شرح عبارة (الصبر نصف الإيمان)
شرح عبارة (الصبر نصف الإيمان)
قدّر الله -سبحانه وتعالى- أن يكون بلوغ الإنسان لكلّ أمرٍ يرتجيه محتاجًا للصبر؛ فطريق جنّة الإيمان يحتاج إلى صبرٍ على الأهواء والملذّات، فلا يصفو عيش السائرين إلى اللّه إلّا بالصبر والمضي قُدمًا على ذلك الطريق الشائك وتحمّل مرارة الألم، فلا تطيب حياةٌ دون اللّه، ولا تسكن روحٌ خارج جنَّة الإيمان، والقبض على جمر الدين أحبّ لها من معصية اللّه؛ فجنّة الخلد تستحقّ كلّ هذا العناء، والصبر في حقيقته هو البعد عن مخالفة الله ، وتجرُّع الإنسان لما يصيبه من ألمٍ من غير تعبُّسٍ.
الصبر والإيمان
عظّم الله تعالى أمر الصبر؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّبرُ نصفُ الإيمانِ واليقينُ الإيمانُ كلُّهُ)، فلا يخلو إيمانٌ بدون صبرٍ، ومن لا صبر له لا إيمان له، ومن دخل جنّة الصبر رأى ما لا يراه الناس من الاستغراق في نعيم العبوديّة؛ فالصبر ضياءٌ وطريقٌ لجنّة الرضا، ولقد عُدّ الصبر نصف الإيمان لحكمٍ كثيرةٍ، فيما يأتي ذكر جملةٍ منها.
الصبر عامود العبودية
لا تقوم عبادةٌ إلّا بالصبر، فللإيمان ركنان؛ اليقين والصبر، واليقين هو العمل بالمعارف الإيمانية، أمّا الصبر فهو العمل بمقتضى اليقين، فهو عامود العبادة في قهر باعث الهوى، والاستقامة على الدين، فجُعل اليقين هو الإيمان كله، والصبر نصف الإيمان، كما في الحديث السابق.
قوة الصبر ثمرة النجاة
حينما يقوى إيمان العبد بالله يقوى دافع الصبر في قلبه، فيزيد إقباله على الطاعات، ويقوى على تحمل الابتلاءات ، فيسقيه اللّه مقابل صبره رحيق العبودية فيشفى غليله ويشدّ به بأسه، فيعرف ما ينفعه في الدنيا والآخرة، ويعرف ما يضره حال الصبر، وما ينفعه حال الشكر؛ لينال ثمرة النجاة، قال -تعالى-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ).
الصبر يتميز به عباد الله الصالحون
وذلك أنّ طريق الصبر موحشٌ، تحفّه المكاره، فمن صبر على عواصف الهوى، وبقي ثابتًا على الصراط المستقيم، لا تضرّه الفتن، يصبر ليرضي الإله، وطمعًا في نيل ثوابه؛ فإنّه من عباد الله الصالحين، الذين عملوا بأمر الله، ورضوا بالصبر، قال -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ).
الصبر يقود إلى محبّة الله
إنّ من أحبّه الله، يصل إلى نشوة السعادة، فلا يطمع باللمم، بل يتشوّق لنيل الجواهر العالية، فيما خبّأه اللّه لخاصّته من أجرٍ، لقوله -تعالى-: (وَالله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).
الصبر رفعةٌ في الدرجات
لمّا كان الصبر نصف الإيمان فإنّ الله ينتقي أعظم العباد ليبتليهم؛ وهذا مثل الأنبياء، وأقرب أهل الإيمان ؛ فيذيقهم البأس حتى يتضرعوا له؛ فيغفر لهم ما بدا منهم من تقصيرٍ، وترفع درجاتهم عنده؛ جزاءً لصبرهم، فإنّهم لولا قوّة إيمانهم لما صبروا على البلاء، فهذا الشعت ضياء ونور عند أهل الإيمان، وطعم الدواء مرُّ لكنه يشفي، وكذلك الصبر مرٌّ إلّا أنّه يقود لحلاوة الجنّة.
تحقيق معية الله
في الصبر تتحق معيّة الله ، فمن صبر لله، في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وصبر على عواصف الفتن، وصبر على الطاعة، وعلى تجنب المعاصي؛ رفعه الله، ورزقه معيته، لقوله -تعالى-: (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).