صفية زوجة الرسول
أمّهات المؤمنين
تزوّج النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إحدى عشرة زوجة، وهنّ أمّهات المؤمنين رضي الله عنهن، حيث كان من وراء زواج النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من كلّ واحدةٍ منهنّ حكمة أرادها الله تعالى؛ منها: الحِكمة التعليمية، فالنساء نصف المجتمع، وعليهن مثل ما على الرجال من واجباتٍ أمام الله تعالى، والمرأة تحتاج أن تسأل لتتعلّم أمور دينها، وكذلك فإنّ للمرأة أحكاماً خاصّة كثيرة تستحيي أن تسأل عنها رسول الله عليه السلام، فسهّل تعدّد زوجات النبيّ السؤال على نساء المسلمين بالرجوع إلى أمهات المؤمنين.
وكذلك فإنّ من حكم تعدّد زوجات النبي حِكمة تشريعية، والمثال عليها: زواج الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- من السيدة زينب بنت جحش ، حيث إنّها كانت زوجة زيد بن حارثة رضي الله عنه، وكان زيد ابن الرسول بالتبني، فلما جاء الإسلام وأبطل التبني شاءت حكمة الله -تعالى- أن يتزوّج رسول الله من زوجة زيد؛ حتى يستيقن المسلمون حكم ربّهم في إبطال التبني.
صفية زوجة الرسول
هي صفيّة بنت حيي بن أخطب من بني إسرائيل، من سبط هارون بن عمران عليه السلام، وأمّها هي: برة بنت سموءل، أخت رفاعة بن سموءل من بني قُريظة، وكانت صفية -رضي الله عنها- امرأة شريفة، وعاقلة، وجميلة، وذات حسب ودين، وتزوّجت مرّتين؛ أوّلهما زواجها من سلام بن مشكم القرظي، ثمّ تركها، فتزوّجت بعده كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري، الذي قُتل في غزوة خيبر، ورأت صفيّة وهي متزوّجة من اليهودي كنانة في منامها أنّ قمراً قد أتاها من يثرب فوقع في حجرها، فقصّت رؤياها على زوجها فلطمها على وجهها لطمةً أثّرت فيها، وقال لها: أتحبّين أن تكون تحت هذا الملك الذي يأتي من المدينة .
وكانت السيدة صفية -رضي الله عنها- على قدر من الدين والجود، حيث جاءت جاريتها مرّةً إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تقول له: إنّ صفية تحبّ يوم السبت، وتصل اليهود، فبعث عمر إلى صفية ليسألها عن ذلك، فقالت: أمّا السّبت؛ فإنّي لم أحبّه منذ أبدلني الله به يوم الجمعة، وأمّا اليهود؛ فإنّ لي فيهم رحماً، وأنا أَصِلها، ثمّ سألت صفية جاريتها عن سبب فعلها، فقالت الجارية بأن ذلك من وسوسة الشيطان، فبادرتها صفيّة وفكّت أسرها من العبودية، وروت صفية -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عشرة أحاديث، منها حديث واحد اتّفق الشيخان؛ البخاري ومسلم على صحّته.
وقد توفيت السيدة صفية -رضي الله عنها- زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان، في شهر رمضان ، من سنة خمسين للهجرة النبوية ، وصلّى عليها مروان بن الحكم، ودُفنت في البقيع.
زواج الرسول من صفية
عندما فتح المسلمون خيبر في السنة السابعة للهجرة، كانت السيدة صفية من بين سبايا الحرب، فجاء رجل يسمّى دحية الكلبي يطلب من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- جاريةً، فقال له الرسول عليه السلام: (اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً، فأخَذَ صَفِيَّةَ بنْتَ حُيَيٍّ، فَجَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، أعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بنْتَ حُيَيٍّ، سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ، لا تَصْلُحُ إلَّا لَكَ، قالَ: ادْعُوهُ بهَا فَجَاءَ بهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا، قالَ: فأعْتَقَهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَزَوَّجَهَا).
تأخّر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في خيبر عدّة أيام حتى طهُرت صفية من حيضتها، وبعد خروج المسلمين من خيبر والسيدة صفية مع الرسول عليه السلام، ابتعد مسافةً صغيرةً عن اليهود ثمّ أقام، وأراد البناء بصفية، فرفضت ذلك، فأكمل رسول الله مسيره، وعندما مكث في الصهباء وهي منطقة في خيبر، أشار إلى الصحابيات بتزيين صفية له، فمشّطنها وعطّرنها، ثمّ دخلت على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فبنى بها، ثمّ سألها لمَ لمْ توافق في المرّة الأولى، فأجابته بأنّها خشيت على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من اليهود، إذْ كانوا لا يزالون بالقرب من إقامة المسلمين.
ظروف زواج الرسول من صفية
ذكر العلماء بعض الحقائق المتعلّقة بسبي صفيّة رضي الله عنها، وزواجها من رسول الله، وفيما يأتي بيان ذلك:
- لم يحصل الزواج بين الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- وصفية -رضي الله عنها- إلّا بعد انقضاء عدّتها؛ استبراءً لرحمها، وكذلك لم يحصل زواجه صلى الله عليه وسلم منها حتى أعلنت صفية إسلامها وبعد أن أعتقها، وكان مهرها إعتاقها ثمّ اتخاذها زوجةً له.
- كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قد جلس إلى صفيّة وذكر لها مفصِّلاً ما حلّ به وبالمسلمين من أذى اليهود، وقومها تحديداً، وبقي يخبرها عمّا حلّ بقومها حتى زال همّها وحزنها، فلم يعاشرها الرسول وهي مبغضة له أبداً، حيث قالت صفية -رضي الله عنها- في ذلك: (وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أبغضِ النَّاسِ إليَّ قتَل زوجي وأبي وأخي فما زال يعتذرُ إليَّ ويقولُ: ( إنَّ أباك ألَّب عليَّ العربَ وفعَل وفعَل ) حتَّى ذهَب ذلك مِن نفسي).