عروة بن الورد (شاعر من العصر الجاهلي)
نشأة وحياة عروة بن الورد
هو الشاعر الجاهليّ عروة بن الورد بن زيد بن عمرو بن زيد بن عبد الله بن ناشب بن هريم بن لُدَيم بن عوذ بن غالب بن قُطيعة بن عبس بن بغيض بن الرّيث بن غَطَفان بن سعد بن قيس بن عَيْلان بن مضر بن نزار، ولُقّب بعروة الصعاليك؛ لقيادته للصعاليك واعتنائه بهم وقيامه بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم، وقيل لقّب بذلك لقوله:
لحى الله صعلوكًا إذا جنّ ليله
- مُصافي المُشاشِ آلِفًا كلَّ مَجْزرِ
يعدُّ الغِنَى من دهره كلّ ليلةٍ
- أصاب قِراها من صديقٍ مُيسِّرِ
ولله صعلوكٌ صفيحة وجههِ
- كضوء شهابِ القابسِ المتنوّر
ينتسب إلى شجرة من نسب منيف، وزادت أنفته من رفعة قدره، حتّى قال عبد الملك بن مروان: ما يسرّني أنّ أحدًا من العرب ولدني ممن لم يلدني إلا عروة بن الورد ، ويشير بعض الباحثين أن صعلكة عروة بن الورد قد تمركزت في شمال الجزيرة حول منطقة يثرب، أمّا تاريخ مولده فلا يمكن الجزم به إلا أنّ المستشرق نولدكه وهو ممّن اعتنى بسيرته وشعره قد قدّر أن يكون ذلك في القرن السادس الميلاديّ.
ترك عروة بن الورد أشعارًا متفرّقة رواها العلماء وجمعوها في دواوين مستقلّة، وكان لشعر عروة راويان هما: الأصمعي وابن السكّيت، وقد نشر ديوان عروة أوّل مرّة بتحقيق المستشرق الألماني ثيودور نولدكه سنة (1863م)، وآخر الطبعات المنتشرة هي التي خرجت بتحقيق أسماء أبو بكر سنة (1998م).
صفات شخصية عروة بن الورد
كان عروة بن الورد شاعرًا يأتمُ الشعراء به كما قال الحطيئة: "كنّا نأتمّ بشعر عروة بن الورد" وكان فارسًا من فرسان الجاهليّة المعدودين، وإنَّ أكثر ما اشتهر به جوده وكرمه، وقد قال عبد الملك بن مروان في جوده: "من زعم أنّ حاتمًا أسمحُ النّاس فقد ظلم عروة بن الورد"، وقد كان عروة من الصعاليك المعدودين المقدّمين، ولم يكن جوده مقصورًا على الصعاليك، بل كان يتناول المرضى والضعفاء وكلّ ضيف أتاه، فقد كان بيته بيت الضيف وفراشه فراشه على حدّ قوله:
فراشي فراشُ الضيفِ والبيتُ بيتُهُ
- ولم يلهني عنه غزالٌ مُقَنَّعُ
أحدّثهُ إنّ الحديث من القِرى
- وتعلم نفسي أنّه سوف يهجع
أشهر قصائد عروة بن الورد
كان شعر عروة بن الورد كسائر الشعراء الصعاليك يغلب عليه كونه مقطوعات، أو بيتًا وبيتين تُقال لمناسبة خاصّة، ومن أشهر قصائده:
- مقطوعة: إنْ تأخذوا أسماء موقف ساعة:
إِن تَأخُذوا أَسماءَ مَوقِفَ ساعَةٍ
- فَمَأخَذُ لَيلى وَهيَ عَذراءُ أَعجَبُ
لَبِسنا زَمانًا حُسنَها وَشَبابَها
- وَرُدَّت إِلى شَعواءِ وَالرَأسُ أَشيَبُ
كَمَأخَذِنا حَسناءَ كُرهًا وَدَمعُها
- غَداةُ اللِوى مَغصوبَةً يَتَصَبَّبُ
- مقطوعة: إذا المرء لم يبعث سواما ولم يرح، ومنها:
إِذا المَرءُ لَم يَبعَث سَوامًا وَلَم يُرَح
- عَلَيهِ وَلَم تَعطِف عَلَيهِ أَقارِبُه
فَلَلمَوتُ خَيرٌ لِلفَتى مِن حَياتِهِ
- فَقيراً وَمِن مَولىً تَدِبُّ عَقارِبُه
وَسائِلَةٍ أَينَ الرَحيلُ وَسائِلٍ
- وَمَن يَسأَلُ الصُعلوكَ أَينَ مَذاهِبُه
- مقطوعة: قلت لقوم في الكنيف تروّحوا، ومنها:
قُلتُ لِقَومٍ في الكَنيفِ تَرَوَّحوا
- عَشِيَّةَ بِتنا عِندَ ماوانَ رُزَّحِ
تَنالوا الغِنى أَو تَبلُغوا بِنُفوسِكُم
- إِلى مُستَراحٍ مِن حِمامٍ مُبَرِّحِ
وَمَن يَكُ مِثلي ذا عِيالٍ وَمُقتِرًا
- مِنَ المالِ يَطرَح نَفسَهُ كُلَّ مَطرَحِ
- مقطوعة: ما بالثراء يسود كلّ مسوّد، ومنها:
ما بالثّراءِ يسُودُ كلُّ مُسوَّدٍ
- مثر ولكن بالفعال يسود
بل لا أُكاثِرُ صاحبي في يُسرهِ
- وأصُدُّ إذ في عيشِهِ تَصْريد
فإذا غنيت فأن جاري نيله
- من نائلي وميسري معهود
- مقطوعة: إني امرؤ عافى إنائي شركة:
إِنّي اِمرُؤٌ عافي إِنائِيَ شِركَةٌ
- وَأَنتَ اِمرُؤٌ عافي إِنائِكَ واحِدُ
أَتَهزَأُ مِنّي أَن سَمِنتَ وَأَن تَرى
- بِوَجهي شُحوبَ الحَقِّ وَالحَقُّ جاهِدُ
أُقَسِّمُ جِسمي في جُسومٍ كَثيرَةٍ
- وَأَحسو قَراحَ الماءِ وَالماءُ بارِدُ
- قصيدة: تحنّ إلى سلمى بحر بلادها، ومنها:
تَحِنُّ إِلى سَلمى بِحُرِّ بِلادِها
- وَأَنتَ عَلَيها بِالمَلا كُنتَ أَقدَرا
تَحِلُّ بِوادٍ مِن كَراءٍ مَضَلَّةٍ
- تُحاوِلُ سَلمى أَن أَهابَ وَأَحصَرا
وَكَيفَ تُرَجّيها وَقَد حيلَ دونَها
- وَقَد جاوَرَت حَيّاً بِتَيمَنَ مُنكَرا
- قصيدة: أقلّي عليّ اللوم يا بنت منذر، ومنها:
أَقِلّي عَلَيَّ اللَومَ يا بِنتَ مُنذِرٍ
- وَنامي وَإِن لَم تَشتَهي النَومَ فَاِسهَري
ذَريني وَنَفسي أُمَّ حَسّانَ إِنَّني
- بِها قَبلَ أَن لا أَملِكَ البَيعَ مُشتَري
أَحاديثَ تَبقى وَالفَتى غَيرُ خالِدٍ
- إِذا هُوَ أَمسى هامَةً فَوقَ صُيَّرِ
- مقطوعة: إذا المرء لم يطلب معاشا لنفسه، ومنها:
إِذا المَرءُ لَم يَطلُب مَعاشًا لِنَفسِهِ
- شَكا الفَقرَ أَو لامَ الصَديقَ فَأَكثَرا
وَصارَ عَلى الأَدنَينَ كَلّاً وَأَوشَكَت
- صِلاتُ ذَوي القُربى لَهُ أَن تَنَكَّرا
وَما طالِبُ الحاجاتِ مِن كُلِّ وِجهَةٍ
- مِنَ الناسِ إِلّا مَن أَجَدَّ وَشَمَّرا
- مقطوعة: دعيني للغنى أسعى، ومنها:
دَعيني لِلغِنى أَسعى فَإِنّي
- رَأَيتُ الناسَ شَرُّهُمُ الفَقيرُ
وَأَبعَدُهُم وَأَهوَنُهُم عَلَيهِم
- وَإِن أَمسى لَهُ حَسَبٌ وَخيرُ
وَيُقصيهِ النَديُّ وَتَزدَريهِ
- حَليلَتُهُ وَيَنهَرُهُ الصَغيرُ
قصة عروة بن الورد وسلمى الكنانية
غزا عروة بن الورد قومًا من بني كنانة، فأعجبته امرأة فيهم بِكرًا استرقّها لنفسه، وكانت تسمّى سلمى وتكنّى أمّ وهب، فأعتقها واتّخذها لنفسه، فظلّت عنده بضع عشرة سنة، وولدت له أولادًا لا يشكّ في أنّها أرغب الناس فيه، لبعد الزمان عن ذلك الحادث، فقالت له مرّة: لو حججت بي فأمرّ على أهلي وأراهم، فحجّ بها، وعادت سلمى أهلها، وقالت لهم: إنّ عروة خارجٌ بي قبل أن يخرج الشهر الحرام، فتعالوا إليه وأخبروه أنّكم تستحون أن تكون امرأة منكم معروفة النسب صحيحته سبيّة، وافتدوني منه فإنّه لا يرى أنّي أفارقه ولا أختار عليه أحدًا.
فأتوْه أهلها فسقوه شرابًا، فلما ثمل، قالوا له: فادنا بصاحبتنا فإنّها وسيطة النسب فينا معروفة، وإنّ علينا سبّة أن تكون سبيّة، فإذا صارت إلينا وأردت معاودتها فإنّنا ننكحك، فقال لهم: لكم ذلك، ولكن لي الشرط فيها أن تخيّروها فإن اختارتني انطلقت معي إلى ولدها، وإن اختارتكم انطلقتم بها، فقالوا: لك ذلك، وعادوا إليه في اليوم التالي ونسي ما كانوا عليه من الاتفاق، فأشهدوا عليه فطاوعهم، فلمّا خيّروها اختارت أهلها.
ثمّ أقبلت عليه فقالت: يا عروة أما إني أقول فيك وإن فارقتك الحقّ: والله ما أعلم امرأة ألقت سترها على بعل خير منك، وأغضّ طرفا وأقلّ فحشا وأجود يدا وأحمى لحقيقة، وما مرّ عليّ يوم منذ كنت عندك إلا والموت فيه أحبّ إليّ من الحياة بين قومك؛ لأنّي لم أكن أشاء أن أسمع أن امرأة من قومك تقول: قالت أمَة عروة كذا وكذا إلا سمعته، ووالله لا انظر في وجه غطفانيّة أبدًا، فارجع راشدًا إلى ولدك وأحسن إليهم، فقال عروة في ذلك قصيدته المشهورة (سقوني الخمر ثم تكنّفوني).
وفاة عروة بن الورد
لا تذكر المصادر التي ترجمت لعروة أخبارًا كثيرة عن وفاته إلا أنّ "نولدكه" قد أشار في ديوانه الذي نشره بأنّ عروة قد قُتِل في غارة من غاراته، قتله رجلٌ من طهية سنة (596م).
أعمال فنية جسّدت شخصية عروة بن الورد
جسّدت العديد من الأعمال الفنّيّة شخصية عروة بن الورد؛ فمنها ما كان منصبًّا حول شخصيته فكان هو الشخصيّة الرئيسة، ومنها ما كان عروة فيها شخصيّة ثانويّة، وهذه الأعمال هي:
- مسلسل عروة بن الورد أخرجه صلاح أبو هنود سنة (1978م).
- فيلم عنترة بن شداد أخرجه نيازي مصطفى سنة (1961).
- مسلسل صانعو التاريخ أخرجه محمد سلمان سنة (1996م).
- مسلسل عنترة أخرجه رامي حنّا سنة (2007م).