صفات المهاجرين والأنصار في سورة الحشر
صفات المهاجرين في سورة الحشر
الصفات التي تميّز بها المهاجرون عديدة، وقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- بعض هذه الصّفات في سورة الحشر، وفيما يأتي بيانها:
فقراءٌ يستحقّون الغنائم والصّدقات
يُعدّ الفقر أوّل صفةٍ للمهاجرين، حيث لا أرض ولا مورد لهم، كما أنَّ الأنصار تنازلوا عن حقّهم في أموال بني النّضير للمهاجرين بعد مشاورة الرسول لهم، فتمّ تقسيم الأموال بين المهاجرين فقط باستثناء ثلاثة من الأنصار لفقرهم، وكان ذلك عن طيب خاطرٍ من الأنصار.
حيث إنَّ خروج الأنصار من وطنهم لم يكن إلّا نصرة لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن شدّة فقرهم وحاجتهم كانوا يربطون الحجر على بطونهم؛ حتّى لا يشعروا بمرارة الجوع.
مضطهدين عُذِّبوا وأُخرجوا من ديارهم
خرج المهاجرون من ديارهم جبراً من قبل كفار مكة طلباً لرضوان الله -تعالى- ونصرة لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكان فعلهم لا يدلّ إلا على صدق إيمانهم الكامل، ورغبتهم في مرضاة الله -تعالى-، فظهر أثر اليقين الذي في قلوبهم على عملهم.
كما أنَّ العطاء -الغنائم والصدقات- كان جبراً لهم لانكسار قلوبهم بسبب ضياع أموالهم بعد اضطهادهم وخروجهم من ديارهم.
يطلبون فضل الله -تعالى- في الدنيا والآخرة
وصف الله -تعالى- المهاجرين في سورة الحشر بصدق نواياهم، وطهارة قلوبهم، وحرصهم على نيل رضوان الله -تعالى- في الدنيا والآخرة، وبالغ الله في وصف صدقهم، وذلك من خلال حصر الصدق فيهم.
فقد قال -تعالى-: (أُولَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)، فهم استحقّوا لقب الصّدق في فعلهم هذا، وهذا فيه تعظيم لشأنهم، فالصادق هو من كان فعله مطابقاً لقوله، وهذا بالفعل ما فعله المهاجرون -رضي الله عنهم-.
صفات الأنصار في سورة الحشر
الصّفات التي تميّز بها الأنصار عديدة، وقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- بعض هذه الصّفات في سورة الحشر، وفيما يأتي بيانها:
- الأنصار هم أهل المدينة قبل قدوم المهاجرين إليها، وذلك بدليل كلمة "التبوّؤ" التي تدلّ على التّمكّن في المكان واللّزوم فيه، كما أنَّهم كانوا على الإيمان قبل قدومهم، فقد قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ)، فهم أهل الإخلاص والإيمان ودارهم هي دار الهجرة.
- المهاجرون نالوا محبّة الأنصار لهم.
- الأنصار هم من تخلّوا عن حظّهم في الحياة الدنيا، فلم يدخل في قلبهم مثقال ذرّة من حسدٍ تجاه ما أوتي المهاجرين، فقد قال -تعالى-: (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا)، وهذا لترفّع أنفسهم عن دنايا الأمور وصغائرها، وطهارتهم من أسقام القلوب، فالبذل والكرم والعطاء أمرٌ ملازمٌ لفطرتهم، وهذا من عزّة نفوسهم وكمال إيمانهم.
- الإيثار صفةٌ ملازمةٌ للأنصار في حياتهم، حيث كان الواحد منهم يُؤثِر غيره من الصحابة على نفسه رغم فقرهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه، فقد قال -تعالى-: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)،فكانت يد العطاء عندهم سبَّاقةٌ للخير رغم تساوي الحال بين الأنصار والمهاجرين في الحاجة والفقر
وممّا يُثبِت ذلك قصّة الأنصاري والضّيف عندما جاء رجلٌ فقير إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وكان الرجل فيهم لا يتكلّم إلا إذا أصابه الجهد الشديد الذي لا يُطاق، فسأل الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (مَن يُضِيفُ هذا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ)،
ففعلت الزوجة ما أمرها به زوجها، وأكل الضيف، وبات الزّوجان من غير أكلٍ هم وأطفالهم، فآثر كِلا الزّوجين إكرام الضيف الجائع على جوعهم؛ ابتغاءً لما عند الله -تعالى- من الخير والثواب،
بعض النماذج الواقعية من صفات المهاجرين والأنصار
تعدّدت المواقف التي تجلّت فيها أخلاق المهاجرين والأنصار، وفيما يأتي بيان أمثلة ونماذج واقعية على ذلك:
مثالٌ على فقرهم وحاجتهم والتّضحية في سبيل الله تعالى
كان المهاجرون من أكثر الصحابة الذين عانوا الفقر، فتركوا ديارهم وأوطانهم، وكان الرجل منهم يربط بطنه بالحجارة حتى يخفّف عنه ألم الشعور بالجوع.
لذلك حرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، حتى يخفّف عنهم ألم الغربة والبعد عن الديار والمَسْكن، ليبعث في قلوبهم السكينة والراحة وأنّهم بين أهلهم، وبهذا تجلّت مظاهر الأخوة والإنسانيّة.
مثال على الإيثار عند الأنصار
وصل الأنصار إلى درجةٍ عاليةٍ من الرّفعة في أخلاقهم وتعاملهم مع غيرهم، فكانت صفة الإيثار صفةً ملازمةً للأنصار، فعندما جاء المهاجرون إلى المدينة استقبلوهم بكلّ صدرٍ رحب، وشاركوهم في أموالهم ومنازلهم وجميع ممتلكاتهم.
وكل ذلك يدل على إيثارهم وسخاء نفوسهم، وصدق إيمانهم ومحبتهم لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
مثال على سلامة نفوسهم وكرمهم
استقبل الأنصار أمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- لهم في المؤاخاة بينهم وبين المهاجرين بمحبّةٍ غامرة، ولم يعترضوا على ما أمرهم به، فكانوا للمهاجرين إخواناً وأعواناً.
من أمثلة محبة الأنصار للمهاجرين
القصة التي حدثت بين سلمان الفارسي مع أبي الدرداء عندما وجد امرأته أم الدرداء رَثّة المنظر والثياب، فكانت لا تعتني بهيئتها في حضور زوجها، فسألها عن السّبب، فأجابته بأنَّ أبا الدرداء مُعرضٌ عن الدنيا وما فيها.
فما كان من سلمان إلا أن فرّغ يومه لحلّ مشكلة أخيه، فعندما حضّر أبو الدرداء الطعام لسلمان وقدَّمه له طلب سلمان منه أن يفطر؛ لأنَّه علم حاله من زوجته بأنَّه يصوم دائماً ولا يُفطر.
فأراد سلمان أن يعطيه درساً يخبره به أنّه لا بد من التّوازن في أمور الدّنيا والدّين، فلا ينبغي له أن يُنهِك نفسه بالصيام والقيام، فلا بدّ من الاعتدال على وجهٍ يحصل به الخير، ويزول به التعب والمشقة.
وعندما جاء وقت قيام اللّيل قام أبو الدرداء ليصلي، فأمره سلمان بالنوم، وبقي يأمره بذلك إلى قبل الفجر بقليلٍ وصَلَّيّا معاً، ثم قال له سلمان: (إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)، فأراد سلمان أن يعطيه درساً يخبره به أنّه لا بد من التّوازن في أمور الدّنيا والدّين، فلا ينبغي له أن يُنهِك نفسه بالصيام والقيام، فلا بدّ من الاعتدال على وجهٍ يحصل به الخير، ويزول به التعب والمشقة.
حادثة الميثاق
عندما وصل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة وضع ميثاقاً يُنظّم فيه العلاقة بين المهاجرين والأنصار من جهة، وبين غيرهم من الناس من اليهود من جهة أخرى، وكان السبب وراء ذلك رغبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تثبيت دعائم الأخوّة في الدولة الإسلامية، لأنَّ المؤاخاة وحدها لا تكفي لتنظيم العلاقة بينهم.
فلا بدّ من قانونٍ ودستورٍ يُنظّم العلاقة بين جميع الأطراف، فكان أساس هذا الميثاق توحيد العلاقة بينهم وأنَّ المهاجرين والأنصار من أمّةٍ واحدة، لترسيخ مشاعر الأخوة بينهم.