علم عبدالله بن عمر
علم عبد الله بن عمر
اشتهر الصّحابي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- بالعلم والفقه، وكثرة ملازمته لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- منذ صغره، وحفظ منه القرآن الكريم، وقد عاش ابن عمر -رضي الله عنه- عمراً طويلاً، واستفاد النّاس من علمه كثيراً، فقد كان مرجعاً لهم، يسألونه عن شؤون حياتهم، وكانوا يقتدون به في أعماله، وكان زاهداً ، عالماً تقيّاً لا يفتي بشيء يجهله؛ ولذلك أحبّه النّاس وقدّروه، وعلم عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- لم يكن في مجال واحد فقط في علوم الشّريعة، بل هي مجالات عدّة، على النّحو الآتي:
فقه عبد الله بن عمر وفتاواه
ازدادت حاجة المسلمين بعد وفاة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لمن يُفتيهم ويرشدهم في الأمور المُستجدّة عليهم، فكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أحد الصّحابة الذّين سخّروا أنفسهم للعلم والتّعلم في زمن النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- وفي زمن الخلفاء الرّاشدين، ولم يكن مُلتفتاً للفتن التّي وقعت في زمانهم، وقد عرف ابن عمر -رضي الله عنه- بأكثر الصّحابة الذّين يعلمون أحكام الحجّ، وقد روي أنّه كان يجلس مع ابن عبّاس -رضي الله عنهما- عند مقدم الحجّ يستفتيهما النّاس، وقد كان ابن عبّاس يفتي ويجيب، بينما كان ابن عمر -رضي الله عنه- يردّ أكثر ممّا يجيب، كما أنّ أهل المدينة المنوّرة أخذوا جلّ علومهم منه ومن الصّحابة الفقهاء أمثاله، فقال فيه الإمام مالك بن أنس: "إنَ إِمَامَ النَّاسِ عِنْدَنَا بَعْدَ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، مَكثَ سِتِّيْنَ سَنَةً يُفْتِي النَّاسَ".
ابن عمر -رضي الله عنهما- كان حذراً جدّاً من الإفتاء، ويتحوّط قبل أن يصدر الفتوى، وكثيراً ما كان يُسأل ولا يتحرّج من قول "لا أعلم"، أو لا أدري، وكان هذا بسبب خوفه من أن يجتهد في المسألة فيكون مخطئاً في حكمه، مع أنّه من العلوم أنّ المجتهد إذا أصاب له أجران وإذا أخطأ كان له أجر على اجتهاده، إلّا أنّه كان يُحجم عن الفتوى بسبب شدّة ورعه وتقواه، وكان منهجهه في إصدار الفتوى أن يقول الدّليل من أقوال وأفعال النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-، ويكتفي بضرب مثال قاطع، وكان يجيب من اجتهاده إن كان موافقاً لحديث أو واقعة في زمن النّبي -عليه الصّلاة والسّلام-، كما أنّه كان لا يجيب عن مسائل مستحيلة الوقوع؛ لأنّ البحث في شيء لن يقع؛ لا فائدة منه، ومضيعة للوقت والجهد.
وممّا يُذكر في سيرة ابن عمر -رضي الله عنه- مع شدّة علمه وفقهه، إلّا أنّه ترفّع عن منصب القضاء في زمن الخلفاء الرّاشدين، مع أنّه منصب رفيع يتوق إليه كثير من النّاس، إلّا أنه فضّل تركه لغيره؛ خشية وقوعه في الإثم، وقد اعتذر من عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- عندما طلبه ليكون قاضياً في عصره، وعفاه عثمان من ذلك، وهو ليس بآثم في ذلك؛ لأنّه كان في زمنه من هو كفء للقضاء ومن يصلح للحكم بين النّاس، بينما هو آثر الانشغال بنفسه وبطلب العلم، فلا تلهيه المناصب عن هذا.
حفظ عبد الله بن عمر للقرآن الكريم وفهمه له
نشأ عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- منذ نعومة أظفاره في مسجد رسول الله -صّلى الله عليه وسلّم-، يسمع آيات القرآن الكريم، ويتلوها، ويحفظها، فكان من أحد الصّحابة الذّين حفظوا القرآن الكريم وقرؤوه على رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-، وقد ذكره العلماء في كتبهم من بين العبادلة الأربعة الذّين أتمّوا حفظ القرآن الكريم، وكان يتعهّد القرآن الكريم ويتدبّر على الّدوام، كي لا يتفلّت منه، وكان بطيئاً في تعلّمه وحفظه للقرأن، لأنّه كان يقف عند كلّ معنى ويتفكّر به، فقد روي أنّه استغرق في حفظه لسورة البقرة أربعة أعوام.
لم يكن حفظ ابن عمر -رضي الله عنه- للقرآن مجرد حفظ، بل تعدّاه إلى فهم، وخشية، وتدبّر، فكان كأبيه -رضي الله عنهما- لا يمرّ بآية فيها وعيد إلّا وبكى واتّعظ فيها، فقد روي أنّه سمع قول الله -تعالى-: (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، فأجهش بالبكاء وابتلّت لحيته، حتّى غشي عليه، وكان -رضي الله عنه- إذا سمع قول الله -تعالى-: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)، بكى بكاءً مريراً إلى أن وقع على الأرض، وما هذا إلّا دليل على شدّة ورعه وتقواه.
رواية عبد الله بن عمر للحديث النبويّ
لم يكن علم ابن عمر متوقّفاً على حفظه للقرآن الكريم، بل كان مُلمّاً جدّاً بأحاديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد ساعده في ذلك دخوله في الإسلام منذ صغر سنّه، وطول عمره، كما أنّ أخته حفصة بنت عمر زوجة النّبي -عليه السّلام- ، وكان يتردّد إلى بيتها، مما سهّل عليه سماع الكثير من الأحاديث، فروى الكثير من أحاديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وروع عن أبيه عمر، وعن أبي بكر، وعثمان، وعليّ، وأبي ذر، وأبي هريرة، ورافع، وعائشة -رضي الله عنهم-، وروى عنه عدد من الصّحابة والتّابعين كابن عبّاس، وسالم، وأبي سلمة، وسعيد بن المسيّب وغيرهم الكثير، وتتلخّص مزايا روايته للأحاديث في نقاط ثلاث، نذكرها فيما يأتي:
- تحرّيه الدّقة الشّديدة عند رواية الأحاديث، فكان يرويها عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حرفاً حرفاً.
- اقتران رواياته بالفعل والتّطبيق، فكان يحرص على رواية هيئة رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- مع قوله.
- قبول النّاس روايته، واعتبارها من أقوى وأصحّ الأسانيد.
حرص عبد الله بن عمر على اتّباع النبيّ
عُرف عن الصّحابي عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- حرصه الشّديد على اتّباع رسول الله -صلّى الله عليه وسّلم- وتقفّي أثره، فكان يتبعه شبراً بشبر ويتبع خطاه وأثره، حتّى أنّه خاف عليه من حوله من شدّة حرصه على تتبّعه، فكان يحرص على أن يسجد في المكان الذّي سجد فيه رسول الله، وكان يلازم الشّجرة التي كان يتفيّأ بها رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- ويتعهّدها، ومن شدّة فرط حبّه لتتبّع رسول الله كان ينزل بالبعير كما نزلت برسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- ويدور بها دورتين كما تدور بعيره.