سنن عيد الأضحى المبارك
سنن عيد الأضحى للحاج
يُسن للحاج في يوم النحر وهو عيد الأضحى فعل مجموعة من الأمور، وهي كما يأتي:
رمي الجمرات
أول ما يقوم به الحاج عند وصوله إلى منى هو رمي الجمرات، وقد ذُكر أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمى جمرة العقبة في وقت الضحى، وأكمل البقية في أيام التشريق، وفى الأمر سعة حول وقت رمي جمرة العقبة؛ فمنهم من قال إنَّ وقتها يبدأ بعد منتصف ليلة يوم النحر، ومنهم من قال إنَّه بعد طلوع الفجر، وذهب بعضهم إلى أنَّها بعد طلوع الشمس، والسنة أن يرميها الحاج وقت الضحى كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ذبح الهدي
تعدَّدت الأقوال في وقت ومكان ذبح الهدي، وفيما يأتي بيان لذلك:
- الحنفية: ذبح هدي القِران والتمتع يكون في يوم النحر، واليومين التاليين له من أيام التشريق، ووقته بعد رمي جمرة العقبة ومكانه الحرم، أما أنواع الهدي الأخرى فلا زمن محدد لذبحها، ويجوز الذبح في منى إن كان وقت الذبح في أيام النحر.
- المالكية: وقت ذبح الهدي يبدأ في يوم العيد بعد رمي جمرة العقبة، ويمتد حتى انتهاء آخر يوم من أيام التشريق.
- الشافعية: يبدأ وقت ذبح الهدي الواجب النذر أو الهدي المندوب بعد صلاة العيد والخطبة، ويمتد حتى انتهاء آخر أيام التشريق، ويجوز الذبح في هذه الأيام ليلاً أو نهارا، والأفضل نهارا، أما الهدي الواجب على المتمتع فيكون في يوم النحر في الحرم.
- الحنابلة: وقت ذبح الهدي على اختلاف أنواعه يكون بعد صلاة العيد، وينتهي وقته بانتهاء اليوم الثاني من أيام التشريق، ومكان الذبح الحرم، والأفضل للحاج أن يذبح هديه في منى.
الحلق أو التقصير
الحلق أو التقصير من الأمور الواجبة على كل من المعتمر والحاج، وهو غير مقيد بمكانٍ معين، لكن من السنة أن يتم ذلك في الحرم في أيام النحر، ويكون للمرأة بتقصير بعض شعرها، وتعددت الآراء عند المذاهب الأربعة في مقدار التقصير أو الحلق للرجل، وفيما يأتي توضيح لذلك:
- المالكية والحنابلة: يجب حلق جميع شعر الرأس أو تقصيره.
- الحنفية: الاكتفاء بإزالة ما مقداره ربع الرأس.
- الشافعية: يكفي إزالة ثلاث شعرات أو قصّها.
طواف الإفاضة
طواف الإفاضة يُسمى أيضا طواف الزيارة، ويؤديه الحاج بعد نزوله من عرفة وبياته في المزدلفة، ثم يأتي يوم العيد فيذهب إلى منى، وهناك يرمي جمراته وينحر هديه ويحلق رأسه، ثم ينطلق إلى مكة المكرمة فيطوف في البيت طواف الإفاضة، وسمي بذلك؛ لأن الحاج يؤديه بعد إفاضته من منى إلى مكة المكرمة، وللمذاهب في وقت طواف الإفاضة قولان؛ وهما كما يأتي:
- الحنفية والمالكية: يبدأ طواف الإفاضة من طلوع الفجر الثاني يوم النحر.
- الشافعية والحنابلة: إنَّ وقت طواف الإفاضة يبدأ بعد منتصف ليلة يوم النحر.
سنن عيد الأضحى لغير الحاج
سنذكر فيما يأتي مجموعة من سنن وآداب عيد الأضحى المبارك لغير الحاج:
الأُضحية والمُضحّي
ا لأضحية قُرَبةُ العبد إلى ربّه في ضُحى يوم العيد ، بنوعٍ من بهيمة الأنعام؛ البَقَر، أو الغنم، أو المَعْز، أو الإبل، بنيّة التقرّب من الله -تعالى-، وتجدر الإشارة إلى إجماع العلماء على مشروعيّة الأُضحية، وأنّها من أحبّ الأعمال إلى الله -تعالى-.
وقد دلّ على مشروعيّتها ما ورد في السنّة النبويّة ممّا أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (ضَحَّى النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ واضِعًا قَدَمَهُ علَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي ويُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُما بيَدِهِ).
وتكمُن الحكمة من مشروعيّة الأُضحية باعتبارها سنّة نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام-، الدالّة على امتثاله لأمر ربّه، وانقياده لأوامره، كما أنّ في الأُضحية تعبيراً عن شُكْر الله على نِعَمِه التي لا تُحصى، وقد تعددت آراء العلماء في حكم الأُضحية، وذهبوا في ذلك إلى قولَين، وبيانهما فيما يأتي:
- جمهور الفقهاء
قال جمهور العلماء إنّ الأُضحية سنّةٌ مؤكّدةٌ، وليست واجبةً، ويُكره تَرْكها للقادر عليها، وقال المالكيّة إنّ الأفضل للمُضحّي أن يؤدّي أُضحيةً عن كلّ ممّن تلزمه نفقته، ويجوز أداء أُضحيةٍ واحدةٍ عن الكلّ، وقال الشافعيّة بأنّها سنّة عينٍ مؤكّدةٍ في حقّ المنفرد، مرّةً واحدةً في العُمر، وسنّة على الكفاية؛ حال تعدّد أفراد أهل البيت؛ بحيث إن ضحّى أحدهم أجزأت عن الكلّ.
وقد استدلّ الجمهور على قَوْلهم، بما ورد في السنّة النبويّة ممّا أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه، من قَوْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إذا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الحِجَّةِ، وأَرادَ أحَدُكُمْ أنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عن شَعْرِهِ وأَظْفارِهِ) ، فالأُضحية عُلّقت بالإرادة والاختيار في الحديث السابق؛ ممّا يعني أنّها ليست واجبةً، فالواجب لا يُخيّر به.
- الحنفية
قال الحنفيّة إنّ الأُضحية واجبةٌ مرّةً واحدةً في كلّ عامٍ، على مَن كان مقيماً في البلد، وقد استدلّوا على قَوْلهم بما ورد في السنّة النبويّة من قَوْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَنْ وَجَد سَعَةً فلم يُضَحِّ فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنا).
ويُستدلّ من الحديث على وُجوب الأُضحية بأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ذكر الوعيد الذي ينتظر مَن كان عنده سِعَةٌ وقدرةٌ، ولم يضحِّ، وفي ذلك دلالةٌ على وجوب الأُضحية؛ لأنّ الوعيد لا يترتّب إلّا على تَرْك واجبٍ، كما أنّ اختصاص الأُضحية بوقتٍ معيّنٍ يدلّ على وجوبها.
ويُستحسن بالمضحّي التحلّي بعددٍ من السُنَن المشروعة يوم النّحر، وفيما يأتي سنن عيد الأضحى للمُضحّي:
- ترك الأَخْذ من الشَّعَر، والأظافر؛ وذلك لِمَن نوى تقديم الأُضحية، قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: (إذا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الحِجَّةِ، وأَرادَ أحَدُكُمْ أنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عن شَعْرِهِ وأَظْفارِهِ)، فيمتنع المضحّي عن الأَخْذ من شَعْره وأظفاره من حين ثبوت رؤية هلال شهر ذِي الحِجّة، أو من حين إتمام شهر ذِي القِعْدة ثلاثين يوماً.
- التسمية عند ذَبْح الأُضحية، استدلالاً بقَوْله -تعالى-: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ).
- تأجيل الذَّبْح لما بعد صلاة العيد، استدلالاً بما ورد من صحيح قَوْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ أوَّلَ ما نَبْدَأُ به في يَومِنا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَن فَعَلَهُ فقَدْ أصابَ سُنَّتَنا، ومَن ذَبَحَ قَبْلُ، فإنَّما هو لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأهْلِهِ، ليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ).
- أَكْل المضحّي من الأُضحية، وقد ورد عن الإمام القرطبيّ في ذلك: "ويستحبّ للرَّجل أن يأكل من هَدْيه، وأُضحيته، وأن يتصدّق بالأكثر".
صَلاَةُ عِيدِ الأَْضْحَى
تعتبر صلاة العيد من السُنَن المؤكّدة عند المالكيّة والشافعيّة، بينما هي واجبةٌ عند الحنفيّة، وفرضٌ على الكفاية عند الحنابلة، ويبدأ وقت صلاة العيد من بعد طلوع الشمس، وينتهي وقتها قُبيل زوال الشّمس، ويُقصد بزوال الشمس؛ مَيْلها عن منتصف السّماء.
ويُسنّ للمُسلمين تعجيل أداء صلاة عيد الأضحى ؛ ليتّسع الوقت لذَبْح الأضاحي، والأكل منها، وممّا يُسنّ في حقّ المُسلم فِعْله يوم الأضحى؛ الذّهاب إلى مصلّى العيد مشياً، وترك الرُّكوب في ذهابه إلى المُصلّى، وإيابه منه، والحرص على مخالفة الطريق؛ فيكون الذّهاب إلى المُصلّى من طريقٍ، والعودة من طريقٍ آخرٍ؛ لثبوت ذلك من فَعْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.
التكبير
يُسنّ للمسلم باتّفاق أصحاب المذاهب الأربعة أن يجهر بالتكبير عند خروجه إلى صلاة العيد يوم الأضحى، كما يُشرع في حقّه التكبير من فجر يوم عرفة، إلى عصر آخر يومٍ من أيّام التّشريق، وذلك بعد أداء كلّ صلاةٍ، ومن الصِّيَغ المشروعة في التكبير، قَوْل: (اللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ وللهِ الحَمدُ).
و التكبير يوم الأضحى إمّا أن يكون تكبيراً مُطلقاً؛ حيث يُشرع في جميع أوقات اليوم، من ليلٍ، أو نهارٍ، كما يُشرع في جميع الأماكن التي يجوز فيها ذِكْر الله؛ من بيوتٍ، وأسواقٍ، ومساجد، وإمّا أن يكون التكبير مقيّداً؛ يُشرع عَقب الصلوات.
التطيب والاغتسال
يُستحبُّ الاغتسال يوم العيد باتفاق الفقهاء، أما وقت الغسل ففيه سعة، فمنهم من يرى أنَّه بعد الفجر، وقال آخرون يستحب الغسل قبل الفجر، ومن السنة أن يتطيب الرجل في يوم العيد ويرتدي أجمل ما عندهم من الثياب، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلبس في العيد أجمل الثياب.
التجمل يوم العيد
التجمّل يوم العيد، وقد ثبت ذلك من فَعْل الصحابة -رضي الله عنهم-، وقد أقرّ عليه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- دون أن يُنكر عليهم، فدلّ ذلك على الإباحة، وممّا يدلّ على ذلك ما أخرجه البخاريّ عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِن إسْتَبْرَقٍ تُباعُ في السُّوقِ، فأخَذَها، فأتَى بها رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هذِه تَجَمَّلْ بها لِلْعِيدِ والوُفُودِ...).
(فقالَ له رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: إنَّما هذِه لِباسُ مَن لا خَلاقَ له فَلَبِثَ عُمَرُ ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ أرْسَلَ إلَيْهِ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بجُبَّةِ دِيباجٍ، فأقْبَلَ بها عُمَرُ، فأتَى بها رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فقالَ يا رَسولَ اللَّهِ: إنَّكَ قُلْتَ: إنَّما هذِه لِباسُ مَن لا خَلاقَ له وأَرْسَلْتَ إلَيَّ بهذِه الجُبَّةِ، فقالَ له رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: تَبِيعُها أوْ تُصِيبُ بها حاجَتَكَ).
مخالفة الطريق بالعودة من صلاة العيد
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جاء العيد يذهب للصلاة من طريق، وعند عودته يرجع من طريق آخر، ومن السنة اتباع الرسول الكريم وإن لم يُعلم الحكمة من ذلك، وقد تعدَّدت أقوال العلماء في الحكمة من ذلك، ومنها أنَّه -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك حتى تشهد له الطريقان، وقيل أيضا حتى يشهد له سكان هذه الطرق من الإنس والجن.
تبادل التهنئة وتأخير الأكل لبعد الصلاة
تبادل المسلمين التهنئة يوم العيد فيما بينهم بالسلام والمصافحة سنّة، وليست هناك صيغة مخصّصة يجب الالتزام بها، فكل ما يقوله الناس في هذا اليوم من تهنئة جائز على أن لا يكون فيه إثم، فقد ورد عن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّهم كانوا يتبادلون التهنئة في يوم العيد، وذلك بقولهم "تقبَّل الله منا ومنكم".[32]ويُستحبُّ في يوم عيد الأضحى أن يؤخِّر المسلم طعامه إلى حين رجوعه من صلاة العيد كما كان يفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن بريدة بن الحصيب الأسلمي: (كان النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- لا يخرج يومَ الفطرِ حتى يطعمَ، ولا يطعمُ يومَ الأضحى، حتى يصلي).
ملخّص المقال: عيد الأضحى أحد الشعائر الإسلامية المقدسة، ووقته بعد موسم الحج، ويسنّ فيه للحاج مجموعة من السنن منها: رمي الجمرات، وذبح الهدي، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، ويستحب للمسلم غير الحاج تعظيم هذه الشعيرة المقدسة بالتطيّب والاغتسال والذهاب إلى صلاة العيد والتكبير في كل وقت وفي كل مكان.