شرح حديث (اللهم اهدني فيمن هديت)
حديث (اللهم اهدني فيمن هديت)
قال الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-: "علَّمني رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- كلماتٍ أقولُهنَّ في الوترِ قال ابنُ جوَّاسٍ في قنوتِ الوترِ: (اللهمَّ اهدِني فيمن هديتَ وعافِني فيمن عافيتَ وتولَّني فيمن تولَّيتَ، وبارِكْ لي فيما أعطيتَ، وقِني شرَّ ما قضيتَ إنك تَقضي ولا يُقضى عليك، وإنه لا يَذِلُّ من واليتَ، ولا يعِزُّ من عاديتَ تباركتَ ربَّنا وتعاليتَ).
شرح حديث (اللهم اهدني فيمن هديت)
يُسمّى الدعاء الوارد في حديث الحسن بدعاء القنوت، وفيما يأتي تفصيل وشرح لجزئيات هذا الحديث الشريف:
- (اللهم اهدني فيمن هديت)
أي اجعلني يا الله من عبادك الذين هديتهم إلى صراطك المستقيم؛ ف الدعاء بالهداية وطلبه من أعظم ما يدعو به العباد ربّهم وخالقهم -تبارك وتعالى-، وهذا المطلوب يُكرّره المسلم في كلّ ركعة من ركعاته في جميع الصلوات، فسورة الفاتحة اشتملت على هذا الدعاء، وطلب الهداية يتضمّن التثبيت على ما هو عليه العبد من الهداية وطلب المزيد منها.
- (وعافني فيمن عافيت)
في هذه الجملة دعاء وطلب المعافاة من الله -تعالى-، والمعافاة هي الوقاية من كلّ سوءٍ ومن جميع الشرور وأنواع الأذى، ومعناه اجعلني يا ربّي في جملة عبادك الذين عافيتهم وأكرمتهم بمعافتك.
- (وتولني فيمن توليت)
دعاء وسؤال الله -تعالى- أن يجعل الداعي من الذين تولّاهم ووفقّهم لرضاه وسدّدهم للخير، كما فُسّر التولّي في هذه العبارة بالحب، أي أحبّني يا الله مع عبادك المحبوبين إليك واجعلني واحدًا منهم، واحفظني في جميع أمري.
- (وبارك لي فيما أعطيت)
سؤال الله -تعالى- أن يرزق العبد البركة، وأن يطرحها في كلّ أموره وجميع شؤونه وفي جميع ما يملك؛ أي بارك لي يا ربّي في كلّ ما رزقتني من خير، وهذا يشمل الصحة والعافية، والذريّة والمال والعلم والهُدى، وكلّ ما أُعطي العبد من خير ونعمة، كما يشمل أيضًا خيري الدنيا والآخرة، ف المؤمن يعلم أنّ له ربًّا كريمًا فيسأله الزيادة ويطلب منه النعمة.
- (وقني شرّ ما قضيت)
دعاء الله -تعالى- أن يجعل العبد في وقاية ومنعة من كلّ شرٍّ وخطرٍ وضرر، فالله -عزّ وجلّ- كتب كلّ شيء في اللوح المحفوظ وقدّره، وخلق الأسباب والمسبّبات، وقدّر أيضًا أنّ الدعاء قد يكون سببًا في حفظ العبد وأمانه؛ من شرّ وبلاء كان سيقع به لو لم يُيسّر للدعاء، ويُكثر من المناجاة والتضرّع، فكلّ ما هو كائن يقع ضمن قدر الله وتدبيره الحكيم.
- (فإنّك تقضي ولا يُقضى عليك)
أيّ إنّ القضاء والقدر بيد الله -تعالى- وحده، فهو الذي يُقدّر للكائنات وجميع المخلوقات ما سيحلّ بها وما ستكون عليه، وليس لأحد أي سلطة أو أثر في تغيير القدر أو ردّ القضاء، فالله -تعالى- هو الذي يحكم بين عباده ويُشرّع لهم، ويقدّر عليهم ما يريده وفقًا لمشيئته وإرادته، وحكمته المطلقة وعدله التام الكامل.
- (وإنّه لا يذل من واليت)
من الموالاة وهي ضدّ المعاداة، وفي هذه العبارة اعتراف من العبد أنّ من والاه الله -تعالى- وجعله في ولايته، وحفظه ورعايته ستكون له العزّة والمنعة، ولن يتمكّن أحد من إذلاله والحط من شأنه؛ فقدْره مرفوعٌ عند ربّه -سبحانه وتعالى-.
- (ولا يعزّ من عاديت)
أي من كان عدوًّا لله -تعالى- محاربًا لدينه فإنّه لن يملك شيئًا من العزّة، والمقصود بالعزّة هنا؛ القرب من الله -تعالى- والقوّة به، والحصول على تأييده وتثبيته، فمهما يكن لأعداء الله من حظ في الدنيا، ومهما حقّقوه من نصر، أو ربح، أو مجد دنيوي، فهذا ليس عزًّا حقيقيًا؛ وإنّما العزّ الحقيقي لا يتحصّل إلّا ب طاعة الله -تعالى- وبالإيمان به وبالحرص على رضاه -سبحانه-.
- (تباركت ربنا وتعاليت)
أي زدت في الخير؛ فالبركة هي النماء والزيادة، وارتفعت عن كلّ مشابهة مع أي شيء، وهذه الجملة لا تُقال إلّا لله -تعالى- وحده دون سواه، فهو الذي تبارك وهو الذي تعالى، وهو الذي يُبارك على عباده ويزيدهم من فضله.
تخريج حديث (اللهم اهدني فيمن هديت)
أخرج حديث (اللهم اهدني فيمن هديت) كثيرٌ من المحدّثين وأصحاب السنن؛ كالإمام الترمذي، وأبي داود، وابن ماجه، وغيرهم، وهو حديثٌ حسن ، وقد قال عنه الإمام الترمذي: "هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه.. ولا نعرف عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في القنوت في الوتر شيئًا أحسن من هذا".