شرح حديث (من رأى منكم منكرًا)
حديث: من رأى منكم منكرًا
أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَوَّلُ مَن بَدَأَ بالخُطْبَةِ يَومَ العِيدِ قَبْلَ الصَّلاةِ مَرْوانُ. فَقامَ إلَيْهِ رَجُلٌ، فقالَ: الصَّلاةُ قَبْلَ الخُطْبَةِ، فقالَ: قدْ تُرِكَ ما هُنالِكَ، فقالَ أبو سَعِيدٍ: أمَّا هذا فقَدْ قَضَى ما عليه سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ).
شرح حديث: من رأى منكم منكرًا
معاني مفردات الحديث
نبيّن تاليًا معاني مفردات الحديث:
- مُنْكَرًا: المنكر هو كلُّ ما تحكم العقولُ الصحيحةُ بقُبْحِه أَو يُقَبِّحُه الشَّرْعُ أَو يُحرِّمه أَو يكرهُه.
- الإيمانِ : الاعتقاد بالله وبمحمد رسول الله بالقلب، والنطق به باللسان، والعمل بما لا يناقض ذلك.
المعنى الإجماليّ للحديث
لما خالف مروان بن الحكم السنة في تقديم الصلاة على خطبة العيد، قام إليه رجل ممن حضروا، فأنكر عليه تغيير السنة بجعل الخطبة قبل الصلاة؛ فكان رد مروان بأنه إذا أخر الخطبة فسيترك الناس استماع الخطبة ويذهبون قبلها، ويحتمل أن يكون المعنى أنه قد ترك العمل بتقديم الصلاة الذي كان في الزمن الماضي؛ وأقر أبو سعيد على الرجل بإنكاره لمروان وقال أما هذا الرجل فقد أدى ما وجب من النهي عن المنكر بلسانه، وفي تتمة الحديث يبيّن النّبي -صلى الله عليه وسلم- طرق كيفية النّهي عن المنكر وتغييره وأخبرنا بأنّ ذلك يكون بثلاثة أساليب كالتالي:
- أولًا: التغيير باليد وهذا إذا كان للإنسان قوة وسلطة ويكون قدر استطاعته، وذلك مثل كسر أواني الخمر وآلات الملاهي ونحو ذلك.
- ثانيًا: إذا تعذّر على المسلم تغيير المنكر بيده يُنتقل للأسلوب الثاني وهو التغيير باللسان ويكون بالتذكير وعظًا وإرشادًا بالتي هي أحسن، وإلا فما يقتضيه من الزجر والإغلاظ دون فحش إن كان أنفع.
- ثالثًا: إذا تعذّر تغيير المنكر باليد واللسان، انتقل إلى أضعف أسلوب في تغيير المنكر، وهو إنكاره بالقلب وكراهته وتجنّب مجالسة أهله، وهذا أضعف الإيمان إذ لا بدّ من إنكار المنكر ولا طريقة غيرها.
ما يرشد إليه الحديث الشريف
في الحديث جملةٌ من الفوائد والمعاني، نذكر منها ما يلي:
- ضرورة إنكار المنكر حتى لا يصير مستسهلًا عند العامّة.
- أهمية الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر .
- الحثّ على التدرج في إنكار المنكر حسب الاستطاعة.
ضوابط في تغيير المنكر
لتغيير المنكر ضوابط أقرّها ابن تيمية، وينبغي للمسلم مراعاتها والتّحلي بها، وهي كما يأتي:
- أن لا يكون في الأمر بالمعروف أو إنكار المنكر تقصير أو مبالغة.
- أن تكون المصلحة في إنكار المنكر راجحة على ما قد يترتب على ذلك من مفاسد.
- أن لا يكون في إنكار المنكر تعديًا على صاحب المعصية سواء بزيادة الزجر أو بالعقوبة ونحوه، لقول الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.
- أن يكون المُنكر متحليًا ب الأخلاق الحسنة من الحلم والصبر والأناة، حتى يكون إنكاره على الوجه المشروع وأكثر قبولًا.
- أن لا ينهى عن المنكر بطريقة منكرة؛ إذ لا بدّ للمنكِر أن يكون عالمًا بما ينكره وقادرًا على إزالته بطريقة صحيحة.
- أن لا يترتب على إنكار المنكر مفسدة أعظم لنهي الشّرع عن ذلك، قال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}.