شرح حديث (رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ...)
شرح حديث (رغم أنف رجل دخل عليه رمضان...)
نص الحديث
ورد هذا الحديث الشريف بصيغ متعددة وهو حديث صحيح ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن أشهر صيغ هذا الحديث: صعد رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- المنبرَ فلمَّا رقِي عَتبةً قال: (آمينَ) ثمَّ رقي عتبةً أخرى فقال: (آمينَ)، ثمَّ رقي عتبةً ثالثةً فقال: (آمينَ)، ثمَّ قال: أتاني جبريلُ فقال: يا محمَّدُ مَن أدرَك رمضانَ فلم يُغفَرْ له فأبعَده اللهُ، قُلْتُ: آمينَ).
ثم يكمل فيقول: (ومَن أدرَك والديه أو أحدَهما فدخَل النَّارَ فأبعَده اللهُ قُلْتُ: (آمينَ)، فقال: ومَن ذُكِرْتَ عندَه فلم يُصَلِّ عليكَ فأبعَده اللهُ، قُلْ: (آمينَ)، فقُلْتُ: (آمينَ))، وفي رواية أخرى قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رغِمَ أَنفُ رجلٍ ذُكِرتُ عندَهُ فلم يصلِّ عليَّ، ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ علَيهِ رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبلَ أن يُغفَرَ لَهُ، ورغمَ أنفُ رجلٍ أدرَكَ عندَهُ أبويهُ الكبرَ فلم يُدْخِلاهُ الجنَّةَ).
المعنى الإجمالي للحديث
الحديث الشريف فيه دعاء من جبريل -عليه السلام- ويؤَمِّن النبي -صلى الله عليه وسلم- على دعاء جبريل؛ وبذلك يكون الدعاء مجاباً عند الله -تعالى-؛ لأنه دعاء النبي وجبريل، وقد دعا النبي على من أدرك رمضان ولم يغفر له، أو أدرك والديه ودخل النار، أو ذكر في حضرته النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يصل عليه-؛ فكل أولئك دعا عليهم النبي أن يبعدهم الله وفي الرواية الأخرى قال: "رغم أنفهم".
ومعنى أبعده الله أي طرده عن رحمته؛ فأدى به إلى الهلاك والبعد عن الجنة، ومعنى "رغم أنف"؛ أي ألصق في الرغام وهو التراب، وهو كناية عن الذل والمهانة لمن أطلق عليه هذا اللفظ.
الأصناف التي ذكرت في حديث (رغم أنف رجل دخل عليه رمضان...)
دعا النبي -صلى الله عليه وسلم بالهلاك والإهانة والطرد من رحمة الله كما بينا ذلك آنفاً؛ على ثلاثة أصناف وهي:
- أولاً: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له ذنبه
وسبب ذلك أن هذا الشخص قد أتيحت له عدة أسباب لمغفرة الذنوب في هذا الشهر العظيم وهي، صيام رمضان، قيام رمضان، قيام ليلة القدر ، الدعاء والتوبة في هذا الشهر الفاضل، وكل هذه أسباب لمغفرة الذنوب كما بينتها أحاديث النبي، ولكنه قصر بكل هذه الفرص ولم يستغلها ففاتته مغفرة الله -تعالى-.
- ثانياً: من أدرك والديه أو أحدهما
فلم يكونا سبباً لدخوله الجنة أو كانا سبباً في دخوله النار؛ فالحديث بلفظه الأول يدل على جريمة عقوق الوالدين ودعاء النبي على العاق؛ لأن والديه كانا سبباً في دخوله النار بسبب عقوقه لهما، واللفظ الآخر للحديث "فلم يُدْخِلاهُ الجنَّةَ"؛ أي لم يكونا سبباً في دخوله الجنة بسبب انتفاء بره بهما.
- ثالثاً: من لم يصل على النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ذكر أمامه
حيث إن الصلاة على النبي تدل على احترام الشخص لمقام النبي وتوقيره وتعظيمه، ومن لم يكن فيه ذلك الاحترام فسحقاً وبعداً وذلاً له؛ لأنه لم يحفظ مقام النبي ولم يوقره بالصلاة عليه، والصلاة على النبي من الله ثناء من الله للنبي ومن العبد تعظيم وتوقير للنبي ومن الملائكة تعظيم وتوقير كذلك.
وفي هذا الحديث تحذير شديد اللهجة من النبي -صلى الله عليه وسلم- من ارتكاب أحد هذه المخالفات العظيمة الشنيعة، وفيه وعيد من النبي لمن فعل أحدها، فعلى المسلم أن يحذر كل الحذر من هذه الذنوب.
الدروس المستفادة من حديث (رغم أنف رجل دخل عليه رمضان...)
اشتمل هذا الحديث الشريف على فوائد ودروس وعبر لا تكاد تحصى، ومن هذه الفوائد ما يأتي:
- أولاً: التحذير الشديد من تفويت مواسم الخيرات
كشهر رمضان ، وحماقة من يضيع هذه الفرص العظيمة؛ التي تغفر فيها الذنوب وتضاعف فيها الأجور.
- ثانياً: التأكيد على أهمية بر الوالدين والحذر الشديد من عقوقهما.
- ثالثاً: أهمية الصلاة على النبي
وهي شكل مهم من أشكال احترامه وتعظيمه وهي واجبة على الإنسان يومياً في الصلاة المفروضة ، ومندوبة في غير الصلاة.
- رابعاً: أدب النبي الكريم
حيث لم ينتصر لنفسه فلم يقل "آمين" عند الحديث عن الصلاة عليه؛ بل استجاب لأمر جبريل عندما أمره أن يقول آمين، كما في الحديث الشريف: "ومَن ذُكِرْتَ عندَه فلم يُصَلِّ عليكَ فأبعَده اللهُ، قُلْ: آمينَ، فقُلْتُ: آمينَ".
- خامساً: حرص الصحابة على متابعة النبي
والاهتمام الشديد البالغ في الانتباه لكل مقالات النبي وأفعاله وأقواله؛ حيث سمعوا أن النبي يقول: آمين؛ فسألوه عن ذلك فأجاب بأن جبريل كان يدعو، والصحابة لم يسمعوا جبريل بل علموا ذلك من سؤالهم للنبي.