شرح معلقة لبيد بن ربيعة
شرح معلقة لبيد بن ربيعة
يقول لبيد بن ربيعة -رضي الله عنه- في معلقته الجاهليّة:
عَفَتِ الدِيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها
- بِمَنىً تَأَبَّدَ غَولُها فَرِجامُها
فَمَدافِعُ الرَيّانِ عُرِّيَ رَسمُها
- خَلَقاً كَما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها
دِمَنٌ تَجَرَّمَ بَعدَ عَهدِ أَنيسِها
- حِجَجٌ خَلَونَ حَلالُها وَحَرامُها
رُزِقَت مَرابيعَ النُجومِ وَصابَها
- وَدقُ الرَواعِدِ جَودُها فَرِهامُها
مِن كُلِّ سارِيَةٍ وَغادٍ مُدجِنٍ
- وَعَشيَّةٍ مُتَجاوِبٍ إِرزامُها
فَعَلا فُروعُ الأَيهُقانِ وَأَطفَلَت
- بِالجَهلَتَينِ ظِبائُها وَنَعامُها
يقول الشاعر في المقطع السابق إنّ ديار الأحباب قد تغيّرت بعد رحيل أهلها، ويعدّد أسماء المناطق التي يراها مقفرة من الناس مثل منى وجبل الريان وغير ذلك، وقد مرّت عليها سنوات طويلة بما فيها من أشهر حلال و أشهر حرُم ، وقد مرّت على هذه الديار كثير من الأمطار حتى إنّ النبات قد عاد من جديد حتى صارت الظباء ترعاه وتستقر فيه.
وَالعَينُ ساكِنَةٌ عَلى أَطلائِها
- عوذاً تَأَجَّلُ بِالفَضاءِ بِهامُها
وَجَلا السُيولُ عَنِ الطُلولِ كَأَنَّها
- زُبُرٌ تُجِدُّ مُتونَها أَقلامُها
أَو رَجعُ واشِمَةٍ أُسِفَّ نُؤورُها
- كِفَفاً تَعَرَّضَ فَوقَهُنَّ وِشامُها
فَوَقَفتُ أَسأَلُها وَكَيفَ سُؤالُنا
- صُمّاً خَوالِدَ ما يُبينُ كَلامُها
عَرِيَت وَكانَ بِها الجَميعُ فَأَبكَروا
- مِنها وَغودِرَ نُؤيُها وَثُمامُها
شاقَتكَ ظُعنُ الحَيِّ حينَ تَحَمَّلوا
- فَتَكَنَّسوا قُطُناً تَصِرُّ خِيامُها
يذكر الشاعر هنا أنّ تلك الديار قد صارت كذلك مسكنًا للبقر الوحشي، وكذلك يصوّر كيفية محو السيول آثار الأطلال القديمة حتى أنّها أصبحت كالكتاب الذي تُعاد كتابته، أو كأنّه المسحوق الذي يوضع على الوشم ليغيّر معالم مكان الوشم، وكأن ما حدث غيّر ملامح هذا المكان بأكمله فهو اليوم لم يعد قادرًا على معرفته مما زاد حزنه وحرقته، ثم يذكر الشاعر أنه حين سأل الأطلال عن سكانها تعجّب كيف يسأل الحجر، وكيف أن الديار قد غادرها أهلها وقد صار في شوق كبير لأهلها ولتلك المرحلة التي انقضت وبات في حنين دائم لها وغصة لا تفارقه لفراقها.
مِن كُلِّ مَحفوفٍ يُظِلُّ عَصِيَّهُ
- زَوجٌ عَلَيهِ كِلَّةٌ وَقِرامُها
زُجَلاً كَأَنَّ نِعاجَ توضِحَ فَوقَها
- وَظِباءَ وَجرَةَ عُطَّفاً آرامُها
حُفِزَت وَزايَلَها السَرابُ كَأَنَّها
- أَجزاعُ بيشَةَ أَثلُها وَرُضامُها
بَل ما تَذَكَّرُ مِن نَوارَ وَقَد نَأَت
- وَتَقَطَّعَت أَسبابُها وَرِمامُها
مُرِّيَّةٌ حَلَّت بِفَيدِ وَجاوَرَت
- أَهلَ الحِجازِ فَأَينَ مِنكَ مَرامُها
بِمَشارِقِ الجَبَلَينِ أَو بِمُحَجَّرٍ
- فَتَضَمَّنَتها فَردَةٌ فَرُخامُها
يتحدّث الشاعر في هذا المقطع عن الهوادج التي ركبتها النساء ويصفها فهي من الصوف ومغطّاة بأستار رقيقة ونحوها، ويصف خروج النساء من المكان على شكل جماعات كأنّهنّ قطعان الظباء والبقر الوحشي.
ثمّ يصف كيفية سير الإبل وهي تحمل الرحال على ظهورها، ثمّ يخاطب نفسه ويسألها عن نوار، وهي امرأة من الحي، ويذكر انّها من بني مرة فهي ليست من قومه ولا فائدة من السؤال عنها بعد أن بعدت وسكنت مناطق بعيدة.
فَصُوائِقٌ إِن أَيمَنَت فَمَظِنَّةٌ
- فيها وِحافُ القَهرِ أَو طِلخامُها
فَاِقطَع لُبانَةَ مَن تَعَرَّضَ وَصلُهُ
- وَلَشَرُّ واصِلِ خُلَّةٍ صَرّامُها
وَاِحبُ المُجامِلَ بِالجَزيلِ وَصَرمُهُ
- باقٍ إِذا ضَلَعَت وَزاغَ قِوامُها
بِطَليحِ أَسفارٍ تَرَكنَ بَقِيَّةً
- مِنها فَأَحنَقَ صُلبُها وَسَنامُها
وَإِذا تَغالى لَحمُها وَتَحَسَّرَت
- وَتَقَطَّعَت بَعدَ الكَلالِ خِدامُها
فَلَها هِبابٌ في الزِمامِ كَأَنَّها
- صَهباءُ خَفَّ مَعَ الجَنوبِ جَهامُها
يقول لبيد إنّها ربما تحل في موضع الصوائق، وإن قصدت اليمن فستحل في وحاف القهر أو طلخام، ويقول أيضًا إنّ خير ما يكون ممّن ابتعد هو أن نقطع ما بيننا وبينه من علاقة حفظًا للود، ثمّ يوصي بعدم معاجلة الصديق بقطع الود، بل يُخصّ بالمودة ما دام منه ودًّا، ويقول إنّ خير ما يحملك إن قررت صرم حبل المودة هو تلك الناقة التي أعياها السفر، ويقول إنّ الناقة إذا ضمرت وصارت هزيلة فإنّها تصبح أسرع في السير.
أَو مُلمِعٌ وَسَقَت لِأَحقَبَ لاحَهُ
- طَردُ الفُحولِ وَضَربُها وَكِدامُها
يَعلو بِها حُدبَ الإِكامِ مُسَحَّجٌ
- قَد رابَهُ عِصيانُها وَوِحامُها
بِأَحِزَّةِ الثَلَبوتِ يَربَأُ فَوقَها
- قَفرَ المَراقِبِ خَوفُها آرامُها
حَتّى إِذا سَلَخا جُمادى سِتَّةً
- جَزءً فَطالَ صِيامُهُ وَصِيامُها
رَجَعا بِأَمرِهِما إِلى ذي مِرَّةٍ
- حَصِدٍ وَنُجحُ صَريمَةٍ إِبرامُها
وَرَمى دَوابِرَها السَفا وَتَهَيَّجَت
- ريحُ المَصايِفِ سَومُها وَسِهامُها
يتابع وصف الناقة فيقول إنّها شبيهة بالسحابة الصهباء أو الأتان الوحشية، ويقول إنّها في سرعتها كالأتان التي طردها فحلها عن باقي الفحول، ويشبّهها بالأتان والحمار الوحشي اللذَين قد أقاما في مكان بعيد حتى مرّ عليهما الشتاء وقد اكتفيا بالرُّطَب عن الماء، حتى إذا تنازعا بأمر ورود الماء اتخذ الذكر قراره وعزم على الورود بعد انقضاء الربيع وهبوب رياح الصيف الحارّة التي تجبرهما على ورود الماء.
الأفكار الرئيسية في معلقة لبيد بن ربيعة
فيما يأتي ذكر لأبرز الأفكار الرئيسية التي مضَت في معلقة لبيد بن ربيعة:
- وصف ديار الأحباب بعد رحيل أهلها.
- اختلاف الأزمان على الديار حتى تغيرت معالمها.
- إقامة الوحوش من الأبقار والظباء في الديار.
- سؤال الشاعر ديارَ المحبوبة عن حال أهلها.
- حديث الشاعر عن نوار.
- وصف الشاعر للناقة.
معاني المفردات في معلقة لبيد بن ربيعة
من أبرز معاني المفردات في معلقة لبيد بن ربيعة رضي الله عنه ما يأتي:المفردة | معنى المفردة |
تأبَّدَ | يعني توحَّش، بمعنى خلا من أهله وسكنته الوحوش. |
خلقًا | بمعنى أصبح قديمًا باليًا. |
دمن | جمع دمنة وهي بقايا الأطلال. |
الأيهقان | هو الجرجير البري. |
كلّة | الكلة هي الستر الرقيق يوضع للاحتماء من البعوض ونحوه. |