شرح حديث (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)
شرح حديث (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)
ورد الحديث الشريف من عدة طرق وأصحها، عن أبي يعلى شداد بن أوس -رضي الله-، قال: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُما عن رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- قالَ: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ).
إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ
يخبر الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن الإحسان يكون في كل شيء، وهنا يفيد العموم وليس خاصاً بحال معين، أو أمر خاص، والله -عز وجل- كتبه أي شرَّعه وأوجبه، وكتب من قُبّيْل الكتابة الدينية الشرعية، التي تفيد الوجوب، مثل قوله -تعالى-: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى)، ويُبين الحديث كيف يكون الإحسان في القتل والذبح.
والحديث ينص على وجوب الإحسان في كل الأعمال، كما أمر الله -سبحانه- في قوله: (أَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وقد يكون واجباً، كالإحسان إلى الوالدين ، وفعل الطاعات على أكمل وجه، والابتعاد عن المُحرمات، وقد يكون تطوعاً، بفعل المستحبات من عبادات، أو صدقات، ومعاملة الخلق ومعاشرتهم، والرفق بالحيوان.
فَإِذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ
ويكون فيما يجوز قتله من الحيوان عند الذبح، بوجوب إزهاق نفسه بسرعة، ولا يُعذبه، لأنه إيلام له، ولا يُمثل به، أو يُحرق بالنار، وقد قيل بأن أسرع وأسهل طريقة لقتل الآدمي، هي ضربة السيف في العنق، قال -تعالى-: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ)، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (ولا تُمثِّلوا، ولا تقتُلوا وليدًا).
وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ
الإحسان إلى الذبيحة عند ذبحها، وذلك بأن يرفق بها، ولايصرعها بغتة، ولا يجرُّها من مكان إلى آخر، ويوجها باتجاه القبلة، ولا يعذبها قبل ذبحها، وأن يزهق روحها بسرعة، بقطع الحلقوم والودجين، ويتركها حتى تبرد، وعليه أن يشكر ربه على نعمه.
وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ
ومن الإحسان أيضاً إلى الذبيحة، بأن يريحها، ويعرض عليها الماء قبل الذبح، ويكون الذبح بآلة حادة، ويقطع مكان الذبح بسرعة دون تعذيبها، أوإزهاق روحها ببطء، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إذا ذبَح أحدُكُم فليُجْهِزْ)، ويُكره أن يحد سكِّينه والبهيمة تنظر إليه، ويُكره أن يذبحها أمام ذبيحة أخرى تنظر إليها.
ومما جاء في السنة، أنَّ رجلًا أضجَع شاةً وهو يحُدُّ شِفرتَه فقال النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: (أُتريدُ أن تُميتَها موْتتَيْن هلَّا أحدَدْتَ شِفرتَك قبل أن تُضجِعَها). فينبغي للإنسان أن يتفقد آلة الذبح، وأنها تذبح بسهولة، ويحصل بها المطلوب، ومعنى يُحد شفرته، بأن يجريها على الحديدة التي تجعلها حادة، وتمضي عند الذبح، فلا يتعذب بها الحيوان.
مفهوم الإحسان
الإحسان مرتبة من مراتب الدين الثلاث، الإسلام، والإيمان، والإحسان، فهو ضد الإساءة، ويعني إتقان الأعمال على أكمل وجه، وحسن أداء، بالتوجه بها إلى الله -تعالى- ويكون الإحسان إلى الله -سبحانه- بأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، والإحسان إلى العباد، بتعامله وأخلاقه، وإيصال أنواع الخير لهم، وما ينفعهم في دينهم ودنياهم، و الرفق بالحيوان والإحسان إليه.
من الأدلة الشرعية الحاثَّة على الإحسان
سنذكر بعض الأدلة الدالة على الإحسان فيما يأتي:
- قال -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ).
- قوله -جل وعلا-: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ).
- أيضاً في الحث على الإحسان قال -تعالى-: (وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
- حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام- بقوله: (إذا حكمتُم فاعدِلوا، وإذا قتلتُم فأَحسِنوا، فإنَّ اللهَ مُحسنٌ يحبُّ المحسِنين) .
- وسؤال جبريل -عليه السلام- للنبي -عليه الصلاة والسلام- (قال: حدثني ما الإحسانُ؟ قال: أنْ تعملَ للهِ كأنَّك تراهُ فإن كنتَ لا تراه فإنه يراكَ) .
الدروس والعِبر المستفادة من الحديث الشريف
نستنتج من الحديث الشريف، بعض الأحكام الشرعية، والفوائد العديدة في حياة الإنسان، ينبغي الانتباه لها، والعمل بها، ومنها ما يأتي:
- إن الدين الإسلامي حث على الرحمة والرفق بالحيوان، من زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس من جماعات الرفق بالحيوان.
- تحريم التمثيل بالحيوان أوالآدمي بعد القتل، وتشويه جثته، وحرقه.
- النهي عن تعذيب الحيوان عند الذبح، واتباع آداب ذبح الحيوان .
- في الحديث الأمر بالإحسان في كل شيء، من خلال لفظ كتب التي تفيد الوجوب، ويبيِّن سماحة الشريعة الإسلامية، والسهولة والتيسير.
- ضرْب النبي -صلى الله عليه وسلم- مثالاً للإحسان في القتل، وعند الذبح، والسُنن المتبعة.