شرح حديث (إن في الجنة غرفًا ترى ظهورها من بطونها ...)
نص الحديث
عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ في الجنَّةِ غُرفًا تُرى ظُهورُها من بطونِها وبطونُها من ظُهورِها، فقامَ أعرابيٌّ فقالَ: لمن هيَ يا رسولَ اللَّهِ؟ فقالَ: لمن أطابَ الكلامَ، وأطعمَ الطَّعامَ، وأدامَ الصِّيامَ، وصلَّى باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ).
التعريف براوي الحديث
هو أمير المؤمنين، كنيته أبو الحسن، واسمه عل ي بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، القرشي الهاشمي، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، وهي بنت عم أبي طالب، كانت من المهاجرات، توفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
وكان علي بن أبي طالب من السابقين الأولين للإسلام، حيث أسلم وعمره تسع سنوات، شهد غزوة بدر وما بعدها، وكان يكنى أبا تراب أيضا، وهو رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين في الجنة، وابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- وصهره، وكان شجاعا عالماً، وله مكانة عظيمة عند الله ورسوله.
حيث كان الله ورسوله يحبانه، ووردت أحاديث كثيرة في بيان فضائله، توفي في عام أربعين للهجرة على يد الخارجي عبدالرحمن بن ملجم -عليه من الله ما يستحق-.
شرح الحديث
هذا الحديث حديث رواه الإمام الترمذي في جامعه، وحسنه الإمام الألباني في صحيح الترمذي، وهذا حديث عظيم يتكلم عن الجنة وما فيها من نعيم مقيم، وسأتناول شرح هذا الحديث بما يأتي:
ما هي الجنة
الجنة هي الدار التي أعدها الله -تعالى- لعباده المؤمنين، وقد أخبر الله -تعالى- عن صفات الجنة في كتابه العزيز، فأخبر أن عرضها كعرض السماوات والأرض، قال الله -تعالى-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).
وأخبر عن النعيم الذي أعده فيها لعباده المؤمنين، فقال الله -تعالى-: (مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتي وُعِدَ المُتَّقونَ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلكَ عُقبَى الَّذينَ اتَّقَوا وَعُقبَى الكافِرينَ النّارُ).
شرح قوله: (إنّ في الجنة غُرفًا تُرى ظُهورُها من بطونِها وبطونُها من ظُهورِها)
يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى عن النعيم الجنة، فيخبر أنّ فيها غرفاً، والغرفة هي الحجرة، وهذه الحجرة صفتها أنها شفَّافةٌ يَرى مَن بداخِلِها مَنْ خارِجَها، ويَرى مَن خارِجَها مَنْ بداخِلِها، كأنْ تكونَ من زُجاجٍ أو أَلْماسٍ أو دُرٍّ وياقوتٍ، ولا يَعلَمُ حَقيقَتَها إلَّا اللهُ.
والجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فقد ثبت في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قالَ اللَّهُ: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ).
شرح قوله: (فقامَ أعرابيٌّ فقالَ: لمن هيَ يا رسولَ اللَّهِ؟ فقالَ: لمن أطابَ الكلامَ، وأطعمَ الطَّعامَ، وأدامَ الصِّيامَ، وصلَّى باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ)
لما سمع أحد الصحابة من الأعراب هذا النعيم الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة في هذا الحديث، سارع بالسؤال لمن تكون هذه الغرفات؟ أي ما هي الأعمال التي من قام بها استحق هذا النعيم، وفي هذا دليل على حرص الصحابة على الخير، فأخبرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الأعمال التي تكون سببا في نيل هذا النعيم المقيم، وهذه الأعمال هي:
- الكلام الطيب: وذلك بقول ما يرضي الله -تعالى- والبعد عن كل كلام قبيح أو شر، وهذا دليل على حسن الخلق مع الناس.
- إطعام الطعام: وإطعام الطعام دليل على كرم نفس صاحبها، والكرم صفة ممدوحة في المسلم، وعكسها البخل وهي صفة مذمومة، ويعظم أحر إطعام الطعام إذا تم إنفاقه على الفقراء والجوعى والمساكين.
- إدامة الصيام: أي الإكثار من الصيام، والصيام ركن من أركان الإسلام ، وهو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر حتى غروب الشمس.
- وصلى بالليل والناس نيام: أي أنه حريص على قيام الليل، والناس مشغولون في النوم، فهو ترك النوم وانصرف للوقوف بين يدي الله -تعالى-.