عذاب قوم لوط
عذاب قوم لوط عليه السّلام
أهلك الله -تعالى- قوم لوط -عليه السّلام- بالصّيحة؛ وهي صوتٌ يخرجُ من الفم بقوّة، وسُمّيت بذلك؛ لعظمها وشدّة هولها، فَقلبت الصّيحة عَاليَ مدائنهم إلى أسفلها، كما أمطر الله -تعالى- عليهم حِجارةً من النار، لِقولهِ -تعالى-: (فَأَخَذَتهُمُ الصَّيحَةُ مُشرِقينَ* فَجَعَلنا عالِيَها سافِلَها وَأَمطَرنا عَلَيهِم حِجارَةً مِن سِجّيلٍ)، ووصف الله -تعالى- عذابهم بالمُستقرّ بقوله -تعالى-: (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ)؛ أي استقرّ عليهم العذاب ، فلا يُنزعُ عنهم إلى يوم القيامة، فهم يُعذّبون في قُبورهم، ثُمّ يوم القيامة يُعذّبون في النار، فهو مُلازمٌ لهم لا يُفارقهم.
وهذا العذاب لم يَدع حاضراً ولا غائباً إلا أصابه، فقد قال الألوسيّ في كتابه روح المعاني: "حتى إن تاجراً منهم كان في الحرم، فوقف له حجر أربعين يوماً حتى قضى تجارته وخرج من الحرم، فوقع عليه"، وشدّةُ العذابِ عليهم دليلٌ على عِظَم جُرمهم وذنبهم؛ وهو اللّواط. وكان ممّن نجى من العذاب نبيُّ الله لوط -عليه السلام- وأهله ما عدا زوجته؛ وذلك لأنها بقيت كافرة، لِقولهِ -تعالى-: (فَأَنجَيناهُ وَأَهلَهُ إِلَّا امرَأَتَهُ كانَت مِنَ الغابِرينَ* وَأَمطَرنا عَلَيهِم مَطَرًا فَانظُر كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُجرِمينَ).
وكانت نجاتُهم بعد أن أوحى الله -تعالى- له بالسّير في اللّيل والخُروج من القرية؛ لِما سيحصل بها من العذاب، فجاءت قومه الصيحة والحجارة في الصباح، لِقولهِ -تعالى-: (فَأَسرِ بِأَهلِكَ بِقِطعٍ مِنَ اللَّيلِ وَلا يَلتَفِت مِنكُم أَحَدٌ إِلَّا امرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصيبُها ما أَصابَهُم إِنَّ مَوعِدَهُمُ الصُّبحُ أَلَيسَ الصُّبحُ بِقَريبٍ* فَلَمّا جاءَ أَمرُنا جَعَلنا عالِيَها سافِلَها وَأَمطَرنا عَلَيها حِجارَةً مِن سِجّيلٍ مَنضودٍ* مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظّالِمينَ بِبَعيدٍ)، وكانت العُقوبةُ والعذاب عليهم مُساوياً لجُرمهم، فقد غيّروا الفطرة، وقلبوا الحقائق، وعبدوا غير الله -تعالى-، وافتخروا بالفسق والفاحشة، فكانت عقوبتهم هي انقلاب القرية عليهم، وإهلاكهم وهم جلوس بواسطة أحجار صغيرة تلقى على رؤوسهم، وهي: "السّجيل المنضود"، وإبقائهم عبرة لغيرهم، لِقولهِ -تعالى-: (وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)؛ ولا تزالُ قريتهم "سدوم" في البحر الميّت باقيةً إلى الآن؛ ليكونوا عبرةً لغيرهم.
دعوة لوط عليه السلام
نبيّ الله لوط -عليه السلام- هو ابنُ هاران بن آزر، ابن أخ إبراهيم -عليه السلام- ، وقد نشأ في مدينة بابل مع سيدنا إبراهيم -عليه السلام-، وهاجر مع إبراهيم -عليه السلام- إلى حوران في الشام، ولما ذهب إبراهيم -عليه السلام- إلى مصر، انتقل لوط -عليه السلام- إلى قرية سدوم بعد أن بعثه الله -تعالى- رسولاً إليهم؛ وهي قريةٌ تقع شرق النهر في غور الأردن على البحر الميت.
ولم تختلف دعوته عن باقي دعوة الأنبياء قبله، فقد دعاهم إلى عبادة الله -تعالى- وحده، وعدم الإشراك به، وطاعة الرُّسل، والبُعد عن المعاصي، وخاصةً ما يفعلونهُ من الفواحش، وقد ذكر الله -تعالى- في عددٍ من الآيات بعض جوانب دعوته، كقوله -تعالى-: (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ* أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ* وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ).
وكان لوط -عليه السلام- قد بلغ الأربعين من عُمره عندما بعثه الله -تعالى- إلى قومه؛ ليدعوهم إلى التوحيد ، والإخلاص لله -تعالى-، وبيّن لهم أنه ناصحٌ لهم، ويُريدُ سعادتهم من غيرِ أجرٍ أو مُقابل منهم، ودعاهم برفقٍ ولين، وصدقٍ وأمانة، ولكنّهم قابلوه بالطّرد، واتّهموه بالعُدوان في سُلوكه، وطلبوا من الناس الابتعاد عنه، وقرّروا نفيهُ وطردهُ من البلاد، وفي العنوان التالي تفصيلٌ لموقفهم من دعوة نبيّهم
موقف قوم لوط عليه السلام من دعوته
قابل قوم لوط -عليه السلام- دعوتهُ بالتّكذيب، بعد أن خوّفهم من عذاب الله -تعالى-، وأمرهم بتقواه ، ووبّخهم على فعل اللّواط؛ وهو إتيان الذُكور دون الإناث، فهو وطء الرّجال للرّجال أو الصبيان، وتركهم النساء بالحلال، ويعتبر فعلاً شاذّاً عقلاً وطبعاً؛ فقالوا له إن لم ينتهِ عن الإنكار عليهم فسوف يقومون بطرده من البلاد، وإبعاده عنها، فأجابهم بأنّه من المُبغضين لأفعالهم، فدعا ربّه بأن يُنجّيه منهم هو وأهله الصالحين، فكان ما حصل معهم كما مرّ في بداية المقال.
ولكن قبل إهلاكهم ابتلاهم الله -تعالى- بإرسال عددٍ من الملائكة إلى لوط -عليه السلام- بهيئة رجالٍ حِسان يمشون على أرجُلِهِم، ولما رآهم لوط -عليه السلام- خاف عليهم من قومه، وتألّم لعجزه عن صدّ قومه عنهم، وأسرعت زوجة لوط إلى الناس تُخبرهم بمجيء ضيوف لوط، وتصف لهم محاسنهم وجمالهم، فجاءه الرجال مسرعين لقضاء شهواتهم ورغباتهم الشاذّة، فعرض عليهم الزّواج من بناته بطريقٍ شرعيّ، وذكر الله -تعالى- ذلك بقوله: (وَجاءَهُ قَومُهُ يُهرَعونَ إِلَيهِ وَمِن قَبلُ كانوا يَعمَلونَ السَّيِّئَاتِ قالَ يا قَومِ هـؤُلاءِ بَناتي هُنَّ أَطهَرُ لَكُم فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَلا تُخزونِ في ضَيفي أَلَيسَ مِنكُم رَجُلٌ رَشيدٌ* قالوا لَقَد عَلِمتَ ما لَنا في بَناتِكَ مِن حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعلَمُ ما نُريدُ* قالَ لَو أَنَّ لي بِكُم قُوَّةً أَو آوي إِلى رُكنٍ شَديدٍ)، فطمأنتهُ الملائكة ، وعرّفوه بأنهم من عند الله -تعالى-، وأنهم هنا لإهلاك قومه.
وكان قوم لوط أوّل من جاء بإتيان الذُّكور، ولم يسبقهم بهذا أحدٌ من الناس مع أنّه من الكبائر، لكنهم جحدوا وأنكروا دعوة نبيّهم، بالإضافة إلى ردّهم لشرع الله -تعالى-، والاستهزاء بأوامره، واتباعهم لشهواتهم، وهذه المعاصي أعظم أنواع الشرك، فبعث الله -تعالى- إليهم لوط -عليه السلام-، وجاءهم من مدينةٍ أُخرى فراراً من الاضطهاد، فهو ليس منهم ولكنّه سكن معهم فترةً من الزمن، فوصفهُ الله -تعالى- بقوله: (وَلوطًا إِذ قالَ لِقَومِهِ)، وكانوا يسكنون قُرب البحر الميت في الأُردن كما أسلفنا.