كم عدد سور جزء عم
تقسيم القرآن الكريم إلى أجزاء وأحزاب
يعدّ تقسيم المصحف إلى أجزاءٍ وأحزابٍ وأرباعٍ تقسيماً اصطلاحياً واجتهادياً، لذا فالناس يختلفون في تقسيمهم للمصحف بحسب ما يناسب كلاً منهم، وما يجده أنفع وأقرب له، وقد ورد عن الصحابة -رضي الله عنهم- تقسيمٌ مشهورٌ، فقسّموه إلى ثلاث سورٍ؛ هي الثلاثة الأولى بعد الفاتحة ، وهنّ: البقرة وآل عمران والنساء، ثمّ خمس سورٍ؛ هن: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة، ثمّ سبع سورٍ؛ وهن: يونس وهود والرعد ويوسف وابراهيم والحجر والنحل، ثمّ تسع سورٍ تبدأ من سورة الإسراء إلى نهاية سورة الفرقان، ثمّ إحدى عشرة سورةً؛ بدءاً من سورة الشعراء إلى نهاية سورة يس، ثمّ ثلاثة عشر سورة تبدأ من الصافات إلى نهاية الحجرات، وأخيراً ما تبقّى من القرآن؛ أي من سورة ق إلى نهاية سورة الناس، وقد كانت المصاحف العثمانية خاليةً من كلّ تقسيمٍ، إلّا أنّ الناس مع مرور الزمن أخذوا يتفنّون في تجزئتها وفقاً لاعتباراتٍ مختلفةٍ، وللعلماء في حُكم ذلك كلامٌ كثيرٌ، فقد اختلفوا فيه بين الجواز مع الكراهة، والجواز بلا كراهةٍ، إلّا أنّ الأمر يسيرٌ ما دام الغرض منه التسهيل وكان بعيداً عن اللَبس.
وفيما يتعلّق بتجزئة المصحف الحالي وتحزيبه؛ فليس هناك جزمٌ أكيدٌ بأول من عمل به ووضعه، ولكن الذي ينقله ويرويه بعض العلماء أنّه الحجّاج بن يوسف الثقفي، وأنّ الأمر الذي يدور حوله ذلك التقسيم هو عدد الحروف، وقال ابن تيمية -رحمه الله- أنّ تحزيب القرآن وفقاً لما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم- أفضل وأحسن لعدّة أسبابٍ، منها أنّ تقسيمات القرآن المحدثة تتضمن الوقوف على بعض الآيات المتصلة بما بعدها، ومنها أنّ عادة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه -رضي الله عنهم- في الغالب كانت القراءة بسورةٍ أثناء الصلاة، أمّا القراءة من أواسط السور وأواخرها فكان قليلاً عندهم، لذلك فالأورع كراهة ذلك، ولا شكّ أنّ في التجزئة الحديثة مخالفةً أعظم للسنة من قراءة أواسط وأواخر السور في الصلاة، ومنها أيضاً أن التجزئة المُحدثة يصعب فيها التسوية بين حروف كلّ جزءٍ، ويعود ذلك للاختلاف بين المنطوق والمخطوط من حروف القرآن الكريم، ممّا يجعله تقسيماً تقريبياً لا تحديدياً، وإذا كان الأمر كذلك فإنّه يكون من جنس التجزئة بالسور؛ لأنّها تجزئة تقريبٍ أيضاً.
عدد سور جزء عم
يحتوي جزء عمّ من القرآن الكريم على سبع وثلاثين سورةً، تبدأ بسورة النبأ، ثمّ النازعات، تليها عبس، ثمّ التكوير والانفطار والمطففين، ثمّ الانشقاق والبروج والطارق والأعلى، بعدها الغاشية والفجر والبلد والشمس والليل والضحى والشرح والتين، ثمّ العلق والقدر والبينة والزلزلة والعاديات والقارعة والتكاثر والعصر، تليها الهمزة والفيل وقريش، ويعقبها الماعون والكوثر والكافرون والنصر والمسد، وآخراً الإخلاص والفلق والناس.
الإنسان وفق ما جاء في جزء عمّ
تحدّث جزء عم عن عددٍ من أطوار الإنسان، فقد جاء فيه الحديث عن الإنسان ومصيره المحتوم في عددٍ من الآيات، منها قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)، حيث يخبر الله -تعالى- في الآية السابقة أنّ الإنسان بشكلٍ عامٍ، سواءً أكان مؤمناً أم كافراً، يعمل في دنياه أعمالاً ثمّ يلاقيه ربّه بها، فإن كانت أعمال خيرٍ لقي خيراً، وإن كانت أعمال شرٍّ لقي شراً، ولذلك فالأجدر بالإنسان أن يحرص على فعل الأعمال الصالحة التي تُنجيه من سخط الله، وتُوجب له رضاه، والمراد بقول الله تعالى: إلى ربك؛ أن منتهى عمل الإنسان سيكون إلى الله؛ لأنّ الإنسان ميتٌ في النهاية بلا شكٍ، وممّا جاء في جزء عمّ عن الإنسان أيضاً علاقته بالتفكّر والتدبّر، ومن ذلك قول الله تعالى: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ)، فهذه الآية تدعو الإنسان الكافر المنكر ليوم البعث الذي يبعث الله تعالى فيه الناس بعد الممات أن يتفكّر ويتدبّر في كيفية خلق الله -تعالى- له، وهذا من أساليب القرآن الكريم في الاحتجاج وتقرير البعث بعد الموت .
كما ورد في جزء عمّ الحديث عن الإنسان والخلق، فمن ذلك قول الله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، أي في أفضل وأحسن صورةٍ، كما أنّه منتصب القامة كسائر الحيوانات، وقال ابن العربي في ذلك إنّ الله سبحانه جعل الإنسان أحسن مخلوقاته فقد خلقه حياً عالماً سميعاً بصيراً متكلماً ونحو ذلك، وجاء في جزء عمّ أيضاً الحديث حول الإنسان والطغيان، فقال الله تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)، ومعنى الآية أنّ الإنسان في جنسه إذا لم يوفّق للهداية كان كنوداً لله تعالى؛ أي جاحداً لنعمه عليه، كافراً به، وأنّه سريعاً ما يلومه بعد المصائب وينسى ما أعطاه إيّاه من نعمٍ، وآخر ما عرّج عليه جزء عمّ من أطوار وحالات الإنسان هو حال الإنسان مع الابتلاء، فقال رب العالمين في ذلك: ( فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ*وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)، أي أنّ الإنسان إذا أنعم الله تعالى عليه بالنعم فرح لذلك، ولم يعترف بفضل الله عليه، وإذا ما امتحنه بالفقر قال إنّ الله قد أهانه وأذلّه بالفقر، ولم يشكر الله على ما وهبه من نِعمٍ أخرى، وسلامةً في الجوارح، وصحةً وعافيةً في بدنه، وغيرها من النعم العظيمة.