شرح حياة البرزخ للأطفال
شرح حياة البرزخ للأطفال
يمكن بيان كيفية شرح حياة البرزخ للأطفال من خلال المحاور الآتية:
أولاً: متطلبات شرح حياة البرزخ للأطفال
قبل الشروع في بيان الإجراءات العملية التي من خلالها يتم توصيل معلومة البرزخ للأطفال؛ يجدر الإشارة إلى جملة من المتطلبات التي تستدعي عملية الشرح تحققها، ويمكن تفصيلها في الآتي:
الوعي بالخصائص العقلية لمرحلة الطفولة
على المربي الوعي بالخصائص العقلية مرحلة الطفولة؛ حتى يتسنى له توصيل معلومة البرزخ بالصورة المناسبة لهذه الخصائص، ومن أهم ما يميز مرحلة الطفولة هي التفكير الحسي، وعدم القدرة على القيام التفكير التجريدي.
ذلك أن المناطق العصبية الحسية في دماغ الطفل في مرحلة الطفولة إنما تشهد بزوغاً واضحاً، وعلى الخلاف من ذلك فإن المناطق العصبية في الدماغ في مرحلة الطفولة إنما تتسم بالضمور؛ من هنا كانت السمة الحسية هي السمة الفكرية الأساسية للطفل.
وعليه فإن الحقائق الإيمانية الغيبة، والتي تتسم بالتجريد المطلق كما هو الحال مع مرحلة البرزخ؛ إنما تحتاج إلى حذر شديد حال تقديمها للطفل؛ ذلك أن تقديمها بصورة غير واضحة أو مفهومة من الممكن أن يخلف النفور منها من قبل الطفل؛ نظراً لأنها تغدو حينها بمثابة المفاهيم المعقدة؛ من هنا وجب تبسيطها قدر الإمكان.
الوعي بالخصائص العامة لمرحلة البرزخ
يمكن التأسيس لمرحلة البرزخ من خلال قوله -تعالى-: (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
قال السعدي في تفسيره للنص السابق: "(وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي: من أمامهم وبين أيديهم برزخ، وهو الحاجز بين الشيئين، فهو هنا: الحاجز بين الدنيا والآخرة، وفي هذا البرزخ، يتنعم المطيعون، ويعذب العاصون، من موتهم إلى يوم يبعثون، أي: فليعدوا له عدته، وليأخذوا له أهبته".
وعليه فعلى المربي أن يعي حقيقة البرزخ؛ ليتسنى له تبسيط الشرح للطفل وبالوسائل المناسبة لذلك، ولمّا كانت مرحلة البرزخ من المراحل الجزائية، بمعنى أن المسلم يجد أثر أعماله وجزائها في هذه المرحلة كمرحلة أولية للحساب؛ فإن ذلك يقتضي التبكير في شرح هذه الحقيقة ما أمكن ذلك.
ثانياً: إجراءات شرح حياة البرزخ للأطفال
من الضروري بمكان الوعي بأن الإجراءات المبسوطة هنا هي على سبيل المثال لا الحصر، فيمكن للمربي الاجتهاد في الإجراءات في ضوء المتطلبات السابقة، وبالجملة يمكن بيان أهم الإجراءات العملية لشرح حياة البرزخ للأطفال من خلال الآتي:
تعزيز التفكير التخيلي
ترتكز حقيقة البرزخ على تفعيل التفكير التخيلي؛ نظراً لأن البرزخ هو أمر غير مشاهد في حياة الإنسان، ما يعني افتقاره إلى التخيل المطرد، وبصورة عامة فيتوجب على المربي تعزيز هذا النوع من التفكير عند الأطفال؛ ليتسنى تقديم حقيقة البرزخ لهم بصورة ناجعة.
تقديم المعلومة بلغة مبسطة
ويتأتى ذلك استجابة لما جاء على لسان سيدنا علي -رضي الله عنه-: (قَالَ عَلِيٌّ: حَدِّثُوا النَّاسَ بما يَعْرِفُونَ؛ أتُحِبُّونَ أنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ ورَسولُهُ؟)،من هنا فإن في ذلك توجيه لتقريب اللغة حال طرح الموضوعات وفق مستوى السامع، ولمّا اتسم الأطفال بالتفكير الحسي البسيط، بات لزماً تقديم حقيقة البرزخ بالصورة الحسية، وذلك عبر طرح الأمثلة المبسطة، والتي يتم فيها توظيف المفاهيم والأدوات الحسية.
توظيف المجسمات التقريبية
تعتبر المجسمات بأحجامها المتمايزة أحد أهم الوسائل التي يتم من خلالها تقريب المعلومة للسامع بصورة عامة وللطفل بصورة خاصة، ويستنبط ذلك مما رواه أنس بن مالك: (خَطَّ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- خُطُوطًا، فَقَالَ: هذا الأمَلُ، وهذا أجَلُهُ، فَبيْنَما هو كَذلكَ إذْ جَاءَهُ الخَطُّ الأقْرَبُ).
وعليه فقد قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- حقيقة الأمل والأجل من خلال التجسيم الخرائطي، عبر رسم الخطوط المجسمة لذلك، من هنا يمكن الاستعانة بالمجسمات التي تبين مراحل الوجود؛ بدءاً بالحياة الدنيا، مروراً بالبرزخ، وصولاً إلى الدار الآخرة، مع ضرورة التنبه إلى تناسب كل مجسم من حيث حجمه ومكوناته مع طبيعة المرحلة.
إجادة ضرب الأمثلة
من الأهمية بمكان أن يتسم المربي بالحنكة والتفطن، عبر ضرب الأمثلة التي تقرب فكرة البرزخ للطفل، ويعتبر هذا الإجراء إجراءً أصيلاً؛ انطلاقاً من قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ).
ويحسن بالمربي أن يضرب الأمثلة التقريبية؛ كأن يقول للطفل أن محاسبة الطفل على أعماله إنما تتم على مرحلتين؛ المرحلة الأولية تكون لدى المعلم؛ ثم يتم الانتقال للمرحلة الأخرى وهي المحاسبة لدى الإدراة المدرسية الهيئات العليا.