عبد القاهر الجرجاني
نشأة عبد القاهر الجرجاني
أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني هو إمام النحاة وشيخ البلاغيين، هو فارسي الأصل ووُلِد في جرجان، أخذ النحو عن الشيخ أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بن حَسَنِ ابْن أُخْت الأُسْتَاذ أَبِي عَلِيٍّ الفَارِسِ، تفقه على مذهب الإمام الشافعي ، وكان في العقيدة أشعريًا، وكان زاهدًا دَيِّنًا، له نسك وعبادة، ولشدّة تعلِّق قلبه بالله تعالى يُروَى أنّه دخل عليه لص وهو في الصلاة فأخذ ما وجد ولم يقطع الجرجاني صلاته.
كتابات عبد القاهر الجرجاني
ألَّف عبد القاهر الجرجاني العديد من العلوم، ولكن كتبه التي نالت شهرةً واسعةً هي كتبه في البلاغة والنحو ومنها ما يأتي:
- شرحان لكتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي وكان الشرح الأول كبيرًا سمَّاه بالمغنيّ، والشرح الثاني مختصر للشرح الأول سماه بالمقتصد، كما أنه اختصر كتاب الإيضاح وسماه بالإيجاز.
- إعجاز القرآن وهو كتابٌ كبير وقد طبع في مصر.
- العوامل المائة وهو كتابٌ في النحو وقد طبع في مطبعة بولاق.
- العمد وهو كتاب في التصريف ويسمى العمدة.
- أشهر مصنفاته وأكثرها تأثيراً بغير منازع هما كتابا دلائل الإعجاز وموضوعه علم المعاني، وأسرار البلاغة في علم البيان .
منهج عبد القاهر الجرجاني العلمي
ظلّ الأمر الذي شغل بال الجرجاني طوال حياته هو إظهار إعجاز القرآن الكريم، وقد كرَّس حياته لهذا الهدف، والمتأمّل في كتبه يجد أنّ إسهاماته في هذا المجال ظهرت في أمرين وهما كالآتي:
- إبطال الآراء التي سبقت عبد القاهر الجرجاني في أنّ إعجاز القرآن هو في أمرٍ خارج عنه وليس في ذاته.
- بيان أنّ إعجاز القرآن الكريم كان في نفسه حيث أنّ الإعجاز هو فصاحة القرآن الكريم ووصوله في البلاغة منتهاها.
أمّا في الأمر الأول، فقد وضع رسالةً فيه سماها "الرسالة الشافية في الإعجاز" وكان الهدف منه تفنيد الرأي الذي يقول بأن إعجاز القرآن الكريم كان بـ (الصِرْفة) وخلاصة هذا القول أنّ الله تعالى قد صرف ألسنة العرب عن قولٍ يشابه القرآن الكريم وهذا معنى الإعجاز وأشهر من قال بهذا الرأي هم المعتزلة، وقد فند الجرجاني هذا القول وبين على اقتضابٍ أنّ الإعجاز في القرآن الكريم يكون بفصاحته وبلاغته.
بعد هذا جاء الجزء الثاني من جهود عبد القاهر الجرجاني ليبين أنّ إعجاز القرآن الكريم كان في بلاغته حيث عجزت العرب وهم الفصحاء والبلغاء عن الإتيان بمثله وكانت أعظم جهوده في هذا الباب في كتابيه أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز، وقد ظهرت نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني.
يرى عبد القاهر الجرجاني أنّ إعجاز القرآن الكريم ليس بالاستعارات أو الموسيقى أو ألوان المجاز ، بل كان ذلك نابعاً من أمرٍ آخر وهو تآلف الكلمات فيما بينها لتشكل الصورة العامة للكلام الذي هو مزيجٌ بين اللفظ والمعنى، وقد حمل عبد القاهر على النقاد الذين اعتنوا باللفظ وقدموه على المعنى، وقد أولى المعنى اهتماماً بالغاً والمقصد الأول هو المعنى.
نظرية النظم وعبد القاهر الجرجاني
تظافرت عدة جهود قبل عبد القاهر الجرجاني في سبك نظرية النظم فظهرت جهود الخطابي والباقلاني والقاضي علي الجرجاني في البحث عن إعجاز القرآن الكريم وبلاغة الكلام، ثم جاء عبد القاهر واستقى أساسيات هذه النظرية ممن سبقه ليخرج بنظرية النظم كاملةً.
وأسس نظرية النظم هي كالآتي:
- الكلمات لا تتفاضل فيما بينها قبل دخولها في النظم فالألفاظ واحدة وليس للفظةٍ ميزةٌ على أخرى، وإنما تكتسب الألفاظ بلاغتها حين تدخل في السياق وتؤدي المعنى الذي يضاف إلى غيره بهذا تأتي براعة النظم.
- ترتيب الألفاظ في النطق يكون على حسب ترتيب المعاني في الذهن وما كان سابقاً في اللفظ يكون سابقاً في الذهن.
- النظم لا يحصل إلا باجتماع الكلمات وقبل اجتماعها لا يوجد النظم.
- المزية في النظم تكون للمعنى لا للفظ.
- ثمرة النظم تكون بتصوير المعنى.
سخَّر عبد القاهر ثلاثة علوم لخدمة النظم أولها هو علم النحو حيث أنّ النحو هو السبيل لنظم الكلام، ثم يأتي علم المعاني حيث يشكل النحو المعاني المختلفة، وبعد علم المعاني يأتي علم البيان حيث يتم صب المعاني المتشكلة في صورٍ بلاغية يتم استخدام التشبيهات والتصويرات فيها والمجازات مجملاً ذلك في قوله عن النظم: "تتبع معاني النحو فيما بين الكلم على حسب الأغراض التي يصاغ لها الكلام".
وفاة عبد القاهر الجرجاني
توفي عبد القاهر الجرجاني سنة 471 هجري، في جرجان.