شرح قصيدة أغالب فيك الشوق والشوق أغلب
شرح قصيدة أغالب فيك الشوق والشوق أغلب
يقول الشاعر المتنبي :
أُغالِبُ فيكَ الشَوقَ وَالشَوقُ أَغلَبُ
- وَأَعجَبُ مِن ذا الهَجرِ وَالوَصلُ أَعجَبُ
أَما تَغلَطُ الأَيّامُ فيَّ بِأَن أَرى
- بَغيضاً تُنائي أَو حَبيباً تُقَرِّبُ
وَلِلهِ سَيري ما أَقَلَّ تَإِيَّةً
- عَشِيَّةَ شَرقِيَّ الحَدالَي وَغُرَّبُ
عَشِيَّةَ أَحفى الناسِ بي مَن جَفَوتُهُ
- وَأَهدى الطَريقَينِ الَّتي أَتَجَنَّبُ
أحاول أن أهزم شوقي إليكَ، لكنَّ الشوق يهزمني، وأتعجَّب من هجرك الطويل، ولماذا لا تخطئ الأيام، فبدل أن تقرّب الذي أكره تُبعِدُه وتُقرّب مني مَن أُحِب، وعجبًا ما أسرعني وأنا ذاهبٌ إلى وجهتي، وعلى شرقي تقع منطقتَي الحدالي وغُرَّب، وإنني وجدتُ أكثر الناس ترحيبًا بي ذاك الذي جفوته والطريق الذي فيه الهداية هو الذي ابتعدتُ عنه.
وَكَم لِظَلامِ اللَيلِ عِندَكَ مِن يَدٍ
- تُخَبِّرُ أَنَّ المانَوِيَّةَ تَكذِبُ
وَقاكَ رَدى الأَعداءِ تَسري إِلَيهِمُ
- وَزارَكَ فيهِ ذو الدَلالِ المُحَجَّبُ
وَيَومٍ كَلَيلِ العاشِقينَ كَمَنتُهُ
- أُراقِبُ فيهِ الشَمسَ أَيّانَ تَغرُبُ
وَعَيني إِلى أُذنَي أَغَرَّ كَأَنَّهُ
- مِنَ اللَيلِ باقٍ بَينَ عَينَيهِ كَوكَبُ
وكَم لظلام الليل عندك من فضلٍ فعلته يُخبر بأن دين المانوية كاذب، ففي الليل تتغلب على أعدائك وتزورك المرأة، واليوم طويلٌ استترتُ فيه أراقب الشمس، وأنتظر غروبها لأتجه إليك، وعينيَّ على أُذُنَي فرسي لأنتبه إن جاء أحد من بعيد، وإنَّ فرسي كالليل والبياض في جبهته كالكوكب.
لَهُ فَضلَةٌ عَن جِسمِهِ في إِهابِهِ
- تَجيءُ عَلى صَدرٍ رَحيبٍ وَتَذهَبُ
شَقَقتُ بِهِ الظَلماءَ أُدني عِنانَهُ
- فَيَطغى وَأُرخيهِ مِراراً فَيَلعَبُ
وَأَصرَعُ أَيَّ الوَحشِ قَفَّيتُهُ بِهِ
- وَأَنزِلُ عَنهُ مِثلَهُ حينَ أَركَبُ
وَما الخَيلُ إِلّا كَالصَديقِ قَليلَةٌ
- وَإِن كَثُرَت في عَينِ مَن لا يُجَرِّبُ
وإنَّ الخيل التي أتجه إليك عليها لها صدر رحب وسريعة، فإذا شددت لجامها أسرعت، وإذا أرخيته راحت تلعب برأسها، وإذ لحقت بوحشٍ تمكنت منه، وحين أنزل من عليها تكون كما كانت حين ركبتُ، و الخيل الأصيلة قليلة كالأصدقاء حتى وإنَّ ظنها قليل التجربة كثيرة.
إِذا لَم تُشاهِد غَيرَ حُسنِ شِياتِها
- وَأَعضائِها فَالحُسنُ عَنكَ مُغَيَّبُ
لَحا اللَهُ ذي الدُنيا مُناخاً لِراكِبٍ
- فَكُلُّ بَعيدِ الهَمِّ فيها مُعَذَّبُ
أَلا لَيتَ شِعري هَل أَقولُ قَصيدَةً
- فَلا أَشتَكي فيها وَلا أَتَعَتَّبُ
وَبي ما يَذودُ الشِعرَ عَنّي أَقُلُّهُ
- وَلَكِنَّ قَلبي يا اِبنَةَ القَومِ قُلَّبُ
إذا لم ترَ من محاسن الخيل سوى علاماتها المميزة وأعضائها، فقد غابَ عنك الحُسن، وقبَّح الله هذه الدنيا كمنزل للإنسان، فكل شخص يملك طموحًا عاليًا فيها سيتعب، وليتني في يومٍ أقول شعرًا بعيدًا عن الشكوى والعتاب، وإنَّ أقل همومي تبعد عني الشعر، لكنَّ قلبي متقلّب.
وَأَخلاقُ كافورٍ إِذا شِئتُ مَدحَهُ
- وَإِن لَم أَشَأ تُملي عَلَيَّ وَأَكتُبُ
إِذا تَرَكَ الإِنسانُ أَهلاً وَرائَهُ
- وَيَمَّمَ كافوراً فَما يَتَغَرَّبُ
فَتىً يَملَأُ الأَفعالَ رَأياً وَحِكمَةً
- وَنادِرَةً أَحيانَ يَرضى وَيَغضَبُ
إِذا ضَرَبَت في الحَربِ بِالسَيفِ كَفُّهُ
- تَبَيَّنتَ أَنَّ السَيفَ بِالكَفِّ يَضرِبُ
أخلاق كافور الحسنة هي من تقوم بدفعي لكتابتها ومدحه، وإذا ترك الإنسان أهله، وابتعد عنهم ليتجه إلى كافور فلا يشعر بالغربة، وإنَّ أفعال كافور تنم عن حكمة حتى وإن كان غاضبًا، وإذا ضرب بالحرب بسيفه يتَّضِح لكَ أن سيفه يضرب ويعود ذلك لقوته.
الأفكار الرئيسة في قصيدة أغالب فيك الشوق والشوق أغلب
ورد في قصيدة أغالب فيك الشوق والشوق أغلب بعض الأفكار الرئيسة، ومنها ما يأتي:
- شوق المتنبي الشديد يتغلب عليه، وهو يتعجَّب من الهجر الطويل.
- مفاجأة الشاعر بأنَّ أكثر الناس ترحيبًا واحتفاءً به هو الذي قابله الشاعر سابقًا بالمجافاة.
- شكوى المتنبي من طول اليوم الذي يريد أن يتجه فيه إلى من كتب إليه القصيدة.
- وصفه لفرسه وجمالها وتشبيهها بالليل الذي فيه كوكب.
- وصف الصدر الرحيب لفرسه وسرعتها الطاغية.
- وصف لياقة الفرس وعدم لهاثها أو تعبها حتى وإن طاردت الوحوش لمسافات طويلة.
- قلّة الخيل الحقيقية والأصيلة كقلّة الأصدقاء الأوفياء.
- تمنّي المتنبي أن يأتي يوم، ويقول فيه قصيدة بعيدة عن الشكوى والعتب.
- كثرة هموم الشاعر وتقلب قلبه.
- حُسن أخلاق كافور.
- حكمة كافور، وسداد رأيه في كل أحواله، حتى في غضبه.
شرح الألفاظ في قصيدة أغالب فيك الشوق والشوق أغلب
من الألفاظ التي تحتاج إلى شرح في القصيدة ما يأتي:
المفردة | معنى المفردة |
المانوية | هي مذهب نُسِبَ إلى ماني بن فانك الذي ادَّعى النبوَّة، وهذه الفرقة مسيحية تختلط فيها التعاليم المسيحية باليهودية والبوذية. |
كمنته | أي اختبأت فيه؛ فالكمن هو الاختباء والتواري عن الأنظار. |
فضلة | زيادة على صفاته. |
عنانه | لجامه؛ فالعنان هو لجام الدابة. |
شياتها | الشية هي العلامة. |
مُناخ | محل الإقامة، فأناخ به أي أقام أو استقرَّ فيه. |
قُلَّبُ | متقلّب ولا يثبت على حال. |
يمَّمَ | قصده واتجه إليه. |
الصور الفنية في قصيدة أغالب فيك الشوق والشوق أغلب
من الصور الفنية في القصيدة السابقة ما يأتي:
- وَالشَوقُ أَغلَبُ
استعارة مكنية ، فقد شبَّه الشوق بالإنسان الذي يغلبه، وحذف المشبَّه به الإنسان، وأبقى على شيءٍ من لوازمه وهو القدرة على غلبه، فهي استعارة مكنية.
- يَدٍ تُخَبِّرُ أَنَّ المانَوِيَّةَ تَكذِبُ
استعارة مكنية، فقد شبَّه يد الشخص الذي يقصد بالإنسان الذي يتكلَّم ويُخبِر، وحذف المشبَّه به الإنسان، وأبقى على شيءٍ من لوازمه وهو الكلام والإخبار، فهي استعارة مكنية.
- وَيَومٍ كَلَيلِ العاشِقينَ كَمَنتُهُ
:::أُراقِبُ فيهِ الشَمسَ أَيّانَ تَغرُبُ
تشبيه تمثيلي ؛ وأركان التشبيه هي: المشبَّه: اليوم، والمشبَّه به: ليل العاشقين، وأداة الشبه: الكاف، ووجه الشبه: الطول والاستتار به.
- وَما الخَيلُ إِلّا كَالصَديقِ قَليلَةٌ
تشبيه تمثيلي؛ وأركان التشبيه هي: المشبَّه: الخيل، المشبَّه به: الصديق، وأداة الشبه: الكاف، ووجه الشبه: القلة في العدد.
- وَأَخلاقُ كافورٍ تُملي عَلَيَّ
استعارة مكنية، فقد شبَّه أخلاق كافور بالإنسان الذي يُملي عليه، وحذف المشبَّه به الإنسان، وأبقى على شيءٍ من لوازمه وهو الإملاء، فهي استعارة مكنية.