فضل سورة الجن
الفضائل التي وردت في سورة الجن
سورة الجن من السور التي صححت الكثير من المفاهيم الّتي كانت شائعة لدى قريش بخصوص القرآن الكريم، وزعمهم بأنّ الرسول -صلى الله عليه وسلّم- يتلقّاه من الجن وغير ذلك من التهم، وفيما يأتي تفصيل للموضوعات والفضائل الّتي تناولتها سورة الجن، وأهمية كل موضوع منها:
الأمر بتوحيد الله والنهي عن الشرك به
يبقى التوحيد هو الأمر الأساسي الّذي وجد في كل صفحات القرآن الكريم، وهو الغاية الّتي لأجلها أرسل الرسل، والربط ما بين إعجاز القرآن الكريم والدلالة على وجود الله تعالى ووحدانيته -عزّ وجل- أمر يُعرف بالبداهة، وهو الأمر الذي عرفه الجن؛ قال الله -تعالى-: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا* وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً).
وفي اللفظ القرآني دلالة على التعظيم الشديد لله -تعالى-، فجدّ الله؛ يقصد به عظمة الله -تعالى- وقدرته، ونعمه على خلقه، إذ إن إبليس كان قد كفر بالله -تعالى-، وقال ما فيه تجاوز للحد في حق الله -سبحانه وتعالى-، وكان الجنّ يظنون بأنّه لن يجرؤ أحد على ادعاء الشرك بالله تعالى، حتى إذا ما سمعوا القرآن، عرفوا حقيقة الأمر وعرفوا كذب من قال بالشرك، قال الله -تعالى-: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً).
حرص الجن على الاستماع للنبي صلى الله عليه وسلم
أخبر الله -تعالى- نبّيه محمد، بأن يخبر قومه، باستماع مجموعة من الجن، من العالم غيبي، إلى القرآن الكريم، وما أبدوه من تعجّب بسماعهم له، فلا يدعو إلا لكل خير وحق وصواب، فعادوا إلى قومهم الجن مؤمنين، موحّدين، موقنين بأن البشر لا يؤمنون ولا يُرشدون إلا بكلام مثل القرآن الكريم، قال الله -تعالى-: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً}.
صلة القرآن بالإيمان
أدرك الجن بأن ما سمعوه من القرآن حق خالص، وما أتى به رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- موصل للإيمان بالله -تعالى-، فما إن سمعوا ما كان يقرؤه رسول الله حتّى نزهوه سبحانه عن كل شرك، ومولود، وصاحبة، قال الله -تعالى-: (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً).
وبعد أن علم الجن هذه الحقيقة ذهبوا لأقوامهم لدعوتهم بما قد سمعوه وأدركوه وآمنوا به؛ فكان من الجن من قبل بذلك وآمن، وكان منهم من كفر به، قال الله -تعالى-: (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً * وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً).
الاستقامة طريق لسعة الرزق
انتقلت الآيات الكريمة من الحديث عن الجن إلى مخاطبة أهل قريش، ليوضّح لهم -سبحانه وتعالى- بأن الإيمان والتوحيد وتصديق الرسل في فحوى دعواهم لا يؤدي إلّا إلى كل خير وفضل من الله -تعالى-.
وأخبرهم الله تعالى أن الرزق الوفير هو باب من أبواب الخير الذي يكون بيد الله -تعالى- وحده؛ إذ إن قريش كانت قد مُنعت الغيث لمدة سبع سنوات، وفي هذه الآية توجيه لهم بالإيمان، وأنه سبب لكي يرزقهم الله -تعالى- بالماء الوفير الذي يُنتج الخير الكثير، قال الله -تعالى-: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً).
الأمر كله بيد الله
بين الله تعالى لرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أنه -الرسول- غير قادر على نفع أحد بتأخير العذاب عنه، وأنّه لا يملك زمام الشخص؛ بأن يجعله يدخل في طريق الإيمان والتوحيد، وأن هذا الأمر مختص بالله -تعالى- وحده؛ فهو -سبحانه وتعالى- الهادي والأمر موكول إليه، قال الله -تعالى-: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً).
كما بين الله -سبحانه وتعالى- أن مهمة الرسول هي البلاغ، وإن لم يؤدّ رسول الله رسالته حق أدائها، فلن يمنعه أحد من جزاء الله -سبحانه وتعالى-: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً)، إذ إن الأمور كلها لله تعالى وراجعة إليه، وهو وحده من يعلم بخفايا الأمور، قال الله -تعالى-: (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً).
أثر سورة الجن على الفرد المسلم
إن لسورة الجن العديد من الفوائد الّتي لها أثر على حياة المسلم، من هذه الآثار ما يأتي:
- يدرك المسلم أنّ الجن منهم المؤمن والكافر، وأنهم مكلفون مثلهم مثل البشر.
- أن السبب في إيمان الجن بالقرآن الكريم هو ما وجدوه فيه من خير وصلاح، الأمر الذي يزيد من إيمان المسلمين وثقتهم بدينهم، ورسولهم، وقرآنهم، ويدفعهم للالتزام بالطاعات والابتعاد عن المعاصي.
- وظيفة الداعية ما هي إلا التذكير بيوم القيامة، والترغيب بنعيم الجنة، والترهيب من عذاب يوم القيامة، وأن المسلم لا يملك زمام أمر المسلمين في هدايتهم وضلالهم، فالهادي هو الله -سبحانه وتعالى- وحده.
- الإيمان بالله طريق للخير والرزق الوفير من الله -سبحانه وتعالى-.
- اليوم الآخر وقته معلوم في اللوح المحفوظ، ولكنه مخفي عن البشر لحكمة أرادها الله تعالى، وهي تحفيز المسلم على الاجتهاد أكثر من خلال الإيمان والإكثار من العمل الصالح، ليكون على أتم الإستعداد لملاقاة الله -سبحانه وتعالى-.
الملخص: يستفاد مما سبق بأن الجن مكلفون كبني آدم، ومنهم المؤمن الكافر، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما عليه إلا التبليغ بالرسالة، وإيصال القرآن الكريم؛ ليكون منهجًا للمسلمين في الحياة الدنيا، ولكي يصل بهم إلى السعاد الدنيوية والآخروية.