شروط الحب في الله
شروط الحبّ في الله
يُعتبر الإيمان والحب في الله والبُغض فيه وجهان مرتبطان ببعضهما، بحيث لا يتحقّق أحدهما إلا عندما يتحقّق الآخر، لذلك ينبغي لمن يُريد أن يكون من أهل المحبّة في الله -تعالى- أن يَعلم أُسُسها وقواعدها وعلاماتها ولوازمها، حتى يحرص على تطبيقها، بحيث تكون منهجاً له يتبعه المسلم في حياته، بعيداً عن الهوى وحُب النفس، وعن المصالح الدنيوية، والأهواء الشخصية، وسيتم فيما يأتي توضيح شروط المحبة في الله -تعالى-:
- إخلاص الحب لله: فالإخلاص رباطٌ وثيقٌ يقوم عليه الحبّ في المجتمع المسلم؛ لأنَّ ذلك من شأنه أن يُجَنِّب المصالح الشخصية في العلاقات، ويطرد النفاق والرياء ، وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (أنَّ رَجُلًا زارَ أخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فأرْصَدَ اللَّهُ له، علَى مَدْرَجَتِهِ، مَلَكًا فَلَمَّا أتَى عليه، قالَ: أيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ: أُرِيدُ أخًا لي في هذِه القَرْيَةِ، قالَ: هلْ لكَ عليه مِن نِعْمَةٍ تَرُبُّها؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ: فإنِّي رَسولُ اللهِ إلَيْكَ، بأنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّكَ كما أحْبَبْتَهُ فِيهِ)، فوضَّح الحديث الشريف أنَّ عِظَم المحبة لأنّها خالصة لله -تعالى- بعيداً عن المصالح الشخصية، كون أنّ الرجل ذهب لأخيه دون مصلحة له عنده.
- الالتزام في الحب بمنهج الإسلام: يعتبر الالتزام بمنهج الإسلام واتّباع القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة من الشروط التي ينبغي توفّرها عند المحبة في الله، بمعنى أن يُحبّ الشخص الآخرين على ما هم عليه دون إفراطٍ ولا تفريطٍ، فلا يجعل الأنبياء آلهة ويُقَدّسهم، ولا يجعل أحد الصالحين نبيّاً وهو ليس كذلك، وقد ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث السبعة الذين يُضلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه: (ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه)، أي أحبّ كل منهما الآخر محبّةً حقيقيّة، بحيث اشتركا في جنس المحبة الدينيّة وتفرّقا عليها.
- التناصح بين المتحابّين في الله: فالنصيحة هي دعاء الآخرين لِما فيه صلاحهم، ونهيهم عمّا يُفسدهم، وقيل إنَّ النُصح يعني خلوّ العمل من شوائب الفساد، فالنصيحة لا تُشكل شرطاً من شروط الحب في الله فقط، وإنما تعتبر من واجبات وحقوق المتحابّين في الله، وهي واجبةٌ على كل مسلمٍ لأخيه المسلم، قال -تعالى-: (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، وقد وردت أحاديث نبويَّة عديدة تُبيّن وجوب التناصح بين المسلمين، منها قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ).
- التعاون والتكافل بين المتحابّين في الله: يُشكّل التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع المسلم بشكلٍ عام لبنةً أساسيةً في بناء المجتمع المسلم، ولا سيّما بين المتحابّين في الله -تعالى-، وقد حثَّ الله -تعالى على التعاون في قوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وتحقيق البرّ اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبّ الله ويرضى من الأقوال والأعمال، والتقوى اسمٌ جامعٌ لترك ما نهى الله -تعالى- عنه، والقيام بما أمر الله به من قولٍ أو عملٍ، والتعاون على ذلك، وقد نُقِلَت عدّة أحاديثٍ نبويَّة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تحثّ على التكافل والتعاون، منها قوله: (تَرَى المُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والحُمَّى).
- الصلاح والتقوى بين المتحابّين: يعتبر من شروط المحبة في الله -تعالى- أن يكون المتحابّين من أولياء الله ؛ بمعنى أن يتحلّوا بالصلاح والتقوى.
- المحبّة لله وحده: يعتبر إفراد الله -تعالى- في الغاية والهدف من المحبّة في الله شرطاً مهماً، فلا يُقبَل من المسلم أن يُشرِك معه أهداف أو غايات دنيوية أو عاطفية في الحب في الله.
- محبة الخير للآخرين: ينبغي للمتحابّين في الله أن يحبّو الخير لبعضهم، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ).
- الالتزام بأداء حقوق المسلمين بين المتحابّين: فهي مما يُعين على زيادة الصّلة والتوادّ بين الناس، ومن هذه الحقوق: ردّ السلام، وقبول الدعوة، وتشميت العاطس، وعيادة المريض، واتّباع الجنائز، والتبسّم في وجه من يحبّه في الله، وصفاء السريرة تجاهه، ولين الجانب معه، وإعانته على فعل الخير وترك الشر، ومنعه من الظلم والعدوان، وتحذيره من اقتراف المعاصي والمنكرات، والدعاء له بظهر الغيب، وعدم غيبته ، والتماس العذر له، والذبّ عن عرضه، وحفظ سرّه، وإسداء النّصح له، وعدم ترويعه أو إيذائه بأيّ نوعٍ من أنواع الأذى، وتقديم الهدية المفيدة له، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (حَقُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ سِتٌّ قيلَ: ما هُنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: إذا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاكَ فأجِبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له، وإذا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ).
أسباب الحبّ في الله
يميل الإنسان أحياناً إلى حُب شخصٍ ما دون سببٍ ماديّ أو شكليّ، وهذا التوافق والتآلف له أسباب يعجز البشر عن تفسيرها، وهذا ما ذهب إليه الغزالي في الإحياء، وما فسّره حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الأرْواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَما تَعارَفَ مِنْها ائْتَلَفَ، وما تَناكَرَ مِنْها اخْتَلَفَ)، والحب في الله هو ثمرةٌ من ثمرات حب الله -تعالى-، لذلك نجد العابدين المتّقين لربهم يحبّون العابدين وكل من فيه صفةٍ من صفاتهم، وما يُميز هذا الحب أنَّه غير مشروطٍ بنيل شيءٍ من حظوظ الدنيا، وكلما زاد هذا الحب وصل إلى النُّصرة والموالاة والدّفاع عنه بالمال والنفس حتى لو كان هذا الشخص متوفّياً، كحبّنا للرسول -صلى الله عليه وسلم- والأنبياء الآخرين، وحب الصحابة، والتابعين، والعلماء، والصالحين ، والمحبة في الله هي فضلٌ وَعَد الله -تعالى- به عباده الصالحين، فقال -سبحانه-: (إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجعَلُ لَهُمُ الرَّحمـنُ وُدًّا).
وقد أخبر الله -تعالى- في الآية الكريمة السابقة أنَّه جعل لعباده الصالحين الذين يقومون بالأعمال التي جاءت بها الشريعة الإسلامية القَبول في الأرض، وهو ما أكّدته العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ إذا أحَبَّ عَبْدًا دَعا جِبْرِيلَ فقالَ: إنِّي أُحِبُّ فُلانًا فأحِبَّهُ، قالَ: فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي في السَّماءِ فيَقولُ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّماءِ، قالَ ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ)، وفي المقابل إذا أبغض الله -تعالى- عبداً بغَّضَه في خَلقه، فهو سبحانه من يؤلّف بين القلوب المتشابهة، ومن ذلك قوله -تعالى-: (وَأَلَّفَ بَينَ قُلوبِهِم)، وكلّما زاد الإيمان زادت المحبّة، وكلما نقص الإيمان نقصت هذه المحبّة، وسيتم فيما يأتي ذكر عددٍ من أسباب الحُب في الله، وهي:
- حب الله وحب رسوله وكتابه: إنّ حِرْص المسلم على حب الله -تعالى- وحب كلامه في كتابه الكريم، وحب دين الإسلام واتّباع سيّد الأنام، ودراسة سيرته، والتحلّي بأخلاقه ومعاملته لأصحابه، كل ذلك يورث للمسلم المحبّة.
- معرفة أجر وفضل الحب في الله: حيث إنّ معرفة المسلم لأجر وفضل الحب في الله -تعالى- يجعله يحرص على تحقيق هذه المحبّة الصادقة، وتربية نفسه وقلبه على ذلك، وتقديم هذه المحبة للمؤمنين.
- سلامة الصدور: فسلامة صدر المسلم من الأمور التي تجعل قلبه لا يحمل كرهاً لأحد، قال -تعالى-: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، وقد بشّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحدهم بالجنة لأنَّه كان يتحلّى بسلامة الصدر، فقد ثبت عن أحد الصحابة -رضي الله عنه- أنّه قال: (سَمِعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يقولُ لكَ ثلاثَ مِرارٍ: يَطلُعُ عليكم الآنَ رَجُلٌ من أهْلِ الجَنَّةِ فطَلَعتَ أنتَ الثلاثَ مِرارٍ، فأرَدْتُ أنْ آويَ إليكَ لِأنظُرَ ما عَمَلُكَ، فأقتَديَ به، فلم أرَكَ تَعمَلُ كثيرَ عَمَلٍ، فما الذي بَلَغَ بكَ ما قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فقال: ما هو إلَّا ما رَأيتَ. قال: فلمَّا وَلَّيتُ دَعاني، فقال: ما هو إلَّا ما رَأيتَ، غيرَ أنِّي لا أجِدُ في نَفْسي لِأحَدٍ من المسلمينَ غِشًّا، ولا أحسُدُ أحَدًا على خَيْرٍ أعطاهُ اللهُ إيَّاهُ. فقال عبدُ اللهِ: هذه التي بَلَغَتْ بكَ).
- التواضع وعدم التكبّر: فتحلّي المسلم بخُلُق التواضع يجعله يقارن عيوبه مع عيوب الناس، فلا يتكبّر عليهم ويحبّهم، أما التكبر فهو داءٌ يجعل صاحبه يرى نفسه أفضل من الناس، فيورث ذلك عدم محبّتهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ أوحى إليَّ أن تواضعوا حتَّى لا يفخرَ أحدٌ علَى أحدٍ).
فضل الحبّ في الله
وعد الله -تعالى- عباده المؤمنين بأن يجعل لهم محبّةً في قلوب عباده الصالحين وأوليائه المتّقين، وقد منَّ الله -تعالى- على عباده بأنْ ألَّف بين قلوبهم، وقد ذكر الله -تعالى- الصحابة الكرام مادحاً إيّاهم في قوله -سبحانه-: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)، ومدَح الأنصار في حبهم للمهاجرين في قوله تعالى-: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ)، وقد بشّر الله -تعالى- عباده المتحابّين فيه بأنَّه سيزيدهم طهارةً وحباً يوم القيامة في وقتٍ يكون فيه المتحابّون لأسبابٍ غير الله -تعالى- في عداوةٍ وبغضاءٍ، كما في قوله -تعالى-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)، وقد جاءت السنة النبوية تُبشّر المتحابّين في الله بما تقرّ به أعينهم من محبّة ربّهم لهم، وأنهم على منابر من نورٍ يوم القيامة، يأتون آمنون لا يخافون ولا يحزنون، ويكونون بصحبة من يحبّون، وقد رَغّبَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحبّ في الله في كثيرٍ من الأحاديث النبوية الشريفة، وبيّن فضل ذلك، ومنها ما يأتي:
- بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الحب في الله سببٌ لاستظلال العبد في ظلّ الله -تعالى- يوم لا ظلّ إلا ظلّه، وهو في يومٍ شديد الحرارة، والشمس مقتربة من الناس، فذات يومٍ تحدّث رسول الله وهو يخطب بالناس عن عبادٍ ليسوا بأنبياءٍ ولا رسل ولا شهداء، ويغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بسبب محبّة الله لهم وقربهم الشديد منه، فجثا رجلٌ من الأعراب على ركبته من تعجّبه مما سمع، وسأل رسول الله عنهم، وطلب منه أن يصفهم، فتبسّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: (هم ناسٌ من أفناءِ النَّاسِ، ونوازعِ القبائلِ لم تصِلْ بينهم أرحامٌ مُتقارِبةٌ، تحابُّوا في اللهِ وتصافَوْا، يضعُ اللهُ يومَ القيامةِ منابرَ من نورٍ فيجلِسون عليها، فيجعلُ وجوهَهم نورًا، وثيابَهم نورًا، يفزَعُ النَّاسُ يومَ القيامةِ ولا يفزعون، وهم أولياءُ اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون).
- بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الحب في الله سببٌ لاستشعار حلاوة الإيمان ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فيهِ؛ وجدَ بِهنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ وطَعْمَهُ: أنْ يَكُونَ اللهُ عزَّ وجلَّ ورسولُهُ أحبَّ إليهِ مِمَّا سِوَاهُما، وأنْ يُحِبَّ في اللهِ ويُبْغِضَ في اللهِ).
- بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ المرء يُحشر مع من أحب، وكانت هذه بشرى فرح بها الصحابة الكرام ، لأنَّ حبيبهم كان محمداً -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك صحابته الكرام -رضوان الله عليهم-، وفي الحديث بُشرى عظيمة لمن أحبّ الله ورسوله وأحبّ صحابته وعباد الله المؤمنين واقتدى بهم.