صفات الإنسان الذي يرضى عنه الله ويحبه الناس
الإحسان
رضى الله عن المحسنين
فضّل الله -تعالى- الإحسان وجعله المرتبة الأعلى والأفضل بين مراتب الدّين ، حيث إنّ أدناها الإسلام، ويليه الإيمان، وأعلاها الإحسان، فإنّ مَنْ أحسن إلى نفسه وإلى العباد حاز منزلة القرب من الله -تعالى- ومحبّته، قال -تعالى-: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وقال: (فَآتَاهُمُ اللَّـهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، فالعبد يُحبّ الله -تعالى- لذاته ولإحسانه إليه، وهو -سبحانه- ذا الجلال والكمال بصفاته، وأسمائه، وأفعاله، ولأنّه محسنٌ إلى خلقه فإنّه يحبّ المؤمنين، والمحسنين، والصّادقين، والصّالحين منهم، وهذه المحبة من الله تعالى- لعباده يقدّرها هو بحسب إرادته ومشيئته وبالوقت الذي يُريد.
ويعود الإحسان على العبد بالعديد من الفضائل، منها ما يأتي:
- يجعل الله-تعالى- لهم فرجاً لهمومهم وابتلاءاتهم، ويحفظهم من أعدائهم، ويُفضّل عليهم من فضله وخيراته، ويرزقهم الخاتمة الحسنة، قال -تعالى-: (قَد مَنَّ اللَّـهُ عَلَينا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِر فَإِنَّ اللَّـهَ لا يُضيعُ أَجرَ المُحسِنينَ).
- يُلقي الله -تعالى- في في قلوب عباده المحسنين علماً يساعدهم على التّفريق بين الحقّ والباطل، والنّور والظّلام، والصّواب من الخطأ، ليتجنّب بذلك الشّبهات ولا يقع فيها، قال -تعالى-: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).
- يكسب المُحسن ثناء الله -تعالى- وثناء العباد عليه، ودعاء الله على الدوام له، قال -تعالى-: (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ* إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).
- يُعطي الله -تعالى- للمحسن الخير كلّه، ويُبعد عنه الشرّ، قال -تعالى-: (لِلَّذينَ أَحسَنوا في هـذِهِ الدُّنيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الآخِرَةِ خَيرٌ وَلَنِعمَ دارُ المُتَّقينَ).
محبة الناس لأهل الإحسان
يُعرّف الإحسان في اللّغة؛ بأنّه العمل بإخلاص وإتقان، وفي الاصطلاح الشرعيّ عرّفه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال: (أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ)، فالمُحسن يستشعر مراقبة الله له في كلّ أحواله، فيعبد الله كأنّه يراه، قريب منه، يخشاه، ويعظّمه، ويهابه، ويشعر بجلاله، كما يدعو الإحسان صاحبه إلى أن يقدّم لغيره ما يحبّ أن يقدّمه الآخرون له، فيظهر أثر ذلك في المجتمع ممّا يؤدي إلى تماسكه، ويحميه من دخول الفتن والآفات الاجتماعية، ويكسب المُحسن محبة النّاس الناتجة عن محبة الله -تعالى- له، فينجذبون إليه، ويقفون معه، ويدافعون عنه.
العدل والقسط بين الناس
رضى الله عن المقسطين العادلين
أمر الله -عزّ وجلّ- عباده بالعدل، وجعله لهم منهاجاً يسيرون عليه، ذلك أنّ الإحسان هو الأساس الذي بُنيت عليه الشريعة الإسلاميّة في كلّ جوانبها، فالشّريعة كلّها عدل، ورحمة، وحكمة، وكلّ ما خرج عن ذلك فليس من الشّريعة بشيء، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ)، فقد حرّم الله -تعالى- الظّلم على نفسه وجعله بين عباده محرّماً، وتوّعد بالعقاب الشديد للظالمين ، كما نهى عن الظّلم بحقّ الكفار، فقال: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، والمراد بالقسط؛ أيّ العدل، الذي لا جوْر ولا ظُلم فيه، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، وقد وُصفت به أعمال الخير في قول الله -عزّ وجلّ-: (لِيَجزِيَ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ بِالقِسطِ)، وعليه فإنّ القسط والعدل كلمتان مترادفتان في المعنى، وكلّ ما يؤدي إليهما فقد جاء الشرع به وأمر بفعله، سواء بحقّ المسلمين فيما بينهم، أو مع الكفار.
محبة الناس للعادلين
يعدّ العدل حقّاً من حقوق الخلق جميعاً على ما بينهم من الاختلاف، ذلك أنّه الأساس الذي تنتظم به الحياة، والدّستور الذي قام عليه الإسلام، والميزان الذي وضعه الله -تعالى- للخلق فيُصلح حال الدنيا، ويُؤلف بين قلوب العباد، ويدفعهم إلى الطّاعات، حيث نظّم الإسلام العلاقات بين النّاس من أجل إقامة العدل فيما بينهم، وحلّ النّزاعات الواقعة بين أفراد المجتمع، وإصلاح الخصام بينهم، فيأخذ كلّ منهم حقّه ممّا يؤدي إلى اطمئنانهم، وانتشار السكينة فيما بينهم، ومن العدل؛ أن يقوم النّاس بالعبادات على أكمل وجه، ومنه أيضاً أداء الشهادة بالحقّ، فلا يُعتدى على حقوق أحد بقيام أحدٍ بشهادة زور، بغض النّظر عن جنسه، أو دينه، أو لونه.
الرفق واللين
رضى الله عن أصحاب الرفق واللين
الرّفق في اللّغة؛ ما يخالف العنف، وعرّفه ابن حجر في الاصطلاح فقال: هو لين الجانب في القول والفعل، وأخذ الأيسر، أمّا القاري فقال: هو المداراة مع الرفقاء، ولين الجانب، واللّطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها، وهو أحد الطرق المؤدية بصاحبها إلى الجنّة، ودليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام، ممّا يؤدي إلى محبة الله -تعالى-، والسعادة الدنيويّة والأخرويّة، ونيل الخير، فقد قالت عائشة -رضي الله عنها-: (مَنْ أُعطِيَ حظَّه مِن الرِّفقِ فقَد أُعطِيَ حظَّه مِن الخيرِ ، ومَن حُرِمَ حظَّه مِن الرفقِ حُرِمَ حظَّه مِن الخيرِ)، وأوصى به رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ودعا لصاحبه فقال: (اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَشَقَّ عليهم، فَاشْقُقْ عليه، وَمَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَرَفَقَ بهِمْ، فَارْفُقْ بهِ)، وهو أول من اتّصف به، فقد كان -عليه السّلام- ليّناً، بعيداً عن الشدّة والغلظة، قال فيه -تعالى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ)، أمّا من حُرم منه فقد حُرم الخير كلّه.
محبة الناس لأصحاب الرفق واللين
يحبّ النّاس الرُّفقاء منهم، ومَن ينشر المحبة والألفة فيما بينهم، ممّا يؤدي إلى نشأة مجتمع خالي من الأحقاد، تسود فيه الأخلاق الحسنة،ومن الرِّفق؛ رفق الإنسان بنفسه في أداء العبادات التي فرضها الله -تعالى- عليه، فيختار من الأمور أيسرها، عملاً بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا، وأَبْشِرُوا، واسْتَعِينُوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ)، والرِّفق في التّعامل مع الخلق ، والتّسامح معهم، ومنه رفق الرّاعي برعيته، والعمل على تحقيق مصالحهم.
الحلم والأناة
رضى الله عن أصحاب الحلم والأناة
الأناة في اللّغة؛ التثبّت والابتعاد عن العجلة، وفي الاصطلاح؛ التصرّف بحكمة ما بين السرعة والتأني، والأناة تابعة للصّبر ومظهر من مظاهره، يتّصف بها الحكماء من النّاس وذوي العقول منهم، أمّا الحِلْم؛ فهو كبح جماح النّفس ومنعها من الغضب، وهو حالة ما بين الغضب والبرودة، فالتصرّف بالحِلم ما بين الانفعال وبرودة الأعصاب يُعدّ فضيلة، وقد اتّصف الله -تعالى- بالحِلْم، وهو اسم من أسمائه، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ عَفَا اللَّـهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) ، ومعظم ما ورد في القرآن الكريم ممّا ورد فيه اتّصاف الله -تعالى- بالحِلْم قرن به مغفرة الله بعباده وعفوه عنهم، وكذلك اقترن الحِلْم بالعلم في الكثير من المواضع، كقوله -تعالى-: (وَإِنَّ اللَّـهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ)فالحلم من الصفات التي يُحبّها الله ورسوله، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مخاطباً أشجّ عبد القيس: (إنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُما اللَّهُ: الحِلْمُ، والأناة).
محبة الناس لأصحاب الحلم والأناة
يتّصف أهل الحِلْم بالصّبر على إساءة النّاس لهم ، رغم مقدرتهم على ردّ هذه الإساءة، قد عرف هؤلاء النّاس أنفسهم، وعرفوا خالقهم الذي اتّصف بهذه الصّفة، وعلموا أنّ الله يُحبهم، فقد اتّصفوا بما يُحبه الله -تعالى-، وممّا يُساعد على ذلك أن يتجنّب الإنسان المواضع التي تدفعه للغضب، وإن اضطر له فلا يغضب لغير ما يتعلّق بالله -تعالى-، فإن فعل ذلك كان من المحسنين، لقوله -تعالى-: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، فهم الذين إذا أساؤوا استغفروا، وعفوا عمّن أساء إليهم، وقبلوا معذرة من اعتذر منهم،والعجلة والطّيش هما المخالفان للحِلم والأناة، وهما خلُقان ذمّهما الإسلام لِما فيهما من التأثير سلباً على أخلاق المسلم وأعماله.