صفات الخطيب الناجح
مواصفات الخطيب الناجح
تعد الخطبة طريقة لنشر الدعوة، وتعد من أكثر الطرق أهميّة كونها تخاطب الناس مباشرة، وتهتم بمعالجة قضاياهم ومشاكلهم الاجتماعية الكثيرة، وأيضاً هي فرصة للتأثير على الناس وسلوكهم وتربيتهم بأسلوب ديني ومنهج مدروس، كما يلزم الشخص الذي يتولى هذه المهمة جملة من الصفات، من شأنها تدفعه نحو إتمامها على أكمل وجه.
ومن أبرز صفات الخطيب الناجح، المؤثر في أسلوبه الخطابي، ما يلي:
الاستعداد الفطري (الموهبة)
تعد الخطابة موهبة من الله -تعالى-، فلا بد من وجود الاستعداد الفطري لدى الخطيب ليقوم بإلقاء الخطبة كما يجب أن تكون عليه، علمًا أن الناس متفاوتة بالقدرات والمستويات التي يمتلكونها، كما أن الخطيب الناجح يكون لديه استعداد فطري نحو استخدام المشاعر والكلمات الجياشة والمؤثرة في موضعها الصحيح.
وعندما سئل معاوية بن أبي سفيان عن سر هذه البلاغة والبراعة في استخدام الألفاظ العبارة أجاب: (شيء تجيش به صدورنا فنقذفه على ألسنتنا)، وعليه فإن الاستعداد الفطري عامل مهم في إتمام عملية الخطابة بإتقان وبراعة.
الاهتمام بالإخلاص لله تعالى
الإخلاص لله سبب رئيس لقبول العمل من العبد، ويكمن ذلك عند الخطيب في صدقه الخالصة للدعوة إلى الله -عز وجل-، بالإضافة إلى علاقته مع إخوانه الخطباء، فلا يكن لهم السوء في حال اتجه الناس نحوهم، بل يفرح لذلك لأنهم جميعًا يقومون بتأدية رسالة عظيمة ألا وهي الدعوة إلى دين الله.
وقد ذكر الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين "وترى الواعظ يمنُّ على الله تعالى بنصيحة الخلق ووعظ السلاطين، ويفرح بقبول الناس قولَه وإقبالِهم عليه، وهو يدّعي أنه يفرح فيما يُسِّرَ له من نصرة الدين، ولو ظهر من أقرانه من هو أحسن منه وعظاً، وانصرف الناس عنه؛ ساءه ذلك وغمّه، ولو كان باعثَه الدينُ لَشَكَرَ الله تعالى، إذ كفاه الله تعالى هذا المهمّ بغيره".
فما يتوجب على الخطيب، أداء هذه المهمة دون منّن على الغير أو أذى، أو تعالٍ، لأنه ما وصل لهذه المرحلة إلا بتوفيق الله -عز وجل-.
إتقان مهارة القرآن الكريم
على الخطيب أن يكون متقنًا لقراءة القرآن الكريم، كثير التلاوة له، لديه الصلة الوثيقة به، أي لا يفارق كتاب الله -تعالى-، تلاوةً وتدبرًا، ولديه السعي الدائم نحو إتمام حفظه عن ظهر قلب، وبهذا تزيد براعته في أداء الخطبة، كما أن لنطق الحروف من مخارجها الصحيحة وبالأحكام التي أرشدنا إليها العلماء رونقًا يجعل المستمع ينجذب له.
إيراد الأحاديث الصحيحة مع مصادرها
لا بد للخطيب أن يهتم بعلوم الحديث الشريف، وأن يستزيد منه بقراءة كتب السنة والاستماع للعلماء الثقات في هذا البحر الواسع من العلم، وأن يطلع على أوسع قدر من الأحاديث وأبوابها وكيفية تخريجها، ومداومته على حفظ الأحاديث بدقة، ليتمكن من الاستشهاد فيها بمختلف المجالات والمناسبات.
الإلمام بالأحكام الشرعية
ينبغي على الخطيب أن يكون ملمًا بأحكام الخطبة وكذلك الصلاة أن يكون عالمًا بأركانها وشروطها ومصححاتها ومبطلاتها ومكملاتها، وأن يسعى جاهدًا في إتمام أي نقص لديه عن كيفية الصلاة والخطبة، علمًا أنه لا يشترط على الخطيب أن مفتيًا بكافة الأحكام.
وكذلك إلمام الخطيب بأحكام الشريعة الإسلامية الأخرى، ليتسنى له وعظ الناس وتعريفهم بأمور دينهم، وإصلاح أمرهم وتسديد خطاهم نحو طريق الهداية والاستقامة.
الاهتمام باللغة العربية
يعتبر إلمام الخطيب باللغة العربية وفنونها أحد مقومات نجاح خطبته، لما فيها من استخدام الألفاظ العذبة والمشوقة، وأقربها إلى قلوب السماعين، كما أنه يلجأ لاستخدام أساليب متنوعة في الإلقاء فلا يسرد الخطبة لا وتيرة واحدة، أو يعتمد أسلوب السجع حتى لا يمل السامع من الرسالة المراد تأديتها له.
كما أن إتقانه لقواعد اللغة العربية، يعطيه المفتاح لإيصال المعنى، دون خلل به؛ ليتمكن من إيصال المعنى الصحيح للمستمعين.
مراعاة المستمعين من حيث الزمان والوقت والمكان
إن الخطيب الناجح يتصف بالحكمة والمهارة العالية والدقيقة في تقدير حاجة المستمعين من حيث الوقت، كما أنه يراعي أحوال المستمعين في البرد الشديد أو الحر الشديد، فلا يجعل المصلين يضجرون، لأن بذلك لن تتحقق الفائدة من جذب انتباه السامع نحو ما يقال.
كما أن الخطيب الناجح يركز على الأمور المهمة، ويرتب الموضوعات حسب الأهمية، استنادًا إلى ما رواه عمار بن ياسر: (إنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ؛ مَئِنَّةٌ مِن فِقْهِهِ، فأطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الخُطْبَةَ، وإنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْرًا)، فالسير على ما أوصى به النبي الكريم أولى من غيره.
ملاحظة: من السنّة أن يكون إمام الصلاة في يوم الجمعة هو نفسه الخطيب، وأجمع على ذلك أيضاً أهل العلم، ولكن إذا حدث طارئ واعتذر الخطيب عن الإمامة، فيجوز أن يتولاها شخص آخر ذو كفاءة.