فضل سورة العلق وتفسيرها
فضل سورة العلق
سورة مكية، عدد آياتها تسع عشرة آية، وكلماتها اثنتان وتسعون، وعدد حروفها مئتان وثمانون، فضيلتها بأنها أول ما نزل من الوحي على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو في غار حراء، فكانت القطرة التي سبقت الغيث العميم، ومن فضائلها معانيها الجليلة، ومقاصدها العظيمة، وما فيها من الموعظة، أما فضل قراءتها، فلا يترتب عليها زيادة أجر، فهي شأنها شأن سائر القرآن، وما ورد فيها من الفضائل، فهو من الضعيف والموضوع.
تفسير سورة العلق
أمر النبي بالقراءة
قال -تعالى-: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، المفهوم من قوله(اقْرَأْ): أنّ هناك شيئا يجب أن يقرأه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ هو ما سينزل من الوحي، فكأنه يقول: يا محمد، إنّ قرآناً سينزل عليك فاستعدّ لقراءته مستعيناً باسم ربك، ويمكن أن يفسر بما يأتي:
- يا محمد ابتدئ قراءة القرآن باسم ربك.
- يا محمد سمّ ربك ثمّ اقرأ القرآن.
قوله: (بِاسْمِ رَبِّكَ)، ولم يقل: باسم إلهك، ولم يقل: باسم الرب؛ لأن في الربوبية معنى التربية والحفظ والرعاية والقدرة؛ فكأنه يقول له: إنك لن تكون وحيداً، ومعك من يرعاك؛ لهذا قال: (ربك) ولم يقل: (الرب)؛ نسبه إليه؛ لتقوى عزيمته بربه.
نعم الله على الإنسان
بينت سورة العلق نعم الله تعالى على خلقه، ومن هذه النعم:
- خلق الإنسان من علق، قال الله -تعالى-: (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ)، والعلق؛ جمع علقة، وهو الدم الجامد غير المسفوح، والعلق يكون بعد النطفة، وبعد العلق المضغة، وخص الإنسان بالذكر دون المخلوقات لسببين:
- تشريفاً له، على سائر الخلائق.
- تبيين نعمته عليه، أنه خلقه من نطفة مهينة، ثم من بعد ذلك جعله إنساناً كاملاً، له عقل وإدراك.
- أمر الله -تعالى- نبيه بأن يقرأ القرآن، وأن الله الأكرم سيعينه على القراءة والفهم، لأنه أُمّيّ.
- وصف الله -تعالى- نفسه بأنه الأكرم؛ أي الكريم الحليم؛ لأنه لم يعجل عقوبة الكافرين.
- القلم الذي خلقه الله -تعالى- وأمره أن يكتب مقادير كلّ شيء، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ أولَ ما خلق اللهُ القلمُ، فقال لهُ : اكتبْ، قال : ربِّ وماذا أكتبُ ؟ قال : اكتُبْ مقاديرَ كلِّ شيءٍ حتى تقومَ الساعةُ).
- الأقلام التي بيد الملائكة، يكتبون بها المقادير وأمور الكوان.
- الأقلام التي بيد الناس، وهي من أقوى ادوات التواصل بين الناس.
- تعليم الإنسان بعدما كان جاهلاً، والمقصود بالإنسان هنا، له ثلاثة مفاهيم:
- أنه آدم -عليه السلام- وفي هذا المعنى، قال الله -تعالى-: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا).
- أنه النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي هذا المعنى، قال الله -تعالى-: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ).
- أنه الإنسان أي إنسان كان، وفي هذا المعنى، قال الله -تعالى-: (وَاللَّـهُ أَخرَجَكُم مِن بُطونِ أُمَّهاتِكُم لا تَعلَمونَ شَيئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَالأَفئِدَةَ لَعَلَّكُم تَشكُرونَ).
غفلة الإنسان عن نعم الله عليه
قال الله -تعالى-: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى)،،
وقوله تعالى: (أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى)؛ أي رأى نفسه، ومعنى رأى في هذه الآية؛ أي علم، فيكون معنى الآية؛ أن الإنسان بعدما رأى نفسه استغنى، بما أنعم الله عليه طغى واستكبر.
موقف أبي جهل من دعوة النبي وعاقبته
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- يصلي عند الكعبة، فحاول أبو جهل ردعه، كما ورد عن أبي هريرة، قال: قال أبو جهل: (هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، زعم ليطأ على رقبته، قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا).
فأنزل الله تعالى تتمة الآيات من سورة العلق، قوله -تعالى-: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْدًا إِذَا صَلَّى)؛ أي تعجّب من أبي جهل كيف ينهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة، وقوله -تعالى-: (أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى* أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى* أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى* أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّـهَ يَرَى)، وتعجب -أيضا- أنّ المنهيّ عن فعل الصلاة على الهدى، ويأمر بالتقوى، وتعجب من أن الذي ينهى عن الصلاة -وهو أبو جهل- كذّاب يتولى عن الحقّ والإيمان، ألا يعلم هذا الكافر بأنّ الله يرى ما صنعه.
قوله -تعالى-: (كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ)، أي إن لم يترك ضلالاته، لنجرنّه من ناصيته الكاذبة الخاطئة إلى النار، وقوله -تعالى-: (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ* سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ)، فلينادي من شاء من أهله ومعشره، وكان أبو جهل قد قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد علمت ما بها رجل أكثر نادياً مني لأملأنَّ عليك هذا الوادي إن شئت خيلاً جُرْداً ورجالاً مُرْداً"، والزبانية؛ هم الملائكة الغلاظ الشداد.
وقوله -تعالى-: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب)، ويا محمد لا تطعه في نهيك عن الصلاة، بل صلّ، واسجد، واقترب من ربك.
خلاصة المقال: سورة العلق أول ما نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في غار حراء، وبذلك كانت بداية الوحي، عرضت السورة لمعاني مهمة مثل تذكير الإنسان بنعم الله عليه، وماذا كان موقف أبي جهل من دعوة النبي.