شروط صحة صلاة الجمعة
شروط صحة صلاة الجمعة
حضور وقت صلاة الجمعة
وقت صلاة الجمعة هو ذاتُ وقت صلاة الظّهر، وبالرّغم من أنّ جمهور الفقهاء ذهبوا إلى عدم جواز أداء صلاة الجمعة قبل حلول وقتها، إلا إنّ للحنابلة رأيٌ مختلف، وتفصيل المسألة على النحو الآتي:
- جمهور الفقهاء
ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى عدم جواز أداء صلاة الجمعة قبل الزوال، واستدلوا على رأيهم بما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُصلِّي بنا الجمُعةَ حين تَميلُ الشَّمسُ).
كما واستدلّوا على ذلك بمواظبة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، و الخلفاء الراشدين ومن تبعهم على أداء صلاة الجمعة بعد زوال الشمس؛ أي في وقت صلاة الظهر.
- الحنابلة
ذهب الحنابلة إلى جواز أداء صلاة الجمعة قبل الزوال، لكن فعلها بعده أفضل خروجاً من الخلاف وللحديث المتقدم الذي استدل به الجمهور، وقد استدلوا بما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عندما سُئل: (مَتَى كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الجُمُعَةَ؟ قالَ: كانَ يُصَلِّي، ثُمَّ نَذْهَبُ إلى جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا)، وقالوا إنّ صلاة بعض الصحابة لها قبل الزوال وعدم الإنكار عليهم يعتبر كالإجماع.
وينتهي وقت صلاة الجمعة بنفس نهاية وقت صلاة الظهر، وقد اتفق الفقهاء على ذلك، لأن صلاة الجمعة هي صلاة بديلة عن صلاة الظهر فتلحق بها، وتقع مكانها، وتأخذ نهاية وقتها.
تحقق شروط البلد الذي تؤدّى فيه صلاة الجمعة
للفقهاء تفصيل في مسألة الشروط الواجب توفّرها في البلد الذي تؤدّى فيه صلاة الجمعة، وهل يجب أن يكون مِصراً أم لا؟ وبيان المسألة وآراء العلماء فيها كما يأتي:
- الحنفية
ذهب الحنفية إلى اشتراط أن يكون البلد الذي يجب أن تقام فيه صلاة الجمعة مصراً جامعاً، والمصر هو ما كان أكبر مسجد فيه لا يسع أهله الذين تجب عليهم الصلاة، وحتى لو لم يحضروا إليها، وبهذا التعريف تصحّ الصلاة في المصر وفي القرية لأن بعض القرى لا يوجد فيها مسجد يتسع لجميع أهلها.
وهذا ما أخذ به معظم الحنفية، وقال بعضهم: إنّ المصر هو كل مكان له أمير وقاضي يستطيع أن يقيم أكثر الحدود، وعلى هذا التعريف قد يكون هناك مناطق أو قرى لا ينطبق عليها هذا الشرط وبالتالي عليهم أن يؤدّوا الجمعة في مكانٍ ينطبق عليه الشرط الآنف الذكر.
- جمهور الفقهاء
ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم اشتراط أن يكون البلد الذي يجب أن تقام فيه صلاة الجمعة مصراً جامعاً، وذهب المالكية إلى صحة صلاة الجمعة في القرى، وفي المناطق التي تكون بيوتها قديمة، بشرط أن يكون أهل هذه المناطق مستوطنين فيها وآمنين لا يخافون على أنفسهم من الطوارئ التي ممكن أن تطرأ عليهم، ويعتبر هذا الشرط شرط صحة ووجوب عندهم.
وذهب الشافعية إلى أنها تقام في أي مكانٍ تجتمع فيه الأبنية أو في القرى، واعتبروا كل بناء يجتمع فيه العدد المعتبر لصلاة الجمعة تصح صلاتهم فيه حتى لو كان مبنياً من العسف أو القصب، مع اشتراط أن تكون هذه الأبنية مجتمعة عرفاً، وعلى ذلك فهي لا تجب على أهل الخيام إلّا إذا سمعوا الأذان أو كانت خيامهم مقامة بين الأبنية.
وذهب الحنابلة إلى أنها تقام في كل قرية تكون مجتمعة البناء بما جرت العادة به، ويفضّل أن يسكنها أربعون حتى تقام الجماعة بهم، ولا تجب على أهل الخيام لأنهم غير مستوطنين، ولأنّ خيامهم لا تعتبر بناءً.
وجود العدد المعتبر الذي تنعقد به صلاة الجمعة
اتّفق الفقهاء على أن وجود الجماعة شرط لصحة صلاة الجمعة، لكنّ آرائهم تباينت في العدد الذي يشكل الجماعة التي تقام بها الجمعة، وخلاصة القول في المسألة فيما يأتي:
- الحنفية
ذهبوا إلى اشتراط وجود ثلاثة أشخاص على الأقل غير الإمام حتى تقام صلاة الجمعة، حتى لو كان هؤلاء الثلاثة مسافرين أو مرضى، ولأنّ كلمة جمعة مشتقة من الجماعة، وقد استدلوا على رأيهم بقوله -تعالى-: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّـهِ).
- المالكية
ذهبوا إلى اشتراط وجود اثنا عشر شخصاً على الأقل غير الإمام حتى تقام بهم صلاة الجمعة، وقالوا بوجوب حضورها من جميع أهل البلد، واشترطوا بالإثنا عشر رجلاً أن يبقوا مع الإمام من بداية الخطبتين حتى يصلي ويسلم، وأن يكونوا من نفس أهل البلد.
- الشافعية والحنابلة
ذهبوا إلى اشتراط وجود أربعين شخصاً على الأقل غير الإمام حتى تقام بهم صلاة الجمعة، واستدل الشافعية على ذلك بأن العدد أربعين فيه الكمال، بدليل أن الأنبياء بعثوا بهذا العمر، وهو زمن ميقات سيدنا موسى عليه السلام ، والجمعة هي الميقات للمسلمين فيكون لها نفس العدد، ولأن أول جمعة صُلِّيَت في المدينة المنورة اجتمع لها أربعون رجلاً، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي).
وهو لم يصليها بأقل من هذا العدد، وقد اشترط الحنابلة أن لا ينقص هذا العدد أثناء صلاتهم، وإذا نقص فيكمولها ظهراً؛ لأن شرط العدد يجب أن يتحقق من أول الصلاة إلى آخرها كالطهارة.
خطبة صلاة الجمعة
يُخطب لصلاة الجمعة خطبتان قبل أداء الصلاة، وقد اتفق الفقهاء على أنّها شرط من شروط الجمعة ولا تصحّ بدونها الصلاة.
صلاة الجمعة
يعتبر يوم الجمعة من أفضل الأيام؛ ففيه صلاة الجمعة وهي من أفضل الصلوات التي فرضها الله -تعالى-، حيث قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).
وفي فضلها يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّلَاةُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُنَّ، ما لَمْ تُغْشَ الكَبَائِرُ)، وقد جعلها الله -تعالى- فرض عين على كل رجل عاقل مسلم حرّ قادر مقيم؛ فهي بذلك لا تجب على المرأة ، ولا على الصغير ولا على العبد، ولا على من فقد عقله كالمجنون، ولا على المريض غير القادر.
كما لا تجب على المسافر إلّا إذا نزل المسافر في بلد وكانت الصلاة قائمة فيصلي معهم؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يصليها في السفر، وتجدر الإشارة إلى أنّ الصلاة تُقبل ممن لم تجب عليه الجمعة وصلّاها، وتُجزؤه عن صلاة الظهر، والأدلة التي استدلّ بها الفقهاء على وجوب صلاة الجمعة كثيرة، ومنها ما يأتي:
- القرآن الكريم: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ).
- السنة النبوية: روى عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الجُمُعَةِ: لقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقَ علَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ).
حكم تعدد الجُمع
تناول أهل العلم قديماً وحديثاً حكم تعدد الجُمع لغير حاجة على أقوال، وبيان ذلك فيما يأتي:
- القول الأول
قالوا بعدم جواز تعدد الجمع لغير حاجة، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، من الشافعية، والمالكية، والحنابلة، وقال الشافعية: إذا أقيم أكثر من صلاة جمعة لغير حاجة فتصح الجمعة التي سبقت في تكبيرة الإحرام ، وذهب المالكية إلى أن الصلاة تصح في المسجد الذي أقيمت فيه أول جمعة بالبلد.
وإذا احتاج أهل المنطقة إلى بناء مسجد جديد تصح الصلاة فيه، لكن بشروط، وذهب الحنابلة إلى أنّ الجمعة التي تصح هي التي أذن بإقامتها ولي الأمر، وإن لم يأذن أو أذِنَ لغير حاجةٍ؛ فتصحّ الجمعة التي سبقت إقامتها.
- القول الثاني
قالوا بأنه يجوز تعدد الجمع حتى لو كان لغير حاجة، وهذا ما ذهب إليه الحنفية، واشترطوا لها شرطان لم يشترطهما غيرهم من الأئمة هما: أن يكون الأمير أو نائبه مثل وزارة الأوقاف التي تعين الإمام هي المسؤولة عن إمامة الجمعة وخطبتها بهدف تنظيم المسألة، وأن يكون هناك إذن عام من الحاكم أو الجهة المسؤولة بأن تفتح المساجد أبوابها للمصلين الذين يأتون إليها.
كيفية صلاة الجمعة
طريقة صلاة الجمعة ركعتان، يصليهما المسلم ويقرأ فيهما جهراً، وهذا بإجماع أهل العلم، ويُسَّن أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بسورة الجمعة، أو سورة الأعلى، وأن يقرأ في الركعة الثانية بعد الفاتحة بسورة المنافقون أو سورة الغاشية، ويجوز له أن يقرأ بغير هذه السور، وبعد إتمامه الركعتين يُسلِّم.