فضائل وخواص سورة يس
فضائل وخواص سورة يس
تتفاضل سور القرآن الكريم وآياته من حيث المكانة، والفضل، والخصوصية، مع الإقرار بأنّ كلّه خير وبركة، ولكن جاءت نصوص شرعيّة تشير إلى فضل سور على أخرى، وآيات على أخرى، فما هي فضائل سورة يس ، وما هي خواصّها؟
سبب للخير والبركة
يتّفق أهل العلم على أنّ القرآن الكريم بكلّ سوره وآياته محضُ خير وبركة، وسورة يس من السور التي رُوي بشأنها روايات كثيرة، لكنّ أهل الدّراية والعلم ذهبوا إلى أنّ أكثرها لا يرقى إلى درجة الصحيح بحال، وأشاروا إلى أنّ الأحاديث التي جاءت في فضائل وخواصّ سورة يس لا يصحّ رفعها للنبي -صلى الله عليه وسلم- على أنّها أحاديث نبوية ما لم تثبتْ صحّتها، لكنها مع ذلك تدخل في عموم آيات القرآن وسوره التي ورد بروايات صحيحة أنها سبب للخير والبركة.
تيسير الأمور
وجد أهل العلم بعد تتبّع الروايات والآثار الواردة في فضل سورة يس من الموقوفات على بعض الصحابة الكرام بأسانيد حسنة، وبعضها نُقِل بتجربة بعض الصالحين من سلف الأمة، حيث ذكر ابن كثير -رحمه الله- نقلاً عن بعض أهل العلم أنّ هذه السورة الكريمة من مزاياها أنها لا تُقرَأ على أمر عسير إلا تبعه من الله يسرٌ وفرج، والاستئناس بقراءتها عند خروج روح الميّت ساعة الاحتضار فيه أملٌ برحمة الله، وتسهيل أمر خروج الروح.
مغفرة الذنوب
جاء في بعض الروايات أنّ قراءة سورة يس سبب في مغفرة الذنوب وتكفير السيئات، وما ذلك على الله بعزيز، فعن جندب -رضي الله عنه- قال: قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (مَن قرَأ يس في ليلةٍ ابتغاءَ وجهِ اللهِ غُفِر له)، وجاء في رواية أخرى الوصية بقراءتها على من حان أجله من المسلمين ؛ فعن معقل بن يسار -رضي الله عنه- عن رسول الله -عليه السلام- أنّه قال: (اقرَؤوا على موتاكم يس).
قلب القرآن
وعند المنذري -رحمه الله- بسند صحيح أو حسن أنّ سورة يس تختصّ بكونها قلب القرآن، فعن معقل بن يسار: (قلبُ القرآنِ يس، لا يقرؤُها رجلٌ يريدُ اللهَ والدَّارَ الآخرةَ إلَّا غفر اللهُ له، اقرؤُوها على موتاكم).
يُلاحَظ أنّ عموم الروايات والآثار في فضل وخواص سورة يس يُظهرُ أنّ لها ميزة عن غيرها من سور القرآن ، كما هو الحال في بعض السور الأخرى، ولعلّ ذلك يحمل ترغيباً في قراءتها، وإرشاداً إلى تدبّر آياتها ومقاصدها، وأهل العلم عموماً على جواز الأخذ بمثل هذه الروايات في باب فضائل الأعمال.
وقفات في رحاب سورة يس
تمتاز سورة يس بالعديد من الخصائص التي تنفرد بها عن غيرها من السور، ومنها:
- يأتي ترتيب سورة يس في المصحف العثماني السورة السادسة والثلاثين، عدد آياتها ثلاث وثمانون آية، وسمّيت يس بهذا الاسم؛ لأنّ هذين الحرفين بدأتْ بهما السورة على شاكلة الأحرف المقطّعة، وانفردت بهما؛ فشكّلا ميزة لها عن بقية السور من ذوات الأحرف المقطّعة؛ فعُرفتْ بهما.
- سورة يس سورة مكيّة ، تمتاز بأنّها من ذوات الفواصل القصيرة، والإيقاعات السريعة، وهاتان الميزتان تطبعان السورة بطابع مميّز، حيث تتلاحق إيقاعاتها تباعاً، لتعمل أثرها في حسّ القارئ، وهو يتتبّع ظلالها المتنوّعة والعميقة من بدء السورة إلى خاتمتها.
- الموضوعات الرئيسية التي تناولتها السورة يغلب عليها طابع موضوعات السّور المكية التي تهدف إلى بناء أسس العقيدة الصحيحة والإيمان ؛ ولكنّ هذه الموضوعات تُعرَض في سورة يس مصحوبة بتأثيرٍ يناسب ظلالها، ويتناسق مع إيقاعها، لذا فإنّ القارئ المتدبّر يجد في ثناياها المباركة ما يأتي:تناول طبيعة الوحي و صدق الرسالة ؛ ففي بدايتها يقول المولى سبحانه: (يس، والقرآن الحكيم، إنك لمن المرسلين).
- تسوق آياتها قصة أصحاب القرية إذ جاءها المرسلين، تحذيراً من عاقبة التكذيب بالرسالة وجحود الوحي الإلهيّ.
- تتعرّض السورة لقضية الألوهيّة والوحدانيّة، ويظهر ذلك من استنكار الإشراك بالله سبحانه على لسان الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة، وهو يقول: (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَـنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ)، وقبل نهاية السورة يأتي ذكر هذه القضية من جديد، قال تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ).
- تركّز السورة على مسألة البعث والنشور ، حيث ترد في أكثر من موضع في ذات السورة، ففي بدايات السورة يقول سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ)، ثمّ يأتي ذكرها في قصة أصحاب القرية، وفي وسط السورة لتنقل مشهداً متكاملاً من مشاهد اليوم الآخر، وفي ختام السورة يقول تعالى: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ).