مقالة فلسفية حول الذاكرة والخيال
الذاكرة والخيال
تُعرَّف الذاكرة على أنّها مَلَكة ذهنيّة تُساعد على تخزين المُدرَكات، والأحداث اليوميّة التي يمر بها الإنسان، وتسترجعها عند الضرورة والحاجة إليها. والخيال هو أيضاً مَلكَة ذهنيّة يُبدع صوراً، وأحداثاً جديدة وغير واقعيّة.
هناك علاقة طبيعيّة بين الذاكرة والخيال، ولكن من منظور فلسفيّ فقد تجادل الفلاسفة حول هذه العلاقة، وتحديد مفهوم لكل منهما، وهنا وفي هذا المقال سنضع بين أيديكم بعض الآراء الفلسفيّة لأهم المدارس، والنظريات حول جدليّة الذاكرة والخيال.
الذاكرة من منظور فلسفيّ
النظرية الفيزيولوجية المادية
يرى أصحاب هذ النظريّة والمتمثلة بربيو، أنّ الذاكرة موجودة في الفرد، حيثُ تُخزَّن وتُسترجع عند الفرد نفسه، وأنّها من طبيعة فرديّة ماديّة موجودة في المخ، والدليل على ذلك هو عند إصابة خلايا الدماغ بأيّ حادثٍ أو تلفٍ، فإنّه يؤدي إلى فقدان الذاكرة.
قسّم ريبو الذاكرة على مستوى الدماغ إلى ثلاثة أقسام وهي: الذاكرة الحسية، والتي تُخزن بسرعة وتنسى بسرعة، والذاكرة قصيرة المدى، وهي التي تقتضي من صاحبها الانتباه للأشياء التي يريد حفظها، والذاكرة طويلة المدى، وتقتضي بذل الجهد في التمعن والتأمل للمُدرَكات التي يريد تثبيتها على مستوى الدماغ دون نسيانها.
النظرية النفسيّة المتمثلة برغسون
يقول أعلام هذه النظريّة أنّ الذاكرة من طبيعة فرديّة نفسيّة، وليست ماديّة لأن جميع الذكريات تُخزَّن في النفس البشريّة، وأثبتوا ذلك بفرضية أنّ هناك أشخاصاً يفقدون ذكرياتهم دون وقوع أية إصابةٍ في المخ، حيثُ أكدوا أنّ الصدمة النفسيّة التي يُصاب بها الإنسان هي التي تساعده على استرجاع الذكريات؛ لذلك قسم برغسون الذاكرة إلى نوعين: الذاكرة الحركيّة، وتعني الذكريات الحركيّة القائمة على التكرار، مثل التعود على الكتابة، والذاكرة النفسية.
من منظور برغسون فهي تُمثل الأصل في تخزين واسترجاع أحداث الماضي، لأنّها مرتبطة بالأحوال النفسيّة الشعوريّة التي يمر بها الفرد، والمثال على ذلك هو عند مُشاهدة حادث دموي في طفولة الفرد، فإنّه سيؤثر فيه كثيراً، وتلك الصور التي شاهدها تنزل إلى أعماق النفس، أو ما يُسمى بالأنا العميقة، وتعود لتظهر على ساحة الشعورعندما يُشاهد حادثاً آخر.
النظرية الاجتماعية
يعتقد أصحاب هذه النظريّة والمتمثلة بهالفاكس أنّ الذاكرة ليست من طبيعة فرديّة سواء كانت ماديّة، أونفسيّة، وإنّما هي من طبيعة اجتماعيّة، فجميع الذكريات تُخزَّن في ذاكرة المجتمع، فمثلاً عند استرجاع الذكريات يستعينُ الفرد بأفراد الجماعة لإعانته على التذكر، فمثلاً المقاتل حين يتذكر أحداث الحرب، فإنّه لايستطيع تذكرها كلَّها؛ لذلك يستعين بغيره من المقاتلين الذين كانوا معه حتى يتذكر كل مرحلة، ودليلهم على ذلك هو اللغة والثقافة المشتركة بين مجموعة من الناس.
التخيل من منظور فلسفيّ
النظرية التجريبية
يرى أعلام هذه النظرية المتمثلة بدافيد هيوم أنّ الخيال ما هو إلاّ مجرد تركيب لما في التجربة الحسيّة والعالم الخارجيّ، ويستمد عناصره من هذا الواقع لا أكثر، فمثلاً عند تخيل حصان بأجنحة فإنّ هذا التخيل لم يتعدِّ حدود الواقع، لأنّ الخيال عبارة عن تركيب للجناح والحصان اللذين أُخذا من الواقع أو التجربة، وأنّ العقل لا يخرج عن حدود معطيات الواقع والتجربة، ولا يمتلك أية قدرة على إبداع، وخلق موضوعات ليست من الواقع.
النظرية الظواهرية
يرى أصحاب هذا الموقف والذي يُمثله سارتر، أنّ الإنّسان قادرعلى تخيُّل أمور ومواضيع مختلفة دون أن تكون لها علاقة مع التجربة أو الواقع الخارجيّ كما هو عند التجريبيين، وأنّ الخيال لا يكون دائماً مرتبطاً بالواقع، وإنّما يرتبط بشعور الفرد، وحالته النفسيّة، أيّ أنّ التخيل ليست مجرد معرفة، وأنّ فعل التفكير ليس نفسه فعل التخيُّل، لأن المعرفة والتفكير تتطرقان إلى مفاهيم ومواضيع معروفة، أمّا التخيل فيفترض مادة غير موجودة.