شعراء الجاهلية في الغزل
أشهر شعراء الجاهلية في الغزل
كان للشِّعرِ الغزليِّ مكانةٌ حاضرةٌ في العصرِ الجاهليّ، وقد برزَ أكثرُ من شاعرٍ في ممّن طرقوا هذا الباب، منهم ما يأتي.
عنترة بن شداد
عنترةُ بن عمرو بن شدّاد بن معاوية بن قراد العبسيّ، وُلد في الرُّبع الأول من القرن السّادس الميلاديّ عام 525م وتوفّي عام 608م، وهو أحدُ أشهر شعراء العرب في فترة الجاهليّة، اشتهر عنترة بشعره في الفروسيّة ، كما أن له معلقة مشهورة، ويعدّ أشهر فرسان العرب وأشعرهم، وهو شاعر معروف بشعره الجميل وغزله العفيف بعبلة، وقد اشتقّ اسم عنترة من ضَربٍ من الذباب يُقال له العنتر، وإن كانت النون فيه زائدة، فهو من العَتْرِ، والعَتْرُ: الذبح.
والعنترة أيضًا هو السلوك في الشدائد والشجاعة في الحرب، وإن كان الأقدمون لا يعرفون بأيّهما كان يدعى بعنتر أو بعنترة، وقد اختلفوا أيضًا فيما إن كان اسمًا له أم لقبًا، ولُقّب عنترة بالفلحاء؛ من الفلح، ويعني شقٌّ في شفته السفلى، وكنيته أبو الفوارس؛ لفروسيته، ويكنى بأبي المعايش وأبي أوفى وأبي المغلس؛ لجرأته في الغلس أو لسواده الذي هو كالغلس، وورث ذاك السواد من أمّه زبيبة؛ إذ كانت أمه حبشية، وبسبب هذا السواد عدَّه القدماء من أغرب العرب،ومن شعر ابن شدّاد في الحب والغزل:
رَمَتِ الفُؤَادَ مَليحَةٌ عَذراءُ
:::بِسِهامِ لَحظٍ ما لَهُنَّ دَواءُ
مَرَّت أَوانَ العيدِ بَينَ نَواهِدٍ
:::مِثلِ الشُموسِ لِحاظُهُنَّ ظُباءُ
فَاِغتالَني سَقَمي الَّذي في باطِني
:::أَخفَيتُهُ فَأَذاعَهُ الإِخفاءُ
خَطَرَت فَقُلتُ قَضيبُ بانٍ حَرَّكَت
:::أَعطافَهُ بَعدَ الجَنوبِ صَباءُ
وَرَنَت فَقُلتُ غَزالَةٌ مَذعورَةٌ
:::قَد راعَها وَسطَ الفَلاةِ بَلاءُ
امرؤ القيس
هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، وُلد عام 497م وتوفّي عام 545م، وهو من بني آكل المرار، شاعرٌ يمانيُّ الأصل، اشتهر بلقبه، واختلف النسّابون في اسمه، وكان أبوه ملكَ أسد وغطفان، وأمّه أخت المهلهل الشاعر وعنه أخذ الشعر، ثمّ ثار بنو أسد على أبيه فقتلوه، وثأر لأبيه من بني أسد وقال في ذلك شعرًا كثيرًا.
كانت حكومةُ فارس ساخطةً على بني آكل المرار، فأوعزت إلى المنذر ملك العراق بطلب امرئ القيس، فطلبه فابتعد وانتهى إلى السموأل فأجاره، ورأى أنْ يستعين بالروم على الفرس، فسار إلى قيصر الروم يوستينياس في القسطنطينية، فوعده ومطله، ثم ولاه إمرة فلسطين، فرحل يريدها فوافاه أجله بأنقرة، وقد جُمع بعض ما ينسب إليه من الشعر في ديوان صغير، ومن شعر امرؤ القيس في الغزل :
تَعَلَّقَ قَلبي طَفلَةً عَرَبِيَّةً
:::تَنَعمُ في الدِّيبَاجِ والحَلى والحُلَل
لَهَا مُقلَةٌ لَو أَنَّهَا نَظَرَت بِهَ
:::إِلى رَاهِبٍ قَد صَامَ لِلّهِ وابتَهَل
لَأَصبَحَ مَفتُوناً مُعَنَّى بِحُبِّهَ
:::كأَن لَم يَصُم لِلّهِ يَوماً ولَم يُصَل
أَلا رُبَّ يَومٍ قَد لَهَوتُ بِذلِّهَ
:::إِذَا مَا أَبُوهَا لَيلَةً غَابَ أَو غَفَل
الأعشى
ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة الوائلي أبو بصير، يطلق عليه أعشى قيس، ويُقال له أعشى بكر بن وائل والأعشى الكبير، يعدّ من شعراء الطبقة الأولى في الجاهليّة، وهو أحد أصحاب المعلقات ، كان كثير الوفود على الملوك من العرب والفرس وغزير الشعر؛ إذ يسلك فيه كلّ مسلك، ولا يوجد أحد ممن عرف قبله أكثر شعرًا منه.
كانَ يغنّي شعره فلقب بصَنَّاجة العرب، وقال البغدادي عن الأعشى : كان يفد على الملوك -ولا سيما ملوك فارس- ولذلك كثرت الألفاظ الفارسية في شعره، وقد عاش عمرًا طويلًا ووأدرك الإسلام لكنّه لم يسلم، وقد أطلق عليه اسم الأعشى لضعفِ بصرِه، وقد عمي في أواخر عمره، ولد وتوفّى في قرية (منفوحة) باليمامة قرب مدينة (الرياض) وفيها داره وبها قبره، ومن شعر الأعشى في الغزل:
صادَت فُؤادي بِعَينَي مُغزِلٍ خَذَلَت
:::تَرعى أَغَنَّ غَضيضاً طَرفُهُ خَرِقا
وَبارِدٍ رَتِلٍ عَذبٍ مَذاقَتُهُ
:::كَأَنَّما عُلَّ بِالكافورِ وَاِغتَبَقا
وَجيدِ أَدماءَ لَم تُذعَر فَرائِصُها
:::تَرعى الأَراكَ تَعاطى المَردَ وَالوَرَقا
وَكَفلٍ كَالنَقا مالَت جَوانِبُهُ
:::لَيسَت مِنَ الزُلِّ أَوراكاً وَما اِنتَطَقا
كَأَنَّها دُرَّةٌ زَهراءُ أَخرَجَها
:::غَوّاصُ دارينَ يَخشى دونَها الغَرَقا
المرقش الأكبر
عوف بن سعد بن مالك ابن ضبيعة من بني بكر بن وائل، شاعر جاهليّ ولد باليمن ونشأ بالعراق، ويعدّ من المتيمين الشجعان، كان يًحسن الكتابة، ويعدّ شعره من الطبقة الأولى، وقد ضاع أكثره، ويُذكر أنّه اتّصل مدةً بالحارث أبي شمر الغساني ونادمه ومدحه، فاتخذه الحارث كاتبًا له.
بعضُ المؤرخين مَن يسميه عمرو بن سعد وربيعة بن سعد وهم عمّ المرقش الأصغر، وهذا عم طرفة بن العبد، وفي فترةٍ عشق ابنة عم لهُ اسمها أسماء، وقال فيها شعرًا كثيرُا، ثمّ تزوجت عشيقته أسماء برجل من بني مراد، فمرض المرقش زمنًا، ثم قصدها فمات في حيّها، وممّا قاله المرقش في الغزل:
ورُبَّ أَسِيلةِ الخَدَّيْنَ بِكْرٍ
:::مُنَعَّمَةٍ لها فَرْعٌ وجِيدُ
وذُو أُشْرٍ شَتِيتُ النَّبْتِ عَذْبٌ
:::نَقِيُّ اللَّوْنِ بَرَّاقٌ بَرُودُ
لَهوْتُ بها زَماناً مِن شَبابي
:::وزارَتْها النَّجائِبُ والقَصِيدُ
زهير بن أبي سلمى
زهير بن أبي سلمى هو ربيعة بن رباح المزني و يعود نسبه من قبيلة مزينة ولد في الحاجر عام 520 من أرض نجد التي تقع حول المدينة المنورة، ثمّ ارتحل مع أهله عنها إلى أرض غضفان وكانت نشأتة فيها وبالنسبه إلى أهله له أختان هما: سلمى والخنساء، وسرعان ما توفي والده فعاش يتيم الأب، إلى أن تزوجت أمه من أوس بن حجر الذي عُدّ من أشهر الشعراء في العصر الجاهلي حيث قام بتعليمه أصول الشعر وحفظه أشعاره إلى أن أصبح قادرًا على أن ينظم قصائده ببصمته الخاصة.
أما بالنسبة لزوج أمه فاتخذه خاله بشامة بن الغدير ابنًا له وأورثه المال والأخلاق والشعر بالطبع، ومن خلاله صقلت موهبة زهير كشاعرٍ جاهليٍ، زهير يتقن شعر المدح والذم والرثاء وغيرها إلى جانب بحور الشعر الواسعة، متفوقًا فيها على أساتذته، وممّا قاله زهير بن أبي سلمى في الغزل:
تَنازَعَها المَها شَبَهاً وَدُرُّ الـ
:::نُحورِ وَشاكَهَت فيها الظِباءُ
فَأَمّا ما فُوَيقَ العِقدِ مِنها
:::فَمِن أَدماءَ مَرتَعُها الخَلاءُ
وَأَمّا المُقلَتانِ فَمِن مَهاةٍ
:::وَلِلدُرِّ المَلاحَةُ وَالصَفاءُ
فَصَرِّم حَبلَها إِذ صَرَّمَتهُ
:::وَعادى أَن تُلاقيها العَداءُ