شعر الزهد في العصر العباسي
مفهوم شعر الزهد
يشير إلى أنّ هذه الجماعة اختصّت لنفسها هذا النّوع الأدبيّ من الشِّعر مبتعدين بذلك عن الأشعار التي يُقبِل عليها عوام النّاس، وما تتّسم به من بذخٍ وذكر المال، والمناصب، مُنصرفين عن الخَلْق بعبادة الخالق، هكذا وقد تحدّث ابن خلدون عنه في مُقدّمته، فقال: "فلمّا فشا الإقبال على الدُّنيا في القرن الثّاني وما بعده، وجَنَح النّاس إلى مخالطة الدُّنيا، اختصّ المُقبِلون على العبادة باسم الصُّوفيّة والمُتصوّفة".
الزهد في العصر العباسي
هو الشعر الذي يدعو إلى الابتعاد عن الحياة الدنيا والانشغال بالآخرة من حيث العبادة والتقرب إلى الله، ويعد الشعر في الزهد شعرًا لا تزييف فيه حيث يُظهر حقيقة الدنيا كما هي، ويظهر الزهد بشكل جلي عند الشاعر أبي العتاهية عندما كان غافلاً في بداية حياته ثمّ التزم بالتصوف والزهد، وأكثر من هذا الغرض في أشعاره، وأصبحت له فلسفته الخاصة في الزهد والابتعاد عن الدنيا.
أشعار الزهد في العصر العباسي
من نماذج أشعار الزهد في العصر العباسي ما يأتي:
- أبو العتاهية:
هو أبو العتاهية هو إسماعيل بن القاسم بن سويد العنزي، أبو إسحاق ولد في عين التمر سنة 130هـ/747م، ومن أشهر نماذج شعره:
رغيف خبز يابس تأكله في زاوية
- وكُوز ماء بارد تشربه من صافية
وغرفة ضيقة نفسك فيها خالية
- أو مسجد بمعزل عن الورى في ناحية
وقد قال أيضاً في أرجوزته التي تعد من بدائعه وهذه القصيدة طويلةً سماها أبو العتاهية ذات الأمثال، يقول فيها:
:حَسبُكَ مِمّا تَبتَغيهِ القوتُ
- ما أَكثَرَ القوتَ لِمَن يَموتُ
:إِن كانَ لا يُغنيكَ ما يَكفيكا
- فَكُلُّ ما في الأَرضِ لا يُغنيكا
:الفَقرُ فيما جاوَزَ الكَفافا
:مَن عَرَفَ اللَهَ رَجا وَخافا
:إِنَّ القَليلِ بِالقَليلِ يَكثُرُ
:إِنَّ الصَفاءَ بِالقَظى لَيَكدُرُ
ويقول أيضًا:
المَرءُ آفَتُهُ هَوى الدُنيا
- وَالمَرءُ يَطغى كُلَّما اِستَغنى
إِنّي رَأَيتُ عَواقِبَ الدُنيا
- فَتَرَكتُ ما أَهوى لِما أَخشى
وَإِذا جَميعُ أُمورِها
- عُقَبٌ بَينَ البَرِيَّةِ قَلَّما تَبقى
وَبَلَوتُ أَكثَرَ أَهلِها فَإِذا
- كُلُّ امرِئٍ في شَأنِهِ يَسعى
وَلَقَد بَلَوتُ فَلَم أَجِد سَبَباً
- بِأَعَزَّ مِن قَنَعٍ وَلا أَعلى .
- أبو النواس
هو أبو نُوَاس أو الحسن بن هانئ الحكمي الميلاد: 756م الوفاة: 814 م، ومن شعر أبي نواس:
إِلَهَنَا، مَا أَعْدلَكْ مَلِيكَ كُلِّ مَا مَلَكْ
- لبَّيْكَ، قَدْ لَبَّيتُ لَكْ لَبَّيكَ، إِنَّ الْحَمْدَ لكْ
وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكْ وَاللَّيلَ لَمَّا أَنْ حَلَكْ
:::وَالسَّابِحَاتُ فِي الْفَلَكْ عَلَى مَجَارِي الْمُنْسَلَكْ
مَا خَابَ عَبْدٌ أَمَّلَكْ أَنْتَ لَهُ حَيْثُ سَلَكْ
:::لَولاكَ يَا رَبِّ هَلَكْ كُلُّ نَبِيٍّ وَمَلَكْ
وَكُلُّ مَنْ أَهَلَّ لَكْ سَبَّحَ أَوْ لَبَّى فَلَكْ
:::يَا مُخْطِئًا مَا أَغْفَلَكْ عَجِّلْ وَبَادِرْ أَجَلَكْ
وَاخْتِمْ بِخَيْرٍ أَجَلَكْ وَالْعِزّ لاَ شَرِيكَ لَكْ
- رابعة العدوية
هي رابعة بنت إسماعيل العدوي ، ولدت في مدينة البصرة، ويرجح مولدها حوالي عام (100هـ / 717م)، واشتهرت بقصيدتها التالية:
راحتي يا أخوتي في خلوتي
:::وحبيبي دائماً في حضرتي
لم أجد لي عن هواه عوضاً
:::وهواه في البرايا محنتي
حيثما كنت أشاهد حسنه
:::فهو محرابي إليه قبلتي
إن أمت وجداً وماثم رضا
:::والعناني في الورى وشقوتي
يا طبيب القلب يا كل المنى
:::جد بوصل منك يشفي مهجتي
يا سروري وحياتي دائماً
:::نشأتي منك وأيضاً نشوتي
قد هجرت الخلق جميعاً ارتجي
:::منك وصلاً فهل أقضي أمنيتي
- الإمام الشافعي
الإمام الشافعي رحمه الله- هو أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ ثالث الأئمة الأربعة وصاحب المذهب الشافعي ومؤسس علم أصول الفقه، وهو أيضاً إمام في علم التفسير وعلم الحديث ولد عام 767م، وتوفي عام 820م، ومن أشهر نماذج شعره:
أُحِبُّ الصَّالِحِينَ ولَسْتُ مِنْهُمْ
:::لعلِّي أَنْ أَنَالَ بِهِمْ شَفَاعَةْ
وأكْرَهُ مَنْ تجَارَتُهُ المعَاصِي
::: ولَوْ كُنَّا سوَاء فِي البِضَاعَةْ
رأيْتُ القنَاعَةَ رَأْسَ الغنَى
::: فصِرتُ بأَذْيَالِهَا مُمْتَسِكْ
فلا ذا يَراني عَلى بَابهِ
:::وَلا ذا يَرَاني بهِ مُنْهمِكْ
فصرتُ غَنِيّاً بِلا دِرْهَم
:::أمرُّ على النَّاسِ شِبهَ الملِكْ
خصائص شعر الزهد
من خصائص شعر الزهد ما يأتي:
- تظهر في شعر الزهد النزعة الدينية المتشددة، والمبالغ فيها.
- يبرز فيه ظاهرتي الاقتباس، والتضمين من نصوص دينية متعدّدة.
- تكثر فيه الأدلة، والبراهين المؤدّية لغرضه الأصلي.
- يستخدم بكثرة أسلوب الإقناع بالحجة، والدليل.
- يظهر أسلوبي الترهيب، والترغيب بشكل مباشر، وواضح.
- يتصف بسهولة اللغة، وببساطة العبارات في الصياغة والتي تصل لحدّ الركاكة.
- يجسّد المعنى من الفكرة المطروحة في القصيدة عن طريق الإكثار من توظيف فنون البديع، من صور بيانية، وتشبيه، واستعارات وغيرها.
- يسرف في استخدام المحسنات البديعيّة خاصّة المحسّنات اللفظية منها.
- تبرز فيه النزعة التأملية، التصوفية.
- يغلب عليه طابع الوعظ، والدعوة إلى الندم على كلّ ما فات.
- يقوم على التذكير بالآخرة وما عند الله من ثواب وعقاب.
- يعتمد على القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة في استنباط أفكاره.
- زاوج بين الإقناع العقلي، والتأثير العاطفي.
- يتميز بسهولة مفرداته، ووضوح معناها، ودلالاتها.