قصائد بشار بن برد في المجون
قصيدة: قد لامني في خليلتي عمر
يقول بشار بن برد:
قَد لامَني في خَليلَتي عُمَرُ
- وَاللَومُ في غَيرِ كُنهِهِ قَدَرُ
قالَ أَفِق قُلتُ لا فَقالَ بَلى
- قَد شاعَ في الناسِ عَنكُمُ الخَبَرُ
فَقُلتُ إِن شاعَ ما اعتِذاري مِم
- ما لَيسَ لي فيهِ عِندَهُم عُذُرُ
لا أَكتُمُ الناسَ حُبَّ قاتِلَتي
- لا لا وَلا أَكرَهُ الَّذي ذَكَروا
لوما فَلا لَومَ بَعدَها أَبَداً
- صاحِبُكُم وَالجَليلِ مُحتَضَرُ
قُم قُم إِلَيهِم فَقُل لَهُم قَد أَبى
- وَقالَ لا لا أُفيقُ فَاِنتَحِروا
ماذا عَسى أَن يَقولَ قائِلُهُم
- وَذا هَوىً ساقَ حينَهُ القَدَرُ
يا قَومِ ما لي وَما لَهُم أَبَداً
- يَنظُرُ في عَيبِ غَيرِهِ البَطِرُ
يا عَجَباً لِلخِلافِ يا عَجَباً
- بِفي الَّذي لامَ في الهَوى الحَجَرُ
ما لامَ في ذي مَوَدَّةٍ أَحَدٌ
- يُؤمِنُ بِاللَهِ قُم فَقَد كَفَروا
حَسبي وَحَسبُ الَّتي كَلِفتُ بِها
- مِنّي وَمِنها الحَديثُ وَالنَظَرُ
أَو قُبلَةٌ في خِلالِ ذاكَ وَلا
- بَأَسَ إِذا لَم تُحلَّلِ الأُزُرُ
أَو لَمسُ ما تَحتَ مِرطِها بِيَدي
- وَالبابُ قَد حالَ دونَهُ السُتُرُ
وَالساقُ بَرّاقَةٌ خَلاخِلُها
- وَالصَوتُ عالٍ فَقَد عَلا البُهُرُ
وَاِستَرخَت الكَفُّ لِلغَزالِ وَقا
- لَت اُلهُ عَنّي وَالدَمعُ مُنحَدِرُ
اِذهَب فَما أَنتَ كَالَّذي ذَكَروا
- أَنتَ وَرَبّي مُعارِكٌ أَشِرُ
وَغابَتِ اليَومَ عَنكَ حاضِنَتي
- فَاللَهُ لي اليَومَ مِنكَ مُنتَصِرُ
يا رَبِّ خُذ لي فَقَد تَرى ضُعُفي
- مِن فاسِقِ الكَفِّ ما لَهُ شُكُرُ
أَهوى إِلى مِعضَدي فَرَضَّضَهُ
- ذو قوةٍ ما يُطاقُ مُقتَدِرُ
يُلصِقُ بي لِحيَةً لَهُ خَشُنَت
- ذاتَ سوادٍ كَأَنَّها الإِبَرُ
حَتّى اِقتَهَرني وَإِخوَتي غَيَبٌ
- وَيلي عَلَيهِم لَو أَنَّهُم حَضَروا
أَقسِمُ بِاللَهِ ما نَجَوتُ بِها
- اِذهَب فَأَنتَ المُسَوَّرُ الظَفِرُ
كَيفَ بِأُمّي إِذا رَأَت شَفَتي
- وَكَيفَ إِن شاعَ مِنكَ ذا الخَبَرُ
أَم كَيفَ لا كَيفَ لي بِحاضِنَتي
- يا حِبُّ لَو كانَ يَنفَعُ الحَذَرُ
قُلتُ لَها عِندَ ذاكَ يا سَكَني
- لا بَأسَ إِنّي مُجَرِّبٌ حَذِرُ
قولي لَهُم بَقَّةٌ لَها ظُفُرٌ
- إِن كان في البَقِّ ما لَهُ ظُفُرُ.
قصيدة: يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة
يقول بشار بن برد:
وَذاتُ دَلٍّ كَأَنَّ البَدرَ صورَتُها
- باتَت تُغَنّي عَميدَ القَلبِ سَكرانا
إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ
- قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيينَ قَتلانا
فَقُلتُ أَحسَنتِ يا سُؤلي وَيا أَمَلي
- فَأَسمِعيني جَزاكِ اللَهُ إِحسانا
يا حَبَّذا جَبلُ الرَيّانِ مِن جَبَلٍ
- وَحَبَّذا ساكِنُ الرَيّانِ مَن كانا
قالَت فَهَلّا فَدَتكَ النَفسُ أَحسَنَ مِن
- هَذا لِمَن كانَ صَبَّ القَلبِ حَيرانا
يا قَومُ أُذني لِبعَضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ
- وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا
فَقُلتُ أَحسَنتِ أَنتِ الشَمسُ طالِعَةٌ
- أَضرَمتِ في القَلبِ وَالأَحشاءِ نيرانا
فَأَسمِعينِيَ صَوتاً مُطرِباً هَزَجاً
- يَزيدُ صَبّاً مُحِبّاً فيكِ أَشجانا
يا لَيتَني كُنتُ تُفّاحاً مُفَلَّجَةً
- أَو كُنتُ مِن قُضَبِ الرَيحانِ رَيحانا
حَتّى إِذا وَجَدَت ريحي فَأَعجَبَها
- وَنَحنُ في خَلوَةٍ مُثِّلتُ إِنسانا
فَحَرَّكَت عودَها ثُمَّ اِنثَنَت طَرَباً
- تَشدو بِهِ ثُمَّ لا تُخفيهِ كِتمانا
أَصبحتُ أَطوَعَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ
- لأَكثَرِ الخَلقِ لي في الحُبِّ عِصيانا
فَقُلتُ أَطرَبتِنا يا زَينَ مِجلِسِنا
- فَهاتِ إِنَّكِ بِالإِحسانِ أَولانا
لَو كُنتُ أَعلَمُ أَنَّ الحُبَّ يَقتُلُني
- أَعدَدتُ لي قَبلَ أَن أَلقاكِ أَكفانا
فَغَنَّتِ الشَربَ صَوتاً مُؤنِقاً رَمَلاً
- يُذكي السُرورَ وَيُبكي العَينَ أَلوانا
لا يَقتُلُ اللَهُ مَن دامَت مَوَدَّتُهُ
- وَاللَهُ يَقتُلُ أَهلَ الغَدرِ أَحيانا
لا تَعذِلوني فَإِنّي مِن تَذَكُّرِها
- نَشوانُ هَل يَعذِلُ الصاحونَ نَشوانا
لَم أَدرِ ما وَصفُها يَقظانَ قَد عَلِمَت
- وَقَد لَهَوتُ بِها في النَومِ أَحيانا
باتَتَ تُناوِلُني فاهاً فَأَلثُمُهُ
- جِنِّيَّةٌ زُوِّجَت في النَومِ إِنسانا.
قصيدة: خشاب هل لمحب عندكم فرج
يقول بشار بن برد:
خُشّابَ هَل لِمُحِبٍّ عِندَكُم فَرَجُ
- أَو لا فَإِنّي بِحَبلِ المَوتِ مُعتَلِجُ
لَو كانَ ما بي بِخَلقِ اللَهِ كُلِّهِمُ
- لا يَخلُصونَ إِلى أَحبابِهِم دَرَجوا
لِلهَجرِ نارٌ عَلى قَلبي وَفي كَبِدي
- إِذا نَأَيتِ وَرُؤيا وَجهِكِ الثَلَجُ
كَأَنَّ حُبَّكِ فَوقي حينَ أَكتُمُهُ
- وَتَحتَ رِجلَيَّ لُجٌّ فَوقَهُ لُجَجُ
قَد بُحتُ بِالحُبِّ ضَيقاً عَن جَلالَتِهِ
- وَأَنتِ كَالصاعِ تُطوى تَحتَهُ السُرُجُ
خُشّابَ جودي جِهاراً أَو مُسارَقَةً
- فَقَد بُليتُ وَمَرَّت بِالمُنى حِجَجُ
حَتّى مَتى أَنتِ يا خُشّابَ جالِسَةً
- لا تَخرُجينَ لَنا يَوماً وَلا تَلِجُ
لَو كُنتِ تَلقينَ ما نَلقى قَسَمتِ لَنا
- يَوماً نَعيشُ بِهِ مِنكُم وَنَبتَهِجُ
لا خَيرَ في العَيشِ إِن كُنّا كَذا أَبَداً
- لا نَلتَقي وَسَبيلُ المُلتَقى نَهَجُ
مَن راقَبَ الناسَ لَم يَظفَر بِحاجَتِهِ
- وَفازَ بِالطَيِّباتِ الفاتِكُ اللَهِجُ
وَقَد نَهاكِ أُناسٌ لا صَفا لَهُمُ
- عَيشٌ وَلا عَدِموا خَصماً وَلا فَلَجوا
قالوا حَرامٌ تَلاقينا فَقَد كَذَبوا
- ما في اِلتِزامٍ وَلا في قُبلَةٍ حَرَجُ
أَما شَعَرتِ فَدَتكِ النَفسُ جارِيَةً
- أَن لَيسَ لي دونَ ما مَنَّيتِني فَرَجُ
إِنّي أُبَشِّرُ نَفسي كُلَّما اِختَلَجَت
- عَيني أَقولُ بِنَيلٍ مِنكِ تَختَلِجُ
وَقَد تَمَنَّيتُ أَن أَلقاكِ خالِيَةً
- يَوماً وَأَنّي وَفيما قُلتِ لي عِوَجُ
أَشكو إِلى اللَهِ شَوقاً لا يُفَرِّطُني
- وَشُرَّعاً في سَوادِ القَلبِ تَختَلِجُ
يا رَبِّ لا صَبرَ لي عَن قُربِ جارِيَةٍ
- تَنأى دَلالاً وَفيها إِن دَنَت غَنَجُ
غَرّاءَ حَوراءَ مِن طيبٍ إِذا نَكَهَت
- لِلبَيتِ وَالدارِ مِن أَنفاسِها أَرَجُ
كَأَنَّها قَمَرٌ رابٍ رَوادِفُهُ
- عَذبُ الثَنايا بَدا في عَينِهِ دَعَجُ.
قصيدة: إبليس خير من أبيكم
يقول بشار بن برد:
إِبليسُ خَيرٌ مِن أَبيكُم آدَمٍ
- فَتَنَبَّهوا يا مَعشَرَ الفُجّارِ
إِبليسُ مِن نارٍ وَآدَمُ طينَةٌ
- وَالأَرضُ لا تَسمو سُمُوَّ النارِ.
قصيدة: يا فرخ نهيا بإفك قلت أو زور
يقول بشار بن برد:
يا فَرخَ نِهيا بِإِفكٍ قُلتَ أَو زورِ
- إِذ لا تَزالُ تَعَبّا لي بِتَعبيرِ
قَد كُنتُ قَصَّرتُ بُقيا أَو مُحافَظَةً
- فَالآنَ حينَ اِنجَلى هَمّي بِتَقصيري
نُبِّئتُ أَنَّكَ يا حَمّادُ تَنبَحُني
- وَالكَلبُ يَنبَحُ مَربوطاً بِساجورِ
أَحينَ هَرَّت كِلابُ الحَيِّ مِن حَرَسي
- وَاِحمَرَّ مِن مُهَجِ الأَجوافِ تَصديري
وَذَبَّ عَنّي غُواةَ الناسِ مُعتَدِياً
- بابٌ حَديدٌ وَصَوتٌ غَيرُ مَنزورِ
تَفشو إِلَيَّ بِأَشعارٍ مُلَصَّقَةٍ
- مَهلاً أَبا عُمَرٍ ما أَنتَ في العيرِ
حَلَفتُ بِالقِبلَةِ البَيضاءِ مُجتَهِداً
- وَبِالمَقامِ وَرُكنِ البَيتِ وَالسورِ
لَقَد عَقَقتَ عَجوزاً جِئتَ مِن هَنِها
- ما الشَيخُ والِدُكَ الأَدنى بِمَبرورِ
غَنَّيتَ في الشَربِ مَندوباً وَمُبتَدِئاً
- فَهَل كَفاكَ التَغَنّي في المَواخيرِ
غُرُّ القَصائِدِ أُسديها وَأُلحِمُها
- كَأَنَّ رَأسَكَ مِنها في أَعاصيرِ
اِذكُر سَواءَةَ ثُمَّ اِفخَر بِظِئرِهِمُ
- وَما اِفتِخارُ بُنَيِّ الظِئرِ بِالظيرِ
صَه لا تَكَلَّم جِهاراً في مَجالِسِنا
- وَسَل عَجوزَكَ عَن بَكرِ بِنِ مَذعورِ
قَد كُنتُ أَعرِفُ حَمّاداً فَأَستُرُهُ
- وَما اِمرُؤٌ مِن بَني نِهيا بِمَستورِ
وَأَنتَ أَعقَدُ مِثلُ اللَوزِ مُعتَرِضٌ
- بِالدُرِّ تَغدو بِوَجهٍ غَيرِ مَنصورِ
تُعطي وَتَأخُذُ مِن قُبلٍ وَمِن دُبُرٍ
- وَذاكَ شُغلٌ عَنِ المَعروفِ وَالخيرِ
وَعَجرَدٌ كانَ وَشّاءً وَكانَ لَهُ
- عِلمُ المُباهي بِوَضعِ الوَشي وَالنيرِ
قَد عالجَ الغُرلَ حيناً قَبلَ لِحيَتِهِ
- حَتّى عَلا رَأسَهُ شَيبٌ بِتَقتيرِ
وَأَنتُمُ أَهلُ بَيتٍ عَمَّكُم سَتَهٌ
- فَكُلُّكُم بِاِستِهِ داءُ السَنانيرِ
في مِنصِبٍ مِن بَني نِهيا تُطيفُ بِهِ
- شُمطُ النَبيطِ بِإِكبارٍ وَتَوقيرِ.