بِبرها
- وَلَوَ اَن ما مَلَكَت يَداكَ الشاءُ
وَإِذا بَنَيتَ فَخَيرُ زَوجٍ عِشرة
- وَإِذا اِبتَنيتَ فَدونَكَ الآباءُ
وَإِذا صَحبتَ رَأى الوَفاءَ مُجَسماً
- في بُردكَ الأَصحابُ وَالخلَطاءُ
وَإِذا أَخَذتَ العَهدَ أَو أَعطَيتهُ
- فَجَميعُ عَهدِكَ ذِمةٌ ووَفاءُ
وَإِذا مَـشَيتَ إِلى العِدا فَغضَنفرٌ
- وَإذا جَرَيتَ فَإِنكَ النَكباءُ
وَتَمدّ حِلمَكَ لِلسَفيهِ مُدارِياً
- حَتّى يَضيقَ بِعَرضِكَ السُفهاءُ
في كلِّ نَفسٍ مِن سُطاكَ مَهابَة
- وَلكُل نَفسٍ في نَداكَ رَجاءُ
قصيدة وداع فروق
تجلد للرحيل فما استطاعا
- وداعا جنة الدنيا وداعا
عسى الأيام تجمعني فإني
- أرى العيش افتراقا واجتماعا
ألا ليت البلاد لها قلوب
- كما للناس تنفطر التياعا
وليت لدى فروق بعض بثي
- وما فعل الفراق غداة راعا
أما والله لو علمت مكاني
- لأنطقت المآذن والقلاعا
حوت رق القواضب والعوالي
- فلما ضفتها حوت اليراعا
سألت القلب عن تلك الليالي
- أكن لياليا أم كن ساعا
فقال القلب بل مرت عجالا
- كدقاتي لذكراها سراعا
أدار محمد وتراث عيسى
- لقد رضياك بينهما مشاعا
فهل نبذ التعصب فيك قوم
- يمد الجهل بينهم النزاعا
أرى الرحمن حصن مسجديه
- بأطول حائط منك امتناعا
فكنت لبيته المحجوج ركنا
- وكنت لبيته الأقصى سطاعا
هواؤك والعيون مفجرات
- كفى بهما من الدنيا متاعا
وشمسك كلما طلعت بأفق
- تخطرت الحياة به شعاعا
وغيدك هن فوق الأرض حور
- أوانس لا نقاب ولا قناعا
حوالى لجة من لازورد
- تعالى الله خلقا وابتداعا
يروح لجينها الجاري ويغدو
- على الفردوس آكاما وقاعا