شرح حديث (إنما الأعمال بالخواتيم)
متن وتخريج حديث (إنَّما الأعمالُ بالخواتيمِ)
لقد صح هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأخرجه ابن حبان في صحيحه بلفظ: (إنَّما الأعمالُ بالخواتيمِ)، وقد ثبت هذا الحديث عند الإمامين البخاري ومسلم -رحمهما الله- ولكن بألفاظ أخرى غير هذا اللفظ.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في صحيح البخاري: (فَواللَّهِ إنَّ أحَدَكُمْ -أوْ الرَّجُلَ- يَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ، حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَها غَيْرُ باعٍ أوْ ذِراعٍ، فَيَسْبِقُ عليه الكِتابُ فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ، فَيَدْخُلُها، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ، حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَها غَيْرُ ذِراعٍ أوْ ذِراعَيْنِ، فَيَسْبِقُ عليه الكِتابُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُها).
المعنى العام لحديث (إنَّما الأعمالُ بالخواتيمِ)
إن العبرة في علاقة الإنسان مع ربه من جهة الإيمان والكفر محصورة في الحالة التي يموت عليها، فإن مات على الكفر -والعياذ بالله- بُعث يوم القيامة كافراً، ولو كان قبل الكفر مؤمناً، إذ العبرة بخاتمة عمله في حياته، وكذلك لو أنه مات على الإيمان بالله -تعالى- فإنه يبعث يوم القيامة مؤمناً، ولو أمضى معظم حياته على الكفر؛ إذ العبرة بالحال التي مات عليها الإنسان، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ علَى ما ماتَ عليه).
ومن جهة أخرى، فإن الحديث كذلك يشير إلى الحال الإيمانية والعمل الصالح عند المسلم، فإن المؤمن يُبعث على الحالة الإيمانية التي مات عليها، وعلى العمل الذي مات عليه، فمن مات مؤمناً على حسن خاتمة وعمل صالح، فإنه يُبعث عليه، ومن مات على معصية وسوء خاتمة، فإنه يُبعث عليها يوم القيامة.
وقد دلّ على هذا مجموعة من الأحاديث الصحيحة ، ومن ذلك ما صح: (أنَّ رَجُلًا كانَ مع النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وهو مُحْرِمٌ، فَمَاتَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: اغْسِلُوهُ بمَاءٍ وسِدْرٍ، وكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْهِ، ولَا تَمَسُّوهُ بطِيبٍ، ولَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فإنَّه يُبْعَثُ يَومَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا).
حيث إنّ هذا الرجل أسقطته دابته، فكسرت عنقه فمات وهو محرم بالحج، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعاملوه معاملة المحرم الذي لا يجوز أن يغطى رأسه، ولا يمس شيئاً من العطر والطيب، وسبب ذلك أنه سيبعث يوم القيامة وهو محرم يلبي الله -تعالى- ويقول: لبيك اللهم لبيك، فهذا يدل على أن العبرة بخاتمة عمل الإنسان من العمل.
الدروس المستفادة من حديث (إنَّما الأعمالُ بالخواتيمِ)
إن هذا الحديث من جوامع الكلم التي أوتيها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو يجمع فوائد كثيرة، ومن هذه الفوائد ما يأتي:
- محاسبة النفس والمداومة على الطاعة
دعوة الناس وحثّهم على مداومة الاستعداد للقاء الله -تعالى- على أحسن حال؛ إذ الإنسان لا يعرف موعد أجله، فمن اتّعظ من هذا الحديث بقي مستعداً للقاء الله -تعالى- وهو على حسن العمل والإيمان.
- المسارعة للتوبة
في هذا الحديث دعوة للناس إلى المسارعة بالتوبة وتجديدها مهما فعل الإنسان من المعاصي في حياته وأكثر منها، فلا ييأس وليبادر إلى التوبة، فإن العبرة بخاتمة عمل الإنسان.
- فضل الله -تعالى- على عباده
يدل الحديث على عظيم كرم الله -تعالى- مع الذين أسرفوا على أنفسهم، ثم ماتوا على حسن خاتمة، حيث يعاملهم الله بفضله على ما ماتوا عليه ويعفو عما سلف.
- تحذير المؤمن من الاغترار بعمله
في هذا الحديث تحذير للمؤمن من أن يغتر ب عمله الصالح ويغفل فيقع بالمعاصي، حيث إن المرء لا يعلم موعد وفاته، فيخاف المؤمن أن يموت وهو على معصية.