شروط عقد النكاح
أهمية الزواج ومكانته في الإسلام
إنّ للزواج أهميةً عظيمةً في حياة الأمم والشعوب بشكلٍّ عامٍ، وله أهميةً خاصةً وشأناً عظيماً في الإسلام على الخصوص، وقد دلّت على ذلك نصوص الوحيين القرآن الكريم والسنة النبوية، فكان من ذلك؛ قول الله -تعالى- في القرآن الكريم، تدليلاً على أنّ الزواج قاعدة الخلق في الإنسان وفي جميع المخلوقات: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ)، وقال أيضاً في الدلالة على أنّ الزواج آيةً من آيات الله في خلقه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، فبالزواج يتكاثر البشر، وبه تمتدّ حياتهم على الأرض، وبه تكثيرٌ للأمة، وحفظٌ لها من الزوال والإذلال، وهو السبيل الأمثل لإعفاف كلاً من الزوجين عن الوقوع في الحرام، وهو السبيل لاكتمال خصائص الرجولة والأنوثة عند كلا الجنسين؛ الرجال والنساء على حدٍ سواء.
معنى النكاح
النكاح لفظٌ كغيره من الألفاظ التي تزخر بها اللغة العربية، له معنيان، واحدٌ في اللغة، والآخر في الاصطلاح، وفيما يأتي بيان كلا المعنيين:
- النكاح في اللغة: هو اسم، ومصدر للفعل نَكَحَ، وعقد النكاح: هو عقد الزواج ؛ حيث قال الله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ)، ونكاح السرّ: هو الزواج دون إشهارٍ، ومؤونة الزواج؛ من مهرٍ ونفقةٍ، ونكح المرأة: تزوّجها، ونُكحت المرأة: تزوّجت فهي ناكح، وناكحة.
- النكاح في الاصطلاح: عقدٌ يتم بين رجلٍ وامرأةٍ يُقصد به استمتاع كلاً منهما بالآخر، وتكوين أسرةٍ صالحةٍ، ومجتمعٍ سليمٍ.
حكم النكاح
ذهب الفقهاء إلى أنّ النكاح تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة، فقد يكون واجباً، وقد يكون مستحباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو حراماً، وفيما يأتي بيان ذلك:
- الوجوب: يكون النكاح واجباً على الشخص الذي تاقت نفسه إلى النساء، ويخشى على نفسه الوقوع في الزنا ، ويوجد لديه القدرة على الزواج؛ أي أنّ الزواج يُراد منه إحصان النفس، وعفّها عن الوقوع في الحرام.
- الندب: يكون النكاح مندوباً عندما يكون بقصد التناسل؛ أي لمن يقصد بزواجه إيجاد النسل.
- الإباحة: يكون النكاح مباحاً في حقّ الشخص الذي لا تتوق نفسه إلى النساء، ولا يخشى على نفسه الوقوع في الزنا.
- الحُرمة: يكون النكاح حراماُ في حقّ من تأكّد لديه أنّ زواجه يُلحق ضرراً محققاً بزوجه؛ كمن يكون مريضاً بمرض الإيدز.
- الكراهة: يكون النكاح مكروهاً في حقّ من يخشى أن يُلحق ضرراً بزوجه، ونفسه لا تتوق إلى النساء، ولا يخشى على نفسه الوقوع في الزنا، كما يكون مزاجه صعباً، ويُتوقع منه أن يضرب زوجته.
شروط عقد النكاح
عقد الزواج كغيره من العقود في الشريعة الإسلامية ، له عدداً من الشروط التي يتوجّب أن تتوافر فيه حتى يُعتبر سليماً، ومن هذه الشروط التي يجب توافرها في عقد الزواج:
- التراضي؛ يُعتبر عقد الزواج اختيارياً؛ لا يجوز فيه الإكراه، ولا بوجهٍ من الوجوه؛ وذلك لتعلّقه بحياة كلٍّ من الرجل والمرأة، وبمستقبلهما، فعقد الزواج يتوجّب فيه وجود التراضي بين الطرفين.
- وجود الولي؛ اشترط الإسلام في عقد الزواج وجود الولي؛ والد المرأة أو أخوها، أو الأقرب منها، والأصل في اشتراط الولي قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (أيُّما امرأةٍ نكَحَتْ بغيرِ إذنِ وليِّها، فنكاحُها باطِلٌ، فنكاحُها باطِلٌ، فنكاحُها باطِلٌ، فإِنْ دخَلَ بِها فلَها المهرُ بِما استحلَّ مِنْ فرجِها، فإِنِ اشْتَجَرُوا فالسلطانُ ولِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ).
- وجود الشاهدان؛ فلا بدّ لصحة عقد الزواج وجود شاهدين عدلين، يشهدان على عقد الزواج، وفي ذلك حفظاً للحقوق؛ حقوق كلٍّ من الرجل والمرأة، وضبطٌ للعقود.
- المهر؛ اشترط الإسلام لصحة عقد الزواج أن يكون هناك مهرٌ يقدّمه الرجل للمرأة، هديةً لها، حيث قال الله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا).
- الإحصان؛ فقد اشترط الله -تعالى- على المسلم ألّا ينكح إلّا العفيفة المسلمة، أو العفيفة الكتابية، قال الله -تعالى- في القرآن الكريم: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
- الكفاءة بين الزوجين؛ فالكفاءة بين الزوجين من الأمور التي اعتبرها الشارع في صحة عقد الزواج وجعلها أساساً فيه، فمن الأمور التي جعلها الله -تعالى- شرطاً في الكفاءة اتفاق الدين بين الرجل والمرأة، وقد استثنى من ذلك جواز نكاح المسلم من الكتابية، يهودية كانت أو نصرانية.
- الصيغة؛ فقد اشترط بعض الفقهاء وجود الصيغة الدالة على الإيجاب والقبول بين طرفي العقد؛ ويراد بالإيجاب طلب الزوج من المرأة أو وكيلها الزواج، ويُراد بالقبول: رضا الزوجة بصفةٍ تدلّ على ذلك أو العكس.
أدلة مشروعية النكاح
دلّت نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية على مشروعية النكاح، ومن ذلك:
- امتنان الله -تعالى- على عباده، بأن خلق لهم من أنفسهم أزواجاً ليسكنوا إليها، وأن جعل لهم من أزواجهم بنين وحفدة، قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
- حثّ القرآن الكريم على الزواج.
- أخبر الله -تعالى- عباده بأنّ النكاح من سنن المرسلين ، حيث قال الله تعالى: (وَلَقَد أَرسَلنا رُسُلًا مِن قَبلِكَ وَجَعَلنا لَهُم أَزواجًا وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسولٍ أَن يَأتِيَ بِآيَةٍ إِلّا بِإِذنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ).
- من نعيم الله -تعالى- على عباده في جنات النعيم تزويجهم بالحور العين.
- إنكار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على الذين أرادوا أن يترفّعوا عن الزواج واعتزال النساء.