فلسفة الجمال عند كانط
فلسفة الجمال عند كانط
عالج الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط إشكالية الجمال، والحكم الجمالي في كتابه المشهور نقد ملكة الحكم، وقسّم الملكات إلى ثلاثة أقسام وهي كالآتي:
- ملكة المعرفة
وتقع في المرتبة الأولى في تسلسل الملكات، ومن خلالها يتم تحصيل المعارف، وترتيبها، وتصنيفها، والقوة التي يؤديها، تُدعى قوة الفهم وتعمل في حقل الطبيعة وتستند إلى مبدأ التوافق مع القانون، وفصّل في هذه الملكة في كتاب نقد العقل المحض.
- ملكة الشعور باللذة والألم
وتقوم على قوة الحكم، وتعتمد على مبدأ الغرضية، أما مجال فاعليتها فهو الفن والجماليات، وتفرّغ كانط لشرح هذه الملكة في كتاب نقد ملكة الحكم.
- ملكة الرغبة
وتقوم على قوة العقل، والمجال التي تُمارس فاعليتها فيه هو الأخلاق، أما المبدأ الذي تستند إليه فهو مبدأ الإلزام والواجب الأخلاقي، وفصّل كانط في هذه الملكة في كتابه تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق.
تناول كانط إشكالية الجمال في مقالة أخرى عام 1764م، عنوانها ملاحظات حول الشعور بالجميل والسامي، أما لفظ الإستطيقا فذكره كانط في نقد العقل المحض، للإشارة إلى النقد المتعالي، ورغم أن الكلمة ذات أصل يوناني "Aesthetics" يُقصد بها ما يُدرك بالحس، واقتصر بحث كانط على اكتشاف الأسس القبلية التي تؤسّس لما يتم استقباله عن طريق الحواس.
أما إعادة استخدامه لهذا المصطلح فكانت في نقد ملكة الحكم، فرمى من خلالها إلى البحث النظري في الآثار النفسية للشعور بما هو جميل، ودراسة الأحكام التقديرية المتعلقة بشؤون الجمال، كمحاولة للتركيب أو التوليف بين العقل والفهم، ورأى كانط أنّ عالم الفن الجميل يقع في المنتصف بين العالم الحسي والعقلي، أي بين العقل العملي والعقل النظري، أو الملكة الوسط بين ملَكتي المعرفة والرغبة.
البحث الكانطي في المبادئ القبلية للجمال
يُعد كانط من مؤسسي علم الجمال في صيغته الكلاسيكسة والعلمية، وحلّل الجميل بدقة، بالإضافة إلى تحديد ماهية الفن، وعمل على تصنيف الفنون، وفي أحد كتبه كتب رسالة إلى صديقه يقول فيها أنه منشغل بنقد الأذواق الفنية، واكتشاف ما هو قبلي فالمبادئ القبْلية في الجمال تختلف عن المبادئ القبلية التي ذكرتها سابقًا، أما التقسيم الكانطي لملكة الحكم، فهو كالآتي:
- ملكة الحكم المحددة
وتُعنى بتحديد المفاهيم من خلال ما هو معطى.
- ملكة الحكم التأملية
وهي ملكة تختص ببلورة تمثل، وما يميزها أنها لا تستند إلى مفهوم معين، والملكة التأملية عند كانط هي التي تعني الجمال في رأيه.
أما تعريف كانط لما هو جميل، فينطلق من مجموعة من اللحظات، وهي كالآتي:
- اللحظة الأولى
وفيها تمثُّل ملكة الحكم لموضوع معين يثير فيها لذة معينة، لكن شرط هذه اللذة هو ألا يصاحبها منفعة أو مصلحة.
- اللحظة الثانية
وفيها يتمثل الجميل بمعزل عن المفاهيم أي بوصفه موضوعًا كليًا للذة، فهو من اختصاص ملكة الشعور باللذة، فقط، أي دون للجوء إلى ملكة الفهم، ويشترط كانط أن يكون جماعيًا، مع التأكيد على ذاتية اللذة.
- اللحظة الثالثة
وفيها يتجرد الجميل من الإدراك الحسي، أو الموضوع التجريبي، وبهذا يكون الجمال تجرد من ثلاثة أشياء، وهي المصلحة، والفهم، والتجربة.
المفاهيم المرتبطة بالجمال عند كانط
ميّز كانط بين مفاهيم علم الجمال، ومن أهم المفاهيم ذات الصلة بهذا الحق هو مفهوم الجليل، ويفرق كانط بينهما من خلال الاتجاه، فقال أن الجليل يتجه نحو الأخلاق، ولا يمكن إدراكه من دون ذكر الفعل الأخلاقي، في حين أنّ الجمال يتجه نحو التصور والتحرر به، ومن هنا يعود كانط ليؤكد على أنّ ملكة الحكم ترتبط بالملكتين الآخرتين، إلا أنّ القاسم المشترك بينهما هو أن كلاهما لا يوجد في الطبيعة، بل في تصورات الإنسان.
أما المفهوم الآخر، فهو مفهوم الذوق، وقال كانط إنه مقولة جمالية، وعلى الرغم من أنّ كانط لم يُعنَ بدراسة الذوق أو الذائقة الفنية بقدْر ما اهتم بجدل هذه الذائقة، فالذوق عنده ذاتي، وموضعي في نفس الوقت، وحاول كانط حل الصراع الذي دار بين الفلاسفة حول إشكالية الذوق، وانتهى إلى تعريفه على أنّه ملكة تأملية في الحكم الجمالي أي أنه اتخذ موقفًا وسطًا.
لم يُنكر كانط أنّ لكل شخص ذائقة خاصة به، كما أنّه أكّد على ضرورة وجود قواعد جمالية متفق عليها،وآخر ما تضمنته فلسفة كانط في الجمال هو سعيه لتأسيس ميتافيزيقا تختلف عن اللاهوت، وربطها بالطبيعية والبيولوجيا.