صحة حديث (من صام يومًا في سبيل الله)
صِحّة حديث (من صام يومًا في سبيل الله)
روى الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَن صامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا)، ورواه الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه، بلفظة "باعد" بدلاً من "بعَّد".
والحديث بوروده في صحيحيِّ البخاري ومسلم ، فهو حديث صحيح؛ بل هو من الأحاديث المتّفق عليها، كما ورد في كتاب "اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان"؛ أي الإمام البخاري، والإمام مسلم -رحمهما الله-، كما روى الحديثَ كلٌّ من الإمام النَّسائي، والإمام الترمذي، والإمام ابن ماجه -رحمهم الله-.
شرح حديث (من صام يومًا في سبيل الله)
يُعدّ الحديث من الأحاديث التي تُرغِّب في صيام التطوع ، والصّيام لغةً: هو الإمساك، وفي اصطلاح الفقهاء: هو الإمساك عن المفطرات، بنيَّةٍ مخصوصةٍ، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، في يومٍ يجوز فيه الصوم، وصيام التطوع: هو صيام غير الفريضة.
وقوله: (في سبيل الله) فيها قولان:
- في الغزو والجهاد
وذكرها الإمام النووي -رحمه الله- في شرحه لصحيح مسلم، إلا أنه اشترط أن لا تصيب الصائم مشقة شديدة، يفوّت بها حقاً، أو يقصِّر بمهمته في الجهاد فلا يقوم بها على أتمّ وجه، فإن كان كذلك فلا يكون مقصوداً بهذا الحديث.
- تقرباً إلى الله تعالى
أي أن يكون صيامه بنيَّةٍ خالصةٍ لوجه الله -تعالى-، وقصدٍ حسنٍ، لا يريد بذلك الصيام رياءً ولا سمعةً، إنما يقصد التقرّب إلى الله -تعالى-؛ بالعمل الصالح، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: (المجاهدُ مَن جاهدَ نفسَهُ في سبيلِ اللَّهِ).
أما قوله -صلى الله عليه وسلم-: (بَعَّدَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا)،والخريف فصل من فصول السنة، والمراد السنة كلها؛ إذا لا يتكرر الفصل إلا بتكرر السنة كلها، أي جعل وجهه بعيداً عن النار مسافة سير أحدكم سبعين سنة، وذكر عدد سبعين دون غيره؛ لما اعتادت العرب على ذلك في التكثير، والمراد: عافاه من النار، فلا يدخلها.
وذِكرُ الخريف دون غيره من الفصول، فيه قولان:
- الترغيب
لأن الحديث جاء في سياق الترغيب، فكان ذكر الخريف أنسب؛ لما فيه من جني الثمر وسعة العيش، إذ يأتي بعد الصيف، شهر النضوج.
- التذكير بالنار
ذلك أنه يكون بين الصيف والشتاء، فيكون أوّله حاراً وآخره بارداً، إشارةً إلى حر النار وزمهريرها.
ويكون شرح الحديث، من صام يوماً صيام تطوع مخلصاً لله -تعالى- يريد التقرب إليه -سبحانه-، عافاه الله من النار فلا يدخلها، أو من صام يوماً وهو يجاهد في سبيل الله، -إن كان يطيق الصيام في الجهاد-، عافاه الله من النار فلا يدخلها.
أحاديث أخرى في فضل صيام التطوع
وردت العديد من الأحاديث الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ والتي تُرغّب في صيام التطوع وتُبيّن فضله، نذكُر منها خمسة أحاديث صحيحة، وردت في صحيح الإمام مسلم -رحمه الله-، وهي:
- (مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ).
- (سُئِلَ النبي عن صَوْمِ يَومِ عَرَفَةَ، فَقالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ).
- (سُئِلَ النبي عن صَوْمِ يَومِ عَاشُورَاءَ، فَقالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ).
- (أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ).
- (أَوْصَانِي خَلِيلِي -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- بثَلَاثٍ: بصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ).