قراءة في رواية مدام بوفاري
قراءة في رواية مدام بوفاري
قراءة في رواية مدام بوفاري فيما يأتي:
حبكة الرواية
تتلكم رواية مدام بوفاري عن شغف هذه البطلة بالحياة الرومانسية المملوءة بالأدب والموسيقى، والأحلام التي كونتها عن الحياة الزوجية خارج الريف، لتخون زوجها بعد ذلك؛ لأنّها لم تجد في قلبها أسبابًا كافيةً تدفعها إلى حبه، ولعدم مشاركته إياها هذه المعاني الهامة في وجودها، فتجد الحب عند شابٍ يدعى ليون، لتتخبط حياتها بعد ذلك بين ضميرها الذي أتعبها على زوجها النبيل معها والمحب لها.
وطفلتها المسؤولة منها، وبين الحياة التي ترغب في عيشها، لتتخذ لاحقًا قرارًا بالانتحار لتموت بعد المحاولة الثانية في آخر الرواية بسبب عدم رضاها عن الحياة، وبسبب التهديد الذي تعرضت له من انكشاف أمر خيانتها، ليموت زوجها حزنًا عليها فيما بعد، وتترك طفلتها لتعمل بالمصانع وحيدة.
السرد في الرواية
لقد استخدم فلوبير راويًا على دراية عميقة ب شخصيات الرواية ، كليّ المعرفة بهم وبأخبارهم ونفسياتهم، لكنه بقي مجهولًا في الرواية، فربما كان فلوبير نفسه هذا الراوي، حيث صرّح أنّه يرى نفسه في مدام بوفاري، ربما من حيث عدم القدرة على الانسجام مع المجتمع الذي عاشت به، ورغبتها في التغيير والبحث عن الشغف؛ وقد يقول القارئ في نفسه أنّها بيدها قد قضت على حياتها وأسرتها.
كانت أنانية عندما تركت طفلتها أيضًا، ولكن البعد النفسي المطروح في الرواية لهذه الشخصية تجعلنا نعذرها حين نفهم كمية البؤس الذي تحاول مقاومته، وعدم قدرتها على البقاء في حياة لا تحمل الشغف معها وغير راضية عنها، وهو ذاته الأمر الذي دفعها إلى تكون سيدة رغبات، تنحدر إذا كان الانحدار هو ما يرفع من شعورها، ويحقق لها حسنةً ما في حياتها.
دور الرمزية في رواية مدام بوفاري
امتلأت هذه الرواية العالمية المذهلة بالرموز التي تعبر عن عمق كاتبها، ومعانيها، ومن هذه الرموز ما يأتي:
- المتسول الأعمى
يتبع متسول أعمى عربة إيما بوفاري التي استقلتها لتقابل ليون عشيقها، وأخذ يغني أغنية عن امرأة برية، يرمز هذا الأعمى المتسول إلى الفساد الأخلاقي الذي وصلت له إيما، حيث تكون أغنيته التي استمر بغنائه إلى آخر الرواية عن امرأة بريئة لنكتشف بعد موت إيما أنّها أغنية جنسية، يُرمز بها إلى البراءة التي كانت عليها روح إيما قبل أن تتبع شهوتها، وتغرق في الخيانة، ومحاولة إبقائها سرًا عن الجميع.
- الزهور الجافة
عندما دخلت إيما إلى منزل تشارلز بوفاري ووجدت باقة الزهور الخاصة بزوجته المتوفاة، فكرت عن حال باقة زهور عرسها كيف سيكون بعد وفاتها، لتحرق هذه الباقة درءًا عن نفسها نهاية مماثلة، ولكن إحراق الزهور هذا رمز إلى الطريقة التي ستسلك بها إيما في حياتها، وكيف ستستهلك شبابها، ويلمح لنا عن نهايتها.
- المخرطة
لقد اعتادت إحدى الشخصيات على دوام صناعة حلقات مناديل ليس لها أي فائدة في مخرطته مما يحمل لنا معانٍ أهمها؛ رتابة الحياة البرجوازية التي حاصرت إيما بشكل خانق، وانعدام الفائدة والإنتاجية من الذوق البرجوازي.
مكانة رواية مدام بوفاري
اعتبرت هذه الرواية واحدة من أفضل الأعمال الواقعية في الأدب ؛ للتشابه الذي قد يجده القارئ بينه وبين إحدى الشخصيات الموجودة، وتجلت مكانتها فيما يأتي:
العمق النفسي
هي رواية مدروسة الشخصيات و العقد النفسية ولا تختلف عمّا نجده في أنفسنا من أفكار ومشاعر، أو عند الآخرين في شخصياتهم. تبين لنا في قراءتنا لمدام بوفاري أنّ الإنسان هو الإنسان في كافة المجتمعات والظروف، يحمل نفس الهموم والمشاكل والمعاني، وإن اختلفت الأزياء والأذواق، فإنّ مشاكلهم واحدة.
ربما كانت إيما (مدام بوفاري) حالمة لحد التوهم حين اعتقدت أنّها بزواجها وانتقالها من الريف سوف تعيش الشاعرية الرومانسية التي كانت تقرأ عنها، وتحياها في خيالها، لكنها في الواقع أصيبت بخيبة أمل، أصبحت تبحث عن حياة أخرى تعوضها هذه الخيبة، فهي لم تعرف الحد الفاصل بين الحياة الحالمة والاقعية حتى قادت نفسها إلى إفساد حياتها العائلية، وقتل نفسها.
المجتمع البرجوازي
وضحت رواية مدام بوفاري عن طريق شخصية البطلة العقلية البرجوازية، والتأقلم معها في الحياة، فالحفلات والأمسيات والعشاءات التي كانت تحضرها مدام بوفاري برفقة زوجها مع هذه الطبقة، جعلتها تحس بالخواء، وتبحث عن معنى آخر غير الحياة غير الواقعية هذه، لتتخذ من حبها لليون لاحقًا مصدرًا للراحة النفسية في الحياة، وسببًا لتجديد الشغف فيها، لما شاركه منها من اهتماماتٍ، ومن واقعية حياتية افتقدتها في زواجها من تشارلز.