فوائد من قوله تعالى (ولا تيأسوا من روح الله)
فوائد من قوله تعالى (ولا تيأسوا من روح الله)
هذه عبارة قرآنية وردت ضمن آية من سورة يوسف حيث يقول الله -تعالى-: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)،فهذه الآية الكريمة حوت على العديد من الفوائد والفرائد التفسيرية وفيما يأتي بيان ذلك.
مفهوم (اليأس) في اللغة والاصطلاح
اليأس هو ضد الرجاء أو انقطاع الأمل من تحقيق الهدف، كما أن اليأس انقطاع الطمع فيما ترغبه النفس وتحبه، والامتناع عن السعي جاهدة في طلبه والحصول عليه.
أضرار اليأس من رحمة الله -جل وعلا-
ومن فوائد قوله -تعالى-: (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ)، أن لليأس من رحمة الله -تعالى- أضرار عظيمة جداً، منها:
- اعتبار اليأس من صفات الكفار والمشركين.
- الرجاء من صفات المؤمنين؛ ويعد الرجاء نقيض اليأس لأن فيه شكر الله على نعمه، ورجاؤه رحمته عند المحن.
- اليأس من الرحمة والفرج والأمل عند الشدة؛ ينافي عقيدة الإيمان.
- اليأس يقود إلى تكذيب الله -تعالى-، وتكذيب نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
- اليأس ليس فيه تأدب مع الحق -جل وجلا-.
- اليأس طريق إلى الانزلاق في مهاوي الكفر والضلال.
- اليأس سبب في استجلاب الخمول والكسل، والقعود عن القيام بالطاعات.
حكم اليأس من روح الله -تعالى-
ومن فوائد قوله -تعالى-: (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ)، التي وقف عندها الإمام ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-؛ وهي اعتباره اليأس والقنوط من رحمة الرحمن -جل في علاه- من كبائر الذنوب وأعظمها؛ مستشهداً بالآية المذكورة سابقاً، وبعد أن ساق جملة من الأحاديث النبوية الصحيحة المبشرة بسعة رحمته -جل في علاه- قال: "عد هذا كبيرة هو ما أطبقوا عليه، وهو ظاهر؛ لما فيه من الوعيد الشديد".
أقوال العلماء والمفسرين في ذم (اليأس)
هناك جملة من أقوال السلف والخلف من أهل العلم في ذم اليأس من روح الله -تعالى-، والتحذير منه، نذكر منها:
- رويَ عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "اليأس من أكبر كبائر الذنوب، وتشترك في الإثم مع كبائر أخرى؛ مثل الشرك بالله -تعالى-، والأمن من مكره -سبحانه-".
- ما روي عن عروة أنه سأل أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم-: ماذا يعني قول الله -جل في علاه-: (حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا)، فبينت -رضي الله عنها- فقالت: "بل كذبهم قومهم".
- قال مجاهد -رحمه الله- في قوله -تعالى-: (كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ)، فقال: "كما يئس أهل الكفر وهم في قبورهم من روح ورحمة الله -جل وعلا-؛ لأن إيمانهم جاء في وقت لا ينفعهم بشيء ولا يشفع لهم".
تأملات في معاني (الروح)
فيما يأتي ذكر لبعض التأملات المتعلقة بمعنى الآية الكريمة:
- جاء في لسان العرب أن الروح تأتي في معنى الرحمة، والراحة والدعة ونسيم الريح، والروح بمعنى الرحمة هي من صفات الله -جل في علاه-.
- يقول ابن جرير -رحمه الله-: لا يقنط من روح الله -جل وعلا- ولا يقطع رجاءه ويستبعد فرجه إلا القوم الكافرين.
- يقول البغوي: "تعني عبارة (من روح الله)؛ أي: من رحمة الله -جل وعلا-، وربما تأتي بمعنى فرج الله -سبحانه وتعالى-".
- يقول السعدي في تفسير الآية (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ): "فإن الرجاء يجعل الفرد مجتهداً في السعي، في طلب رجاء ربه -جل وعلا-، والقنوط واليأس يجعل منه كثير الخمول والكسل، فإن الكافرين لعدم إيمانهم بالله -جل وعلا- لا يرجون رحمته بل يستبعدونها، فينبغي على المؤمن عدم التشبه بالكفر وأهله، ثم إن الرجاء والأمل بالله -تعالى- يكون على قدر إيمانه".
ورود لفظ (الروح) في السنة النبوية
لقد وردت كلمة (الروح) في أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن ذلك:
- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (الريحُ مِن روحِ اللهِ)، حيث بين أن الريح من روح الله -جل وعلا-، وقال ابن الأثير والإمام النووي، وغيرهما من الأئمة والعلماء -رحمهم الله- في معنى (الروح من الله) -جل وعلا- أي: أن الله -جل وعلا- رحيم بعباده.
- وردت كلمة (روح) في السنة على معنيين: جاءت بمعنى رحمة، وجاءت أيضاً بمعنى نسيم الريح، وإذا كانت على المعنى الأول فهي صفة علية من صفات الله -تبارك وتعالى-، وإذا جاءت على المعنى الثاني فإنه مخلوق نسبت خلقته لله -جل وعلا-.