شرح وتفسير سورة الأعلى المُبسط
تسبيح الله وبيان مظاهر قدرته
قال الله -تعالى-: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)،، معنى سبِّح؛ أي نزِّه الله -تعالى- وعظِّمه، وقد ورد في معنى هذه الآية عدة معاني:
- نزّه الله –تعالى- عن كُلِّ نقيصة لا تليق به فلا تصفه إلّا بصفاته العُلا.
- نزّه الله –تعالى- فلا تذكر اسمه إلا بمحلٍّ لائق وبطريقة لائقة.
- صلّ بأمر ربِّك الأعلى.
قول الله -تعالى-: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى)، ورد في تفسيرها معنيان:
- أي أنَّه أحْكَمَ صَنعة كلّ شيء؛ فخلق كلّ ذي روح، وجعل له الأعضاء التي تناسبه في معيشته؛ كالرجلين، واليدين، والعينين.
- أنَّه خلق الإنسان، ثمَّ سوَّى قامته، وجعله معتدلاً؛ لا ينكبُّ على الأرض كسائر البهائم.
قول الله -تعالى-: (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)، أنَّ خلْق الله يمرّ في طورين:
- الأول: خلق الله -تعالى- الخلق وقدَّر المقادير، فجاءت على ما أراد وفق إرادته، لا نقص فيها.
- الثاني: أنَّه بعدما خلق الخلائق، هداها لوظائفها التي قدَّرها لها، فالإنسان يسعى لرزقه بالعمل، والبهائم إلى المراعي.
قول الله -تعالى-: (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى* فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى)، معنى الغثاء؛ أي هشيماً جافاً، ومعنى أَحْوَى؛ أي مُتغيِّراً، ومعنى الآية؛ أنّ الله -تعالى- بقدرته العظمى أخرج لكم المرعى، ثم بقدرته العليا جعله هشيماً جافاً مُتغيّراً، فانظروا وتفكَّروا لصنع الله الذي أتقن صنع كُلّ شيء.
تكفل الله بحفظ القرآن في صدر النبي
بعد أن بيّن الله -تعالى- الهداية العامّة لكافّة المخلوقات، بدأ ببيان الهداية الخاصّة بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى)، السين تدلّ على فعل المستقبل، أي أنّك ستظلُّ تقرأ القرآن، وأنّ القرآن سيتتابع نزوله، ولن ينقطع عنك، وقوله (سَنُقْرِئُكَ)، لها معنيان:
- رغم أنّك أُمّيُّ سنجعلك تقرأ، وتحفظ، ولن تنسى، ولن يضيع القرآن منك، ولا من غيرك، وهو باقٍ إلى الأبد.
- سنعلمك القرآن، واحذر أن تنساه، فإنَّ-لا- هنا ناهية.
قوله -تعالى-: (إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى)؛ أي لن تنسى إلّا ما أمرك الله بنسيانه؛ لأنّه منسوخ، وقوله: يعلم الجهر وأخفى، فيها معنيان:
- أنَّ الله -تعالى- يعلم أنّك يا محمد حريص على عدم نسيان القرآن وتخشى من تفلُّته منك، ومراجعتك للقرآن مراراً مع جبريل.
- أنَّ الله -تعالى- يعلم أنّك تردِّد القرآن سرّاً.
تكفل الله بتسهيل أعباء الدعوة على النبي
قوله -تعالى-: (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى)؛ أي سيُسهِّل الله -تعالى- عليك أمر الدعوة إلى الله -تعالى-، وحفظ القرآن الكريم، وما فيه من التعاليم الشرعية السمحة.
قوله -تعالى-: (فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى* سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى)؛ أي بلغ دعوة الله تعالى، وما علمناك في هذا القرآن من الأحكام الشرعية، وقوله: (إِن نَّفَعَتِ)، يمكن أن تفسر على معنيين:
- لا تذكِّر به إلّا من تعلم أنّه ينتفع به، فلا تُذكّر به العنيد المطبوع على قلبه، فلن يزيدهم إلّا نفوراً.
- ذكّر بهذا القرآن؛ لنرى من سينتفع به، مع العلم بأن بعضهم لن ينتفع به.
أقسام الناس في تقبلهم للدعوة
المصدقون الناجون
يُبيّن الله -تعالى- حال الناجين المفلحين، ويذكر أحوالهم، فيما يأتي:
- قال الله -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى)، أفلح؛ نجا، وقد ورد في معنى تزكى عدة معاني:
- تطهّر من الكفر بإيمانه، ومن المعصية بالتقوى والطاعة، وتصديقه بالجنان.
- تطهّر بالإكثار من التقوى والخشية.
- تطهّر بالصلاة؛ لأنّها طهارة الروح، وبالزكاة؛ لأنّها طهارة المال.
- قال الله -تعالى-: (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)، من معاني هذه الاية:
- أنَّه يذكر الله قبل الصلاة المفروضة.
- نطَقَ بالشهادتين، ومعنى صلّى أي قام بالأعمال البدنية كلّها، وذكر الصلاة كمثال.
المعرضون الهالكون
بيّن الله -تعالى- مصير الأشقياء أهل النار في بعض الآيات، نذكرها فيما يأتي:
- قال الله -تعالى-: (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى* الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى* ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى)، ومعنى الآيات: سيتجنب الدعوة ويبتعد عنها الأشقى؛ وهو المُكذب المعاند الذي يصدُّ عن الدعوة، ولا يتقبّل الحقّ، ثمّ أنّه سيدخل النار الكبرى، وهي الدرك الأسفل من النار، وإنّ من دخل النار الكبرى، فلن يموت موتاً يرتاح فيه من النار، ولن يحيا حياة طيبة، وسيستمرّ في الشقاء.
- قال الله -تعالى-: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)، إيثار الدنيا يكون بالرضا بالحياة الدنيا، والاطمئنان بها، ويكون بالإعراض عن الآخرة.
- قال الله -تعالى-: (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)، قال ابن كثير: "أي: ثواب الله في الدار الآخرة خير من الدنيا وأبقى، فإن الدنيا دنية فانية، والآخرة شريفة باقية، فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى، ويهتم بما يزول عنه قريبا، ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد؟".
- قال الله -تعالى-: (إِنَّ هَـذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى* صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) ، أن ما أنتم فيه من حبِّ الدنيا، والإقبال عليها، موجود مثله في الأمم السابقة، فالبشر هم البشر، مهما تغيّر الزمان، نفوسهم واحدة تميل إلى الدنيا وتكره الالتزام بالطاعة.