شروط الخلافة
الخلافة
تُعرّف الخلافة بأنّها حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي، في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة لها، فهي خلافةٌ عن صاحب الشرع، في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وقد تعدّدت طرق توليّ الخليفة منصبه، فالطريقة الأولى تكون بالاختيار والانتخاب، ومثال ذلك: خلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، حيث تولّى الأمر باختيار أهل الحل والعقد له، ثمّ إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- على ذلك، وكذلك تولّى عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وأمّا الطريقة الثانية فتكون بولاية العهد من الخليفة السابق، كما عهد أبو بكر الصديق لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، بالخلافة من بعده، والطريقة الأخيرة تكون بالقوة والغلبة، حيث يتم تولّي الأمر بالسيف وغلبة السلطان، كما فعل بعض الخلفاء الأمويين، والعباسيين ، وتجدر الإشارة إلى أنّ تولي الخلافة بالقوة والغلبة أمرٌ مخالفٌ للشريعة، ولكن إن تولّى الإمام الحكم بالقوة والغلبة، واستقرّ له الأمر، وحكم بشرع الله تعالى؛ وجب على المسلمين طاعته، ويرجع السبب في ذلك، لعظم المصلحة المترتبة على وجود من يحكم الأمة، وعظم المفسدة المترتبة على نزع الأمن من البلاد.
شروط الخلافة
إنّ الخلافة من أعظم المناصب الدينية في الإسلام ؛ إذ إنّ الخليفة يحلّ مكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في سياسة الدنيا، بما يوافق الشريعة الإسلامية، ولعظم تلك المهمة كثرت الشروط التي يجب توفرها في القائم بتلك المهمة، وقد أجمع العلماء على جزءٍ منها، واختلفوا في بعضها، وفيما يأتي بيان تلك الشروط:
- الإسلام: إذ لا يجوز أن يتولّى أمر المسلمين كافرٌ، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلً)، والخلافة أعظم السبيل، ولذلك هي أولى بعدم الجواز.
- الذكورة: حيث إنّ أمر الخلافة يترتب عليه الكثير من الخطورة، والصعوبة، والأعباء العظيمة، ومن المعروف أنّ طبيعة المرأة الرقة والأنوثة، ممّا يتنافى مع طبيعة المنصب، فلذلك اقتضت حكمة الشرع عدم تولية النساء أمر المسلمين؛ رحمةً بهن، وصوناً لذلك المنصب، وحفظاً له من الضياع، في حال تولاه من ليس بأهلٍ له، مصداقاً لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لن يُفلحَ قومٌ ولَّوا أمرَهم امرأةً)، فلذلك لا تصحّ إمارة النساء، بل يجب أن يكون الأمير رجلاً .
- التكليف: يجب توفّر العقل والبلوغ لتولّي الأمر، حيث لا تصحّ إمارة الصبي، ولا المجنون؛ لأنّهما غير مكلفان، بالإضافة إلى أنّهما في ولاية غيرهما، فكيف يوليان على المسلمين.
- الحرية: فلا يجوز توليه من فيه رقٌ؛ لأنّه مشغولٌ بخدمة سيده، ولا يملك من أمره شيئاً.
- الكفاية: حيث يجب أن يتوفّر في من سيقود الأمة من النجدة، والجرأة، والشجاعة، ما يؤهله لقيادة الجيوش في الحروب، وحسن الإدارة السياسية، والدفاع عن الأمة، ويصحّ أن يستعين بأهل الكفاية في ذلك.
- العدالة والاجتهاد: وقد اختلف العلماء في ذلك الشرط، حيث يرى الجمهور بأنّ العدالة والاجتهاد شرطٌ لصحة تولي الخلافة، ويرون عدم جواز تولي الفاسق، أو المقلد، إلّا في حال فقدان العدل المجتهد، وقد تبنّى ذلك الرأي كلاً من الشافعية ، والحنابلة، والمالكية ، بينما خالفهم الأحناف ، حيث قالوا بأنّ العدالة والاجتهاد شرط أولويةٍ، فقالوا بجواز تولّي الفاسق، حتى وإن توفّر العدل المجتهد، ولكنّ الأولى والأفضل تقديم العدل المجتهد.
- النسب: اختلف العلماء في ذلك الشرط أيضاً، فقد ذهب الجمهور إلى أنّ النسب شرط صحةٍ لتولّي الخلافة، فيجب أن يكون الخليفة من قريش ، مصداقاً لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (الأئمةُ من قريشٍ، ولهم عليكم حقٌّ، ولكم مثلُ ذلك، ما إن استُرحِموا رحِموا، وإن استُحكِموا عدَلوا، وإن عاهدوا وفُوا، فمن لم يفعلْ ذلك منهم فعليه لعنةُ اللهِ، والملائكةِ، والناسِ أجمعِينَ، لا يُقبَلُ منه صرفٌ، ولا عدلٌ)، وقد نقل الماوردي الإجماع على ذلك الشرط، وأمّا الفريق الآخر من العلماء فقالوا بعدم اشتراط النسب، واستدلوا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ولو كانَ سالمٌ مَولَى أبي حُذَيفةَ حَيّاً لاستخلفتُهُ )، ولكن ذلك الأثر لم يصحّ، وقد ضعّفه أهل العلم، ومن الجدير بالذكر أنّه لا يشترط حصر الخلافة في الهاشمين ، أو العلويين، إذ لم يكن الخلفاء الثلاثة الأوائل من بني هاشم، ولم يعترض عليهم أحدٌ من الصحابة رضي الله عنهم.
- سلامة السمع والبصر، واليدين، والرجلين: وقد اختلف العلماء في ذلك، حيث يرى الجمهور أنّ السلامة من العيوب شرطٌ لتولّي الخلافة؛ لأنّها تمنع من القيام بمصالح المسلمين على أكمل وجهٍ، وخالفهم فريقٌ من العلماء، ولم يعتبروا ذلك الشرط؛ لعدم توفر دليلٍ من الكتاب، ولا من السنة النبوية ، ولا من الإجماع عليه.
واجبات الخليفة
يقع على عاتق الخليفة القيام بعددٍ من الواجبات ، وفيما يأتي بيان بعضها:
- حفظ الدين على أصوله المستقرّة، وهو ما أجمع عليه السلف ، حيث يجب تبيين الحجّة والصواب لكلّ مبتدعٍ، أو صاحب شبهةٍ.
- تطبيق أحكام الشريعة في حلّ الخصومات، بحيث يسود العدل والإنصاف، فلا يتعدّى ظالمٌ، ولا يضعف مظلومٌ.
- حماية الأراضي الإسلامية من أيّ اعتداءٍ، وتحصينها بالعدّة المانعة، والقوة الدافعة، حتى لا يتمكّن أعداء الأمة من احتلالها، وانتهاك الحرمات، وسفك دماء المسلمين، أو المعاهدين.
- جمع الصدقات والفيء، على الوجه الذي أوجبه الله تعالى، من غير خوفٍ ولا تعسّفٍ.
- الاختيار الصحيح للرجال الأمناء أصحاب الرأي والنصيحة، وتكليفهم القيام بأعمال الدولة ، حتى يقوموا بوظائفهم بكلّ كفاءةٍ وأمانةٍ .
- الحفاظ على المال العام، وصرف العطايا من غير إسرافٍ ولا بخلٍ، ودفعها في الوقت المناسب.
- حفظ حقوق العباد من الضياع، وحماية محارم الله -تعالى- من الانتهاك، من خلال إقامة الحدود.
- القيام بأمر الدعوة إلى الله تعالى، وجهاد كلّ من يقف في طريق وصول الإسلام إلى الناس.