شرح القصيدة الدمشقية
شرح أبيات القصيدة الدمشقية
هذه القصيدة كتبها الشاعر السوري المشهور نزار قباني في اغترابه عن بلاده، معبرًا فيها عن حبه لمدينة دمشق، وقد ولد الشاعر نزار بن توفيق القباني في 21 آذار/مارس من عام 1923م، وكان يقيم مع أسرته في بيت من بيوت دمشق القديمة، ويُعدّ جدّه أبو خليل القباني من رواد المسرح في الوطن العربي، وقد كان والده من رجال الثورة السورية على الاحتلال الفرنسي، كما إنه كان تاجرًا ميسورًا يسخّر ماله في سبيل الثورة، وقد اعتقله الفرنسيون في وقت ما بسبب مساندته للثورة وكونه أحد قادتها، ويقول الشاعر في قصيدته:
هذي دمشق وهذي الكأس والراح
:::إني أحب وبعض الحب ذباح
أنا الدمشقي لو شرحتمُ جسدي
:::لسال منه عناقيدٌ وتفاح
ولو فتحتم شراييني بمديتكم
:::سمعتم في دمي أصوات من راحوا
يقول الشاعر في هذه الأبيات إنّ هذه هي دمشق، المدينة الساحرة التي تُسكِر الناظر إليها من دون خمر، بل وتذبحه من شدّة الحبّ الذي تزرعه في قلبه، وهذا من المجاز، ثمّ يقول الشاعر إنّه ابن دمشق الذي تجري في عروقه عناقيدها وكرومها وبساتين التفاح، وهو الذي تجري في دمائه محبة الأهل والأصحاب والناس الذين سكنوا دمشق منذ الأزل وحتى ذلك اليوم الذي كتب فيه هذه القصيدة.
زراعة القلب.. تشفي بعض من عشقوا
:::وما لقلبي -إذا أحببتُ- جراح
ألا تزال بخير دارُ فاطمةٍ
:::فالنهد مستنفر والكحل صبّاح
إنّ النبيذ هنا نارٌ معطرةٌ
:::فهل عيون نساء الشام أقداح
يرى الشاعر أنّ قلبه المتعب بحب دمشق ليس له علاج على عكس أمراض القلب الأخرى، ثمّ يتساءل عن ديار النساء اللواتي عرفهنّ في دمشق ألا تزال كما كانت عليه، وهذا السؤال مجازي يعني من ورائه أنّه هل تغيّر أهل الشام، ويرمز بالنساء إلى الجمال، لذلك فهو يصف المفاتن في أجساد النساء كالنهد والعيون والكحل وغيره.
مآذن الشام تبكي إذ تعانقني
:::وللمآذن كالأشجار أرواح
للياسمين حقوقٌ في منازلنا
:::وقطة البيت تغفو حيث ترتاح
طاحونة البن جزءٌ من طفولتنا
:::فكيف أنسى؟ وعطر الهيل فواح
هذا مكان "أبي المعتز" منتظرٌ
:::ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاح
هنا جذوري.. هنا قلبي.. هنا لغتي
:::فكيف أوضح؟ هل في العشق إيضاح؟
كم من دمشقيةٍ باعت أساورها
:::حتى أغازلها والشعر مفتاح
في هذا المقطع يُعبّر الشاعر عن حنينه للوطن من خلال ذكر المآذن التي تشتاق إليه كون دمشق مدينة تعجّ بالمساجد، وكذا كان اسم حارته "مئذنة الشحم"، فقد يكون قصد دمشق بأكملها من خلال ذكر مساجدها والرموز الدينية وقد يكون القصد هو حارته في الشاغور الحي الدمشقي العريق، ثمّ يحكي عن حنينه لشجرة الياسمين التي لا تفارق البيوت الدمشقية، هي والقطط التي تملأ صحن دار البيت الدمشقي التقليدي، وكذا يحنّ إلى رائحة البن وطاحونته ورائحته، ومكان جلوس أبيه في زاوية البيت ووجه والدته الذي يعانقه كل صباح.
ثمّ يقول إنّ هذا المكان الذي عاش فيه تعيش فيه روحه وقلبه وجذوره ما تزال هنالك ترتوي منه وتعيش مع ساكنيه تفاصيله اليومية، لذلك هو لا يستطيع أن يُفصح عن سبب حبّه له إذا ما سئل، فلا يمكن أن يُسأل عاشق لماذا أحبّ محبوبته، فهي أمور يصعب الإعراب عنها، ثمّ يردف بالقول إنّ ذلك المكان قد شهد على أولى قصائده وأشعاره التي كتبها وتناقلتها الحسناوات فيما بينهنّ.
أتيت يا شجر الصفصاف معتذرًا
:::فهل تسامح هيفاءٌ ووضاح؟
خمسون عامًا وأجزائي مبعثرةٌ
:::فوق المحيط وما في الأفق مصباح
تقاذفتني بحارٌ لا ضفاف لها
:::وطاردتني شياطينٌ وأشباح
أقاتل القبح في شعري وفي أدبي
:::حتى يفتح نوّارٌ وقداح
هنا يتوجّه الشاعر بالحديث إلى طبيعة دمشق الجميلة، فيُوجّه الخطاب نحو شجر الصفصاف الذي يكثر في غوطة دمشق وربوتها هل يسامحه على تقصيره وبعده عنه، بل هل يسامحه أهله وأحبابه الذي انقطع عنهم منذ زمن، ثمّ يبدي عذره لشجر الصفصاف ولأهله أنّه كان في غربة لم ترحمه وبعثرته وجعلته مشتّتًا يعاني عدم الاستقرار من دون أن تكون هنالك بارقة ضوء للعودة إلى الوطن، ويلمّح إلى أنّ هذا الإبعاد لم يكن بيده وإنّما قد أُرغم عليه، ولذلك فإنّه يقاتل بشعره كلّ أشكال القبح والبشاعة حتى تعود الأمور إلى نصابها وتعود البلاد جميلة كما كانت.
ما للعروبة تبدو مثل أرملةٍ؟
:::أليس في كتب التاريخ أفراح؟
والشعر ماذا سيبقى من أصالته؟
:::إذا تولاه نصابٌ ومداح؟
وكيف نكتب والأقفال في فمنا؟
:::وكل ثانيةٍ يأتيك سفاح؟
حملت شعري على ظهري فأتعبني
:::ماذا من الشعر يبقى حين يرتاح؟
في هذا المقطع يُكمل ما بدأه من أنّه قد أُبعِد عن دياره، فيسأل لماذا كل هذا الحزن والسواد يكسو بلاد العرب وكأنّهم لم يكونوا يومًا سادة الأرض، ويعتب على الشعراء الذين لم يحاولوا إصلاح ما قد تعطّل، وفوق ذلك فقد كانوا أجراء عند الحكّام يمدحونهم ويصفّقون لهم، ثمّ يسأل الشاعر نفسه عن جدوى قول كلمة الحق في هذا الجو الذي تُكبّل فيه الأيدي وتُغتصب الحريّات، ويُساق فيه الناس نحو الموت من السفاحين والمجرمين، وأخيرًا يقول نزار قباني إنّ شعره لما فيه من قوّة وجرأة وصدحٍ بالحقّ قد أتعبه كثيرًا وأبعده عن دياره، ولكن لا يمكن للشعر إلّا أن يكون كذلك وإلّا فهو ليس بشعر.
الأفكار الرئيسة في القصيدة الدمشقية
احتوت القصيدة الدمشقية على عدد من الأفكار الرئيسة، من أبرزها ما يأتي:
- استحواذ حب دمشق وتفاصيلها على حياة الشاعر وتفكيره.
- شوق الشاعر لموطنه وأهله وإلى كل من تركه وراءه في دمشق.
- ذكريات الشاعر في منزله ومدينته.
- اعتذار الشاعر عن غيابه الطويل عن وطنه والأسباب التي دفعته إلى ذلك.
- حسرة الشاعر على حال العرب والمثقفين الذين يعيشون في البلاد العربية.
- كلمات الشاعر الصادقة كانت عبئًا كبيرًا عليه.
معاني المفردات في القصيدة الدمشقية
تحوي القصيدة الدمشقية بعض الكلمات والمفردات غير المفهومة، ومنها ما يأتي:
الكلمة | المعنى |
الراح | اسم من أسماء الخمر. |
المُدية | اسم من أسماء السكّين. |
نوّار | زهر يتفتّح في الربيع. |
قدّاح | نوع من النباتات ينبت في العراق. |
الصور الفنية في القصيدة الدمشقية
حملت القصيدة الدمشقية في ثناياها كثيرًا من الصور الفنية، من أهمها ما يأتي:
- الحب ذبّاح: في هذه الجملة استعارة.
- لسال منه عناقيد وتفاح: في هذه العبارة كناية.
- النهد مستنفر، الكحل صيّاح: في هاتين العبارتين استعارة.
- الشعر مفتاح: في هذه العبارة كناية.
- أجزائي مبعثرة: في هذه العبارة استعارة.
- أقاتل القبح: في هذه العبارة استعارة، ويمكن أن تكون كناية أيضًا.
- العروبة تبدو مثل أرملة: في هذه العبارة تشبيه.
- الأقفال في فمنا: في هذه العبارة كناية.
تعد القصيدة الدمشقية من أشهر قصائد الشاعر السوري نزار قباني، إذ إنه كتبها ليُعبر فيها عن حبه وحنينه لوطنه، ويتجلى ذلك في وصف الشاعر لجمال الطبيعة في دمشق، وذكر المآذن التي تشتاق إليه كونها مدينة مليئة بالمساجد، كما يصف مدى شوقه لشجرة الياسمين ورائحة البن، وكذلك حنينه لوجه أمه في الصباح ومكان جلوس أبيه في البيت.