غزل المرأة في الشعر الجاهلي
الشعر الجاهلي
موضوعنا لهذا اليوم هو الشعر الجاهلي، بدايةً سنتطرّق للتعريف عن شعر هذا العصر ( الجاهلي ) ، فالشعر الجاهلي : هو الشعر الذي كُتِب في الزمن الجاهلي، ويُعدّ من أقدم الأشعار العربية ، حيثُ يجمع هذا اللون الشعري عددًا كبيرًا وصورًا متنوعة، وأوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي، وهو شعر عريق النشأة، حيث لا يقف عمرهُ على 200 سنة قبل مجيء الإسلام.
خصائص الشعر الجاهلي
لهذا الشعر الرائع خصائص عدّة، تتمثل بالآتي :
- يصوّر البيئة الجاهلية خير تصوير.
- الصدق في التعبير.
- يكثُر فيه التشبيه الحسّي في وصف الأشخاص والأشياء.
- تتعدد الموضوعات في القصيدة الواحدة، وغالبًا ما تبدأ بوصف الأطلال أو الغزل ثمّ الغرض.
- يتميّز بموسيقة هادئة حينًا وصاخبة حينً أخرى، بحسب موضوعات القصائد.
- يتميّز بلغة فخمة التراكيب، صعبة المعاني، تحتاج إلى معجم لتفسيرها غالبًا.
الغزل في الشعر الجاهلي
إنَّ المرأة هي الركيزة الأساسيَّة في معظم الشعر الجاهلي، سواء قصد الشاعر المرأة بقصائد مستقلَّة، أم رمَّز غزله بها من خلال مشاهد عديدة، منها: الطلل وارتحال الظعائن وغيرهما من المشاهد.
ويشغل الغزل من الإرث الشعري الجاهلي مكاناً واسعاً حتَّى يكاد أن يكون الجزء الأكبر من ثروتنا الأدبيَّة، والمرأة كانت ركناً أساسيَّاً في الحياة الجاهليَّة، وليس لدى الشعراء فحسب، بل أيضاً في جميع مجالات الحياة؛ فهي الحبيبة والأم والأخت والشاعرة والمربِّية، فافتُتِن بها الشاعر الجاهلي أيَّما افتتان، ووصفها في كلِّ مناسبة، وهامَ بها، كما أحبَّها واحترمها وأنزلها المنزلة التي تليق بها.
اقتصرت أغلب القصائد الغزلية في الشعر الجاهلي على وصف الجمال الخارجي للمرأة كجمال الوجه والجسم والمظهر الخارجي وكان الشعراء يتفننون بوصف هذا الجمال، لكنهم قلَّما تطرقوا إلى وصف ما ترك هذا الجمال من أثرٍ في عواطفهم ونفوسهم.
وقد انقسم الغزل في الشعر الجاهلي إلى قسمين:
- غزل عفيف
وهو السائد في العصر الجاهلي بكثرة، حيثُ يصوّر حياء المرأة وعفّتها وأخلافها الجميلة، وقد تميَّز بكونه عفيفًا رفيع المستوى.
ومنه قصيدة للشنفرى :
لقد أعجبتني لا سقوطًا قِناعُها
- إذا ما مشت ولا بذاتِ تلفُّتِ
تَبيتُ بُعيد النومِ تُهدي غَبوقَها
- لِجارتِها إذا الهديَّةُ قلَّتِ
- غزل صريح
وهو نوعٌ من الغزل يصوّر فيه الشاعر جسد المرأة بطريقة مباشرة، ومن رواده الأعشى وامرؤ القيس.
ومنه قول الأعشى :
كأنَّ مِشيَتَها من بيتِ جارَتِها
- مرُّ السّحابةِ لا ريثٌ ولا عجَلُ
تسمَعُ للحلّي وَسواسًا إذا انصرفت
- كما استعانَ بريحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
ويَرجع سبب ظهور الغزل في الشعر الجاهلي إلى غريزة الذكورة، التي طالما أثارتها حياة العزلة بين الرجال والنِّساء بسبب حياة الصحراء التي تفرُض على ساكنيها الترّحال الذي يُفرِّقُ المُحبّين، زقد كانت المرأة عفيفة، ما زاد من ولوع الرجال بها، ولم يكُن بالصحراء ما هو أجملُ من المرأة.
وسنتحدث في هذا الباب عن شعر كلًّا من:
- امرؤ القيس
عُرِف بأنه كان يقول الشعر بكلّ فصاحةٍ وجزالةٍ في الألفاظ، وقد صُنِّف بأنَّهُ أعظم شعراء العرب، وعُرِف عنه قوله شعر الغزل الفاحش، كما كان كثير التسكّع وشرب الخمر، وله معلَّقة شهيرة.
ومن أجمل ما كتب امرؤ القيس في الغزل :
فَتِلكَ الَّتي هَامَ الفُؤَادُ بحُبِّهَ
::: مُهفهَفَةٌ بَيضَاءُ دُرِّيَّة القُبَل
ولي ولَهَا في النَّاسِ قولٌ وسُمْعةٌ
- ولي ولها في كلِّ ناحيةٍ مثل
- النابغة الذبياني
اتُّصِف شعره بأنَّه رقيقٌ عذب واضح العبارة بعيد عن الخشونة ممعن في السهولة، في وصف حالات الوجدان، وفي أداء الخواطر أو إرسال الحكم، إلا إذا اقتضت البلاغة الإبقاء على لفظةٍ غير فصيحة لكنَّها دالة، كلفظة الشعثِ في قوله: ولستَ بِمُسْتبْق أخا- لا تلمّه على شَعَثِ، وكان تقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها وهو أحسن شعراء العرب ديباجة، لا تكلُّف في شعره ولا حشو.
وقد قال النابغة في داليته:
قامت تراءى بين سَفجي كِلَّةٍ
- كالشمس يوم طلوعِها بالأسعُدِ
أو دُرَّةٍ صدفيَّةٍ غواصُها
- بَهجٌ متى يَرَها يُهِلَّ ويَسجُدِ
- عمرو بن كلثوم
واحد من الذين كتبوا المعلقات في العصر الجاهلي ، قال عنه ابن سلام الجمحي أنه من الشعراء الذين لهم باع طويل في كتابة الشعر، وأشهر ما كتبه كانت معلقة عمرو بن كلثوم التي كانت تتكون من ألف بيت، ومنها قوله:
جَلَبنَا الخَيلَ مِن كَنَفَي أَريكٍ
::: عَوابِسَ يَطَّلِعنَ مِنَ النِقابِ
كَأَنَّ إِناثَها عِقبانُ دَجنٍ
::: إِذا طُؤطِئنَ في بَلَدٍ يَبابِ
- عنترة بن شداد
قال عنترة العديد من قصائد الغزل الجميلة، التي وصف بها حبَّه بابنة عمِّه عبلة، ووصف شغفهُ بها وجمالها، واشتُهِر عنه أنَّه كان يفتخر بنفسه وببطولاته وفروسيته في قول الشعر، وكان يذكر هذا حتى في قصائد الغزل.
وله :
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتردِّم
::: أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ توهُّمِ
يا دارَ عبلةَ بالجواءِ تَكَلَّمي
- وعمي صباحًا دارَ عبلة واسلمي