شعر الزهد في عصر الضعف
شعر الزهد في عصر الضعف
خيَّمت على العرب في عصور الضعف حالة من اليأس والإحباط، فقد كانوا أمام أُفول لشمس حضارة الدولة العباسية التي طال شُعاعها البلاد من الصين شرقًا حتى بحر الروم غربًا، وبطريقة شنيعة جدًا، فما كان لمعظم الشعراء إلا اللجوء إلى الله والتضرع إليه على طريقة الأدب الحسي، فكان شعر الزهد ملجأً وملاذًا لهم.
خصائص شعر الزهد في عصر الضعف
تميَّز شعر الزهد في عصر الضعف بعدة خصائص منها النقاط التالية:
- غلبة الطابع الوعظي.
- التمسك الشديد بدين الإسلام.
- اعتماده على التذكير بالآخرة والجنة ويوم الحساب.
- استخدام شعراءه لأسلوبي الترغيب والترهيب بشكل بيّن.
- اعتماد شعراءه على الاقتباس والتضمين من نصوص القرآن والسنة النبوية.
- المراوحة بين استخدام أسلوبي الإقناع العقلي والتأثير العاطفي فيه على المتلقي.
- سهولة اللغة وبساطتها لتصل إلى كل النفوس والعقول لتحقيق الغاية من قول هذا الشعر.
- الإكثار من استخدام البلاغة من صور فنية واستعارات وتشبيهات لتسهيل فهمها وقربها للقارئ.
- الإكثار من استخدام الأدلة والبراهين على وجوب طاعة الله -تعالى-، وترك الملذات وشهوات الدنيا.
أسباب رواج شعر الزهد في عصر الضعف
غلب على الشعب طابع اليأس والإحباط والانشغال بأمور الدنيا عن كل شيء، حتى فيما يخص الحكم والخلفاء فلم يأبهوا بمن يتولى الحكم أو من يُعزل عنه، واشتغلوا بملذاتهم وأهوائهم، وكان لهذا أثر كبير على سير الدولة عامة، فلجأ الشعراء إلى انتهاج الزهد لتوعية الناس والنهضة بالدين، ويمكن تلخيص أسباب رواج شعر الزهد بالنقاط التالية:
- محاولة إعادة إحياء الروح الدينية عند المجتمع المملوكي نتيجة ترَّدي الأخلاق وتدهورها.
- التحصن بالدين خوفًا من الشعراء على أنفسهم بالفتنة.
- التذكير بعقاب الله على إتيان المعاصي.
- التشدد الذي أبداه بعض الخلفاء تجاه الدين وأوامر الله -تعالى- وحدوده.
- ظهور بعض الفقهاء والشيوخ الأئمة في عصور الضعف ومنهم العز بن عبد السلام، الذي كان ذو سلطة كبيرة على السلاطين في ذلك الوقت.
- دعم بعض الخلفاء لشعراء الزهد والتصوف، ذلك لما فيه من انشغال عن الدنيا وملذاتها وهكذا ينعم الخلفاء وحدهم بنعم الدنيا والترف الاقتصادي.
عوامل ساهمت في تطور شعر الزهد في عصر الضعف
شكَّلت النزعة الوجودية عند الشعراء أرضية صلبة لنشوء شعر الزهد وتطوره، وهو تيار روحي تاقت أرواح المجتمع إليه، ومن القضايا التي عالجها شعر التصوف والزهد في عصور الضعف ما يأتي:
- الحقيقة المحمدية والنور المحمدي.
- العشق الإلهي، حيث اعتبرت بعض القصائد قصائد غزل خالصة في حب الإله.
- الفناء والبقاء.
- التجلي.
أبرز شعراء الزهد في عصر الضعف
تعددت أسماء شعراء الزهد والمديح النبوي في تلك العصور ومن أبرز الأسماء التي ظهرت ما يأتي:
- البوصيري
هو محمد بن سعيد بن حماد الديلاصي، نشأ ببوصير، انتقل إلى القاهرة وتفقَّه فيها وتعلَّم علوم اللغة العربية والآداب وعمل في ديوان الإنشاء، ومن أبرز شيوخه أبو الحسن الشاذلي وأبو العباس المرسي، وقد كانت وفاة البوصيري بالإسكندرية عام 659هـ، تميَّز البوصيري في مدحه لرسول الله -عليه الصلاة والسلام- في شعره.
- من أشهر أشعاره في المديح النبوي الأبيات التالية:
كيف ترقى رقيك الأنبياء
- يا سماء ما طاولتها سماء
لم يساووك في علاك وقد
- حال سنًا منك دونهم وسناء
إنما مثلوا صفاتك للناس
- كما مثل النجوم الماء
أنت مصباح كل فضل فما
- تصدر إلا عن ضوئك الأضواء
- له كذلك لاميته المشهورة في مدح الرسول -عليه الصلاة والسلام- ومنها الأبيات التالية:
إلى متى أنت باللذات مشغول
- وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
في كل يوم ترجّي أن تتوب غدًا
- وعقد عزمك بالتسويف محلول
أما يُرى لك فيما سُن من عمل
- يومًا نشاط وعما ساء تنكيل
- له أيضًا قصيدة البردة الشهيرة في مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومنها الأبيات التالية:
أمن تذكر جيران بذي سلم
- مزجت دمعًا جرى من مقلة بدم
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة
- وأومض البرق في الظلماء من إضم
- ابن نباتة
هو جمال الدين محمد بن محمد لابن الحسن، من مواليد القاهرة، انكبَّ على دراسة شعر القاضي الفاضل واتبع طريقته في الشعر، وقصائده في المديح النبوي والزهد، وتعتبر من القصائد المتميزة بحق، ومنها الأبيات التالية:
استغفر الله لا مالي ولا ولدي
- آسى عليه إذا ضم الثرى جسدي
عفت الإقامة في الدنيا لو انشرحت
- حالي فكيف وما حظي سوى النكد
وقد صدئت ولي تحت التراب جلا
- إن التراب لجلاء لكل صدي
لا عار في أدبي إن لم ينل رتبًا
- وإنما العار في دهري وفي بلدي